الباحث القرآني

(p-٢٣٦٦)القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [٧٣] ﴿وهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ بِالحَقِّ ويَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الحَقُّ ولَهُ المُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّورِ عالِمُ الغَيْبِ والشَّهادَةِ وهو الحَكِيمُ الخَبِيرُ﴾ ﴿وهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ بِالحَقِّ﴾ أيْ: بِالحِكْمَةِ، كَقَوْلِهِ: ﴿وما خَلَقْنا السَّماءَ والأرْضَ وما بَيْنَهُما باطِلا﴾ [ص: ٢٧] وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ويَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الحَقُّ﴾ بَيانٌ لِقُدْرَتِهِ تَعالى عَلى حَشْرِهِمْ، بِكَوْنِ مُرادِهِ لا يَتَخَلَّفُ عَنْ أمْرِهِ، وأنَّ قَوْلَهُ هو النّافِذُ والواقِعُ، والمُرادُ بِ (القَوْلِ) كَلِمَةُ (كُنْ) تَحْقِيقًا أوْ تَمْثِيلًا. فَ (قَوْلُهُ الحَقُّ) مُبْتَدَأٌ وخَبَرٌ. و(يَوْمَ) ظَرْفٌ لِمَضْمُونِ هَذِهِ الجُمْلَةِ. كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّما أمْرُهُ إذا أرادَ شَيْئًا أنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس: ٨٢] وكَأنَّ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿وهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ﴾ إلَخْ عَقِبَ قَوْلِهِ: ﴿وهُوَ الَّذِي إلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ [الأنعام: ٧٢] سِيقَ لِلِاحْتِجاجِ عَلى قُدْرَتِهِ تَعالى عَلى البَعْثِ، رَدًّا عَلى مُنْكِرِي ذَلِكَ مِنَ المُشْرِكِينَ، الَّذِينَ السِّياقُ فِيهِمْ. وما أشْبَهَ الآيَةَ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ بِقادِرٍ عَلى أنْ يَخْلُقَ مِثْلَهم بَلى وهو الخَلاقُ العَلِيمُ﴾ [يس: ٨١] ﴿إنَّما أمْرُهُ إذا أرادَ شَيْئًا﴾ [يس: ٨٢] ولا يَخْفى أنَّ بِاسْتِحْضارِ النَّظائِرِ القُرْآنِيَّةِ، تَنْجَلِي الحَقائِقُ. وقَدْ تَوَسَّعَ المُفَسِّرُونَ هُنا في إعْرابِ هَذِهِ الجُمْلَةِ، بِسَرْدِ وُجُوهٍ ضاعَ الظّاهِرُ بَيْنَها - وقَدْ عَلِمْتَهُ؛ فاحْرِصْ عَلَيْهِ. (p-٢٣٦٧)﴿ولَهُ المُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ في الصُّورِ﴾ أيْ: فَلا بُدَّ أنْ يَفْعَلَ بِالمُطِيعِ والعاصِي فِعْلَ المُلُوكِ، لِمَن يُطِيعُهم أوْ يَعْصِيهِمْ. فَ (يَوْمَ) ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ: ولَهُ المُلْكُ - قالَهُ أبُو السُّعُودِ - وتَقْيِيدُ اخْتِصاصِ المُلْكِ بِهِ تَعالى، بِذَلِكَ اليَوْمِ، مَعَ اليَوْمِ، مَعَ عُمُومِ الِاخْتِصاصِ لِجَمِيعِ الأوْقاتِ، لِغايَةِ ظُهُورِ ذَلِكَ. بِانْقِطاعِ العَلائِقِ المَجازِيَّةِ الكائِنَةِ في الدُّنْيا، المُصَحِّحَةِ لِلْمالِكِيَّةِ المَجازِيَّةِ في الجُمْلَةِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿لِمَنِ المُلْكُ اليَوْمَ لِلَّهِ الواحِدِ القَهّارِ﴾ [غافر: ١٦] وقَوْلِهِ: ﴿المُلْكُ يَوْمَئِذٍ الحَقُّ لِلرَّحْمَنِ﴾ [الفرقان: ٢٦] وقَدْ زَعَمَ بَعْضُهم أنَّ المُرادَ بِ (الصُّورِ) هُنا جَمْعُ صُورَةٍ، أيْ: يَوْمَ يُنْفَخُ فِيها، فَتَحْيا. قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: والصَّحِيحُ أنَّ المُرادَ بِ (الصُّورِ) القَرْنُ الَّذِي يَنْفُخُ فِيهِ إسْرافِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ، وهَكَذا قالَ ابْنُ جَرِيرٍ: الصَّوابُ عِنْدَنا ما تَظاهَرَتْ بِهِ الأخْبارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أنَّهُ قالَ: ««إنْ إسْرافِيلَ قَدِ التَقَمَ الصُّورَ، وحَنى جَبْهَتَهُ يَنْتَظِرُ مَتى يُؤْمَرُ فَيَنْفُخُ»» . ورَوى الإمامُ أحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قالَ: «إنَّ أعْرابِيًّا سَألَ النَّبِيَّ ﷺ عَنِ الصُّورِ؟ (p-٢٣٦٨)فَقالَ: «قَرْنٌ يُنْفَخُ فِيهِ»» . ورَواهُ أبُو داوُدَ والتِّرْمِذِيُّ والحاكِمُ، عَنْهُ أيْضًا. ﴿عالِمُ الغَيْبِ والشَّهادَةِ﴾ أيْ: هو عالِمُهُما ﴿وهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ﴾ [الأنعام: ١٨] ذُو الحِكْمَةِ في سائِرِ أفْعالِهِ. والعِلْمِ بِالأُمُورِ الجَلِيَّةِ والخَفِيَّةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب