الباحث القرآني
(p-٢٣٣٤)القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[٥٤] ﴿وإذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكم كَتَبَ رَبُّكم عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكم سُوءًا بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِن بَعْدِهِ وأصْلَحَ فَأنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكم كَتَبَ رَبُّكم عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكم سُوءًا بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِن بَعْدِهِ وأصْلَحَ فَأنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ ذَهَبَ جَماعَةٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ إلى أنَّ هَؤُلاءِ هُمُ الَّذِينَ سَألَ المُشْرِكُونَ طَرْدَهم وإبْعادَهُمْ، فَأكْرَمَهُمُ اللَّهُ بِهَذا الإكْرامِ.
قالَ البَيْضاوِيُّ: وصَفَهم تَعالى بِالإيمانِ بِالقُرْآنِ، واتِّباعِ الحُجَجِ، بَعْدَ ما وصَفَهم بِالمُواظَبَةِ عَلى العِبادَةِ، وأمَرَهُ بِأنْ يَبْدَأهم بِالتَّسْلِيمِ، أوْ يُبَلِّغَ سَلامَ اللَّهِ تَعالى إلَيْهِمْ، ويُبَشِّرَهم بِسِعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعالى وفَضْلِهِ، بَعْدَ النَّهْيِ عَنْ طَرْدِهِمْ، إيذانًا بِأنَّهُمُ الجامِعُونَ لِفَضِيلَتَيِ العِلْمِ والعَمَلِ، ومَن كانَ كَذَلِكَ يَنْبَغِي أنْ يُقَرَّبَ ولا يُطْرَدَ، ويُعَزَّ ولا يُذَلَّ، ويُبَشَّرَ مِنَ اللَّهِ بِالسَّلامَةِ في الدُّنْيا، والرَّحْمَةِ في الآخِرَةِ. انْتَهى.
وسَلَفَ عَنِ ابْنِ جَرِيرٍ أنَّها نَزَلَتْ في عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ ماهانَ، قالَ «جاءَ النّاسُ إلى النَّبِيِّ ﷺ فَقالُوا: إنّا أصَبْنا ذُنُوبًا عِظامًا، فَما رَدَّ عَلَيْهِمْ شَيْئًا، فَأنْزَلَ اللَّهُ: وإذا جاءَكَ .. الآيَةَ». ولا يَخْفى أنَّ الآيَةَ تَشْتَمِلُ جَمِيعَ ذَلِكَ، ورُبَّما تَتَعَدَّدُ الوَقائِعُ المُشْتَرَكَةُ في حُكْمٍ واحِدٍ، فَتَنْزِلُ الآيَةُ بَيانًا لِلْكُلِّ. وتَقَدَّمَ لَنا في مُقَدِّمَةِ هَذا التَّفْسِيرِ، في بَحْثِ سَبَبِ النُّزُولِ، أنَّ قَوْلَ السَّلَفِ: نَزَلَتْ في كَذا، قَدْ يَقْصِدُونَ بِهِ أنَّ واقِعَتَهُ مِمّا يَشْمَلُها لَفْظُ الآيَةِ، لِنُزُولِها إثْرَها فَتَذَكَّرْهُ، وأجِلْ فِكْرَكَ في أطْرافِهِ، فَإنَّهُ مُهِمٌّ جِدًّا. وبِمَعْرِفَتِهِ يَنْدَفِعُ إشْكالُ الرّازِيِّ الَّذِي قَرَّرَهُ هُنا.
(p-٢٣٣٥)وقَوْلُهُ تَعالى: كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أيْ: أوْجَبَها أيْ: أوْجَبَها عَلى ذاتِهِ المُقَدَّسَةِ، تَفَضُّلًا مِنهُ وإحْسانًا وامْتِنانًا.
وقَوْلُهُ: أنَّهُ مَن عَمِلَ إلَخْ بَدَلٌ مِن: الرَّحْمَةَ. وقُرِئَ بِكَسْرِ الهَمْزَةِ عَلى أنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلرَّحْمَةِ بِطَرِيقِ الِاسْتِئْنافِ.
وقَوْلُهُ: بِجَهالَةٍ في مَوْضِعِ الحالِ، أيْ: عَمِلَهُ وهو جاهِلٌ، وفِيهِ مَعْنَيانِ:
أحَدُهُما: أنَّهُ فاعِلُ فِعْلِ الجَهَلَةِ؛ لِأنَّ مَن عَمَلِ ما يُؤَدِّي إلى الضَّرَرِ في العاقِبَةِ، وهو عالِمٌ بِذَلِكَ، أوْ ظانٌّ، فَهو مِن أهْلِ السَّفَهِ والجَهْلِ، لا مِن أهْلِ الحِكْمَةِ والتَّدْبِيرِ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎عَلى أنَّها قالَتْ عَشِيَّةَ زُرْتُها جَهِلْتَ عَلى عَمْدٍ ولَمْ تَكْ جاهِلا
والثّانِي: أنَّهُ جاهِلٌ بِما يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنَ المَكْرُوهِ والمَضَرَّةِ، ومِن حَقِّ الحَكِيمِ أنْ لا يُقْدِمَ عَلى شَيْءٍ حَتّى يَعْلَمَ حالَهُ وكَيْفِيَّتَهُ. كَذا في "الكَشّافِ".
(p-٢٣٣٦)فَعَلى الأوَّلِ، الجَهْلُ: بِمَعْنى السَّفَهِ والمُخاطَرَةِ مِن غَيْرِ نَظَرٍ لِلْعَواقِبِ، كَما في قَوْلِهِ:
؎فَنَجْهَلُ فَوْقَ جَهْلِ الجاهِلِينا
وكانَتِ العَرَبُ تَتَمَدَّحُ بِهِ، فَلا حاجَةَ لِتَقْدِيرِ مَفْعُولٍ.
وعَلى الثّانِي، المُرادُ: الجَهالَةُ بِمَضارِّ ما يَفْعَلُهُ.
وقَوْلُهُ تَعالى: وأصْلَحَ أيِ: العَمَلَ. كَقَوْلِهِ: وعَمِلَ عَمَلًا صالِحًا. ورَوى الإمامُ أحْمَدُ والشَّيْخانِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَمّا قَضى اللَّهُ عَلى الخَلْقِ كَتَبَ فِيهِ كِتابَهُ، فَهو عِنْدُهُ فَوْقَ العَرْشِ: إنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ غَضَبِي».
تَنْبِيهٌ:
نَقَلَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ عَنِ الحاكِمِ أنَّهُ قالَ: دَلَّتِ الآيَةُ عَلى وُجُوبِ تَعْظِيمِ المُؤْمِنِينَ. (p-٢٣٣٧)ودَلَّتْ عَلى أنَّهُ يَنْبَغِي إنْزالُ المَسَرَّةِ بِالمُؤْمِنِ؛ لِأنَّهُ أُمِرَ بِأنْ يَقُولَ لَهُمْ: كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لِتَطِيبَ قُلُوبُهم. انْتَهى.
{"ayah":"وَإِذَا جَاۤءَكَ ٱلَّذِینَ یُؤۡمِنُونَ بِـَٔایَـٰتِنَا فَقُلۡ سَلَـٰمٌ عَلَیۡكُمۡۖ كَتَبَ رَبُّكُمۡ عَلَىٰ نَفۡسِهِ ٱلرَّحۡمَةَ أَنَّهُۥ مَنۡ عَمِلَ مِنكُمۡ سُوۤءَۢا بِجَهَـٰلَةࣲ ثُمَّ تَابَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَصۡلَحَ فَأَنَّهُۥ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق