الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[٦٨] ﴿وإذا رَأيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ في آياتِنا فَأعْرِضْ عَنْهم حَتّى يَخُوضُوا في حَدِيثٍ غَيْرِهِ وإمّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ القَوْمِ الظّالِمِينَ﴾
﴿وإذا رَأيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ﴾ أيْ: بِالطَّعْنِ والِاسْتِهْزاءِ ﴿فِي آياتِنا﴾ أيِ: المَنسُوبَةِ إلى مَقامِ عَظَمَتِنا، الَّتِي حَقُّها أنْ تُعَظَّمَ بِما يُناسِبُ عَظَمَتَنا. والمَوْصُولُ كِنايَةٌ عَنْ مُشْرِكِي مَكَّةَ، فَقَدْ كانَ دَيْدَنُهم ذَلِكَ ﴿فَأعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ أيْ: فَلا تُجالِسْهُمْ، وقُمْ عَنْهم ﴿حَتّى يَخُوضُوا في حَدِيثٍ غَيْرِهِ﴾ أيْ: حَتّى يَأْخُذُوا في كَلامٍ آخَرَ، غَيْرِ ما كانُوا فِيهِ مِنَ الخَوْضِ في آياتِنا.
(p-٢٣٦٠)﴿وإمّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ﴾ بِأنْ يَشْغَلَكَ فَتَنْسى النَّهْيَ عَنْ مُجالَسَتِهِمْ ﴿فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ القَوْمِ الظّالِمِينَ﴾ أيْ: إنْ يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ، فَجَلَسْتَ مَعَهُمْ، فَلا تُؤاخَذْ بِهِ، لَكِنْ إذا ذَكَرْتَ النَّهْيَ، فَلا تَقْعُدْ مَعَهُمْ؛ لِأنَّهم ظالِمُونَ بِالطَّعْنِ في الكَلامِ المُعْجِزِ، عِنادًا.
وفِي الحَدِيثِ: ««إنَّ اللَّهَ وضَعَ عَنْ أُمَّتِي الخَطَأ والنِّسْيانَ، وما اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ»» - رَواهُ الطَّبَرانِيُّ عَنْ ثَوْبانَ مَرْفُوعًا. وإسْنادُهُ صَحِيحٌ - وهَذِهِ الآيَةُ هي المُشارُ إلَيْها في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وقَدْ نَـزَّلَ عَلَيْكم في الكِتابِ أنْ إذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها ويُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهم حَتّى يَخُوضُوا في حَدِيثٍ غَيْرِهِ إنَّكم إذًا مِثْلُهُمْ﴾ [النساء: ١٤٠] الآيَةَ. لِأنَّ في حُضُورِ المُنْكَرِ مَعَ إمْكانِ التَّباعُدِ عَنْهُ، مُشارَكَةً لِصاحِبِهِ.
فَوائِدُ:
قالَ السُّيُوطِيُّ في "الإكْلِيلِ": في هَذِهِ الآيَةِ وُجُوبُ اجْتِنابِ مَجالِسِ المُلْحِدِينَ، وأهْلِ اللَّغْوِ، ويُسْتَدَلُّ بِها عَلى أنَّ النّاسِيَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، وأنَّهُ إذا ذَكَرَ عادَ إلَيْهِ التَّكْلِيفُ، فَيُعْفى عَمّا ارْتَكَبَهُ في حالِ نِسْيانِهِ. ويَنْدَرِجُ تَحْتَ ذَلِكَ مَسائِلُ كَثِيرَةٌ في العِباداتِ والتَّعْلِيقاتِ. انْتَهى.
وقالَ الرّازِيُّ: ومِنَ الحَشْوِيَّةِ مَنِ اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الآيَةِ في النَّهْيِ عَنِ الِاسْتِدْلالِ والمُناظَرَةِ في ذاتِ اللَّهِ تَعالى وصِفاتِهِ. قالَ: لِأنَّ ذَلِكَ خَوْضٌ في آياتِ اللَّهِ، والخَوْضُ في آياتِ اللَّهِ حَرامٌ بِدَلِيلِ هَذِهِ الآيَةِ.
والجَوابُ عَنْهُ: أنَّ المُرادَ مِنَ الخَوْضِ في الآيَةِ الشُّرُوعُ في الطَّعْنِ والِاسْتِهْزاءِ. فَسَقَطَ هَذا الِاسْتِدْلالُ. واللَّهُ أعْلَمُ.
(p-٢٣٦١)وقالَ بَعْضُ مُفَسِّرِي الزَّيْدِيَّةِ - ثَمَرَةُ الآيَةِ أحْكامٌ:
الأوَّلُ: وُجُوبُ الإعْراضِ عَنْ مَجالِسِ المُسْتَهْزِئِينَ بِآياتِ اللَّهِ أوْ بِحُجَجِهِ أوْ بِرُسُلِهِ، وأنْ لا يُقْعَدَ مَعَهُمْ؛ لِأنَّ في القُعُودِ إظْهارَ عَدَمِ الكَراهَةِ؛ وذَلِكَ لِأنَّ التَّكْلِيفَ عامٌّ لَنا، ولِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وإنَّما يَجِبُ الإعْراضُ، وتَرْكُ الجُلُوسِ مَعَهُمْ، إذا لَمْ يَطْمَعْ في قَبُولِهِمْ، فَإذا انْقَطَعَ طَمَعُهُ إذًا، فَلا فائِدَةَ في دُعائِهِمْ. ويَجِبُ القِيامُ عَنْ مَجالِسِهِمْ إذا عَرَفَ أنَّ قِيامَهُ يَكُونُ سَبَبًا في تَرْكِ الخَوْضِ، وأنَّهم إنَّما يَفْعَلُونَهُ مُغايَظَةً لِلْواقِفِ، إذْ كانَ وُقُوفُهُ يُوهِمُ عَدَمَ الكَراهَةِ.
الحُكْمُ الثّانِي: جَوازُ مُجالَسَةِ الكُفّارِ، مَعَ عَدَمِ الخَوْضِ؛ لِأنَّهُ إنَّما أُمِرْنا بِالإعْراضِ مَعَ الخَوْضِ. وأيْضًا فَقَدْ قالَ تَعالى: ﴿حَتّى يَخُوضُوا في حَدِيثٍ غَيْرِهِ﴾ قالَ الحاكِمُ: والآيَةُ تَدُلُّ أيْضًا عَلى المَنعِ مِن مُجالَسَةِ الظَّلَمَةِ والفَسَقَةِ، إذا أظْهَرُوا المُنْكَراتِ، وتَدُلُّ عَلى إباحَةِ الدُّخُولِ عَلَيْهِمْ لِغَرَضٍ، كَما يُباحُ لِلتَّذْكِيرِ. وفي الآيَةِ أيْضًا دَلالَةٌ عَلى وُجُوبِ الإنْكارِ؛ لِأنَّ الإعْراضَ إنْكارٌ. قالَ: وتَدُلُّ عَلى أنَّ التَّقِيَّةَ مِنَ الأنْبِياءِ والأئِمَّةِ بِإظْهارِهِمُ المُنْكَرَ لا تَجُوزُ، خِلافَ الإمامِيَّةِ، وتَدُلُّ عَلى جَوازِ النِّسْيانِ عَلى الأنْبِياءِ.
الحُكْمُ الثّالِثُ: أنَّ النّاسِيَ مَرْفُوعٌ عَنْهُ الحَرَجُ، فَإنْ قِيلَ: النِّسْيانُ فِعْلُ اللَّهِ، فَلِمَ أُضِيفَ إلى الشَّيْطانِ؟ أُجِيبَ: بِأنَّ السَّبَبَ مِنَ الشَّيْطانِ، وهو الوَسْوَسَةُ والإعْراضُ عَنِ الذِّكْرِ، فَأُضِيفَ إلَيْكَ لِذَلِكَ. كَما أنَّ مَن ألْقى غَيْرَهُ في النّارِ فَماتَ، يُقالُ، إنَّهُ القاتِلُ، وإنْ كانَ الإحْراقُ فِعْلَ اللَّهِ، واخْتُلِفَ في النِّسْيانِ ما هُوَ؟ فَقالَ الحاكِمُ: هو مَعْنًى يُحْدِثُهُ اللَّهُ في القَلْبِ. وقالَ أبُو هاشِمٍ وأصْحابُهُ: لَيْسَ بِمَعْنًى، وإنَّما هو زَوالُ العِلْمِ الضَّرُورِيِّ الَّذِي جَرَتِ العادَةُ بِحُصُولِهِ. انْتَهى.
{"ayah":"وَإِذَا رَأَیۡتَ ٱلَّذِینَ یَخُوضُونَ فِیۤ ءَایَـٰتِنَا فَأَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ حَتَّىٰ یَخُوضُوا۟ فِی حَدِیثٍ غَیۡرِهِۦۚ وَإِمَّا یُنسِیَنَّكَ ٱلشَّیۡطَـٰنُ فَلَا تَقۡعُدۡ بَعۡدَ ٱلذِّكۡرَىٰ مَعَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق