الباحث القرآني

(p-٢٣٦٢)القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [٦٩] ﴿وما عَلى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِن حِسابِهِمْ مِن شَيْءٍ ولَكِنْ ذِكْرى لَعَلَّهم يَتَّقُونَ﴾ ﴿وما عَلى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِن حِسابِهِمْ مِن شَيْءٍ﴾ أيْ: وما يَلْزَمُ المُتَّقِينَ الَّذِينَ يُجالِسُونَهم شَيْءٌ عَمّا يُحاسَبُونَ عَلَيْهِ مِن خَوْضِهِمْ ﴿ولَكِنْ ذِكْرى﴾ أيْ: ولَكِنْ أُمِرُوا بِالإعْراضِ عَنْهُمْ، لِيَكُونَ ذِكْرى لِضُعَفاءِ المُسْلِمِينَ؛ لِئَلّا يَقَعَ شَيْءٌ مِن مُطاعِنِ المُسْتَهْزِئِينَ في قُلُوبِهِمْ ﴿لَعَلَّهم يَتَّقُونَ﴾ أيْ: يَبْلُغُ مَبْلَغَ التَّوَقِّي مِن شُبُهاتِهِمْ، بِالجُلُوسِ مَعَ عُلَمائِهِ بَدَلَهم. تَنْبِيهانِ: الأوَّلُ: ما ذَكَرْناهُ في مَعْنى الآيَةِ، هو ما قَرَّرَهُ المَهايِمِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى. وقِيلَ: المَعْنى: ولَكِنْ عَلى المُتَّقِينَ أنْ يُذَكِّرُوهم ذِكْرى إذا سَمِعُوهم يَخُوضُونَ، بِالقِيامِ عَنْهُمْ، وإظْهارِ الكَراهَةِ لَهم ومَوْعِظَتِهِمْ، لَعَلَّهم يَتَّقُونَ الخَوْضَ حَياءً أوْ كَراهَةً لِمَساءَتِهِمْ، فَلا يَعُودُونَ إلَيْهِ، وجَوَّزُوا أنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ: لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ، أيْ: يُذَكِّرُونَهم رَجاءَ أنْ يَثْبُتُوا عَلى تَقْواهُمْ، أوْ يَزْدادُوها. انْتَهى. وما ذَكَرْناهُ أسَدُّ وأوْجَهُ. ورَوى ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قالَ في الآيَةِ: أيْ: ما عَلَيْكَ أنْ يَخُوضُوا في آياتِ اللَّهِ إذا فَعَلْتَ ذَلِكَ. أيْ: إذا تَجَنَّبْتَهُمْ، وأعْرَضْتَ عَنْهم. وعَلَيْهِ فالمَوْصُولُ كِنايَةٌ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. التَفَتَ بِهِ تَعْظِيمًا وتَكْرِيمًا. الثّانِي: قالَ السُّيُوطِيُّ في "الإكْلِيلِ": قَدْ يُسْتَدَلُّ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وما عَلى الَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ إلَخْ عَلى أنَّ مَن جالَسَ أهْلَ المُنْكِرِ، وهو غَيْرُ راضٍ بِفِعْلِهِمْ، فَلا إثْمَ عَلَيْهِ. لَكِنَّ آيَةَ النِّساءِ تَدُلُّ عَلى أنَّهُ آثِمٌ، ما لَمْ يُفارِقْهُمْ؛ لِأنَّهُ قالَ: إنَّكم إذًا مِثْلُهم. أيْ: (p-٢٣٦٣)إنْ قَعَدْتُمْ فَأنْتُمْ مِثْلُهم في الإثْمِ، وهي مُتَأخِّرَةٌ. فَيُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ ناسِخَةً لِهَذِهِ كَما ذَهَبَ إلَيْهِ قَوْمٌ مِنهُمُ السُّدِّيُّ. أقُولُ: المَنفِيُّ في الآيَةِ هو لُحُوقُ شَيْءٍ مِن وبالِ الخائِضِينَ، وإثْمِ كُفْرِهِمْ لِمُجالِسِيهِمُ المُتَّقِينَ، فَلا يُنافِي ذَلِكَ لِحُوقَ وبالِ المُجالَسَةِ عَلى انْفِرادِها، وهو ما أفادَتْهُ آيَةُ النِّساءِ. فالمِثْلِيَّةُ إذَنْ في مُطْلَقِ الإثْمِ، وإنْ تَبايَنَ (ماصَدَقُهُ) فِيهِما؛ إذْ لا قائِلَ بِأنَّ مُطْلَقَ مُجالَسَتِهِمْ رِدَّةٌ وكُفْرٌ. نَعَمْ! لَوْ قِيلَ بِأنَّ المِثْلِيَّةَ مَحْمُولَةٌ عَلى ما إذا حَصَلَ الرِّضا بِشَأْنِ مُجالَسَتِهِمْ، فَلا إشْكالَ إذَنْ. وبِالجُمْلَةِ فاسْتِدْلالُ "الإكْلِيلِ" واهٍ، ولِذا عَبَّرَ بِ (قَدْ)، ودَعْوى النَّسْخِ أوْهى. فَتَأمَّلْ!
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب