الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [٥٧] ﴿قُلْ إنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّي وكَذَّبْتُمْ بِهِ ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إنِ الحُكْمُ إلا لِلَّهِ يَقُصُّ الحَقَّ وهو خَيْرُ الفاصِلِينَ﴾ ﴿قُلْ إنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِن رَبِّي﴾ أيْ: عَلى بَصِيرَةٍ مِن شَرِيعَةِ اللَّهِ الَّتِي أوْحاها إلَيَّ، لا يُمْكِنُ التَّشْكِيكُ فِيها: ﴿وكَذَّبْتُمْ بِهِ﴾ اسْتِئْنافٌ أوْ حالٌ، والضَّمِيرُ لِلْبَيِّنَةِ. والتَّذْكِيرُ بِاعْتِبارِ المَعْنى المُرادِ. أعْنِي: الوَحْيَ، أوِ القُرْآنَ، أوْ نَحْوَهُما ﴿ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ﴾ أيْ: مِنَ العَذابِ. قالَ أبُو السُّعُودِ: اسْتِئْنافٌ مُبَيِّنٌ لِخَطَئِهِمْ في شَأْنِ ما جَعَلُوهُ مَنشَأً لِتَكْذِيبِهِمْ بِالبَيِّنَةِ، وهو عَدَمُ مَجِيءِ ما وُعِدَ فِيها مِنَ العَذابِ الَّذِي كانُوا يَسْتَعْجِلُونَهُ بِقَوْلِهِمْ: مَتى هَذا الوَعْدُ إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ؟ بِطَرِيقِ الِاسْتِهْزاءِ، أوْ بِطَرِيقِ الإلْزامِ، عَلى زَعْمِهِمْ. أيْ: لَيْسَ ما تَسْتَعْجِلُونَهُ مِنَ العَذابِ المَوْعُودِ في القُرْآنِ، وتَجْعَلُونَ تَأخُّرَهُ ذَرِيعَةً إلى تَكْذِيبِهِ، في حُكْمِي وقُدْرَتِي، حَتّى أجِيءَ بِهِ، وأُظْهِرَ لَكم صِدْقَهُ. أوْ لَيْسَ أمْرُهُ بِمُفَوَّضٍ إلَيَّ. ﴿إنِ الحُكْمُ إلا لِلَّهِ﴾ أيْ: لَوْ كانَ عِنْدِي لَكُنْتُ أنا الحاكِمَ، لَكِنْ ما الحُكْمُ في ذَلِكَ تَعْجِيلًا وتَأْخِيرًا إلّا لِلَّهِ، وقَدْ حَكَمَ بِتَأْخِيرِهِ، لِما لَهُ مِنَ الحِكْمَةِ العَظِيمَةِ، لَكِنَّهُ مُحَقَّقُ الوُقُوعِ لِأنَّهُ: ﴿يَقُصُّ الحَقَّ﴾ أيْ: يُبَيِّنُهُ بَيانًا شافِيًا ﴿وهُوَ خَيْرُ الفاصِلِينَ﴾ أيِ: القاضِينَ بَيْنَ عِبادِهِ. (p-٢٣٣٩)لَطِيفَةٌ: قُرِئَ: "يَقْضِ الحَقَّ" بِالضّادِ، وانْتِصابِ الحَقِّ عَلى المَصْدَرِيَّةِ؛ لِأنَّهُ صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ قامَتْ مَقامَهُ. أوْ عَلى المَفْعُولِيَّةِ، بِتَضْمِينِ (يَقْضِي) مَعْنى (يُنْفِذُ)، أوْ هو مُتَعَدٍّ مِن (قَضى الدِّرْعَ) إذا صَنَعَها. قالَ الهُذَلِيُّ: ؎وعَلَيْها مَسْرُودَتانِ قَضاهُما داوُدُ أوْ صَنَعُ السَّوابِغِ تُبَّعُ (p-٢٣٤٠)قالَ الرّازِيُّ: واحْتَجَّ أبُو عَمْرٍو عَلى هَذِهِ القِراءَةِ بِقَوْلِهِ: وهو خَيْرُ الفاصِلِينَ قالَ: والفَصْلُ يَكُونُ في القَضاءِ، لا في القَصَصِ. وأجابَ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ. فَقالَ: القَصَصُ هاهُنا بِمَعْنى القَوْلِ، وقَدْ جاءَ الفَصْلُ في القَوْلِ. قالَ تَعالى: ﴿إنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ﴾ [الطارق: ١٣] وقالَ: ﴿أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ﴾ [هود: ١] وقالَ: نُفَصِّلُ الآياتِ. انْتَهى. قالَ الشِّهابُ: مَعْنى (يَقُصُّهُ) أيْ: يُبَيِّنُهُ بَيانًا شافِيًا، وهو عَيْنُ القَضاءِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب