الباحث القرآني
ثُمَّ بَيَّنَ تَعالى أحْوالَ أهْلِ الكِتابِ، إثْرَ بَيانِ حالِ المُشْرِكِينَ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ.
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[١٥٩] ﴿إنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهم وكانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنهم في شَيْءٍ إنَّما أمْرُهم إلى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهم بِما كانُوا يَفْعَلُونَ﴾
﴿إنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ﴾ أيِ: اخْتَلَفُوا فِيهِ، مَعَ وحْدَتِهِ في نَفْسِهِ، فَجَعَلُوهُ أهْواءً مُتَفَرِّقَةً: ﴿وكانُوا شِيَعًا﴾ أيْ: فِرَقًا تُشَيِّعُ كُلُّ فِرْقَةٍ إمامًا لَها بِحَسَبِ غَلَبَةِ تِلْكَ الأهْواءِ.
فَلَمْ يَتَعَبَّدُوا إلّا بِعاداتٍ وبِدَعٍ، ولَمْ يَنْقادُوا إلّا لِأهْواءٍ وخُدَعٍ: ﴿لَسْتَ مِنهم في شَيْءٍ﴾ أيْ: مِن عِقابِهِمْ. أوْ أنْتَ بَرِيءٌ مِنهم مَحْمِيُّ الجَنابِ عَنْ مَذاهِبِهِمْ. أوِ المَعْنى: اتْرُكْهُمْ؛ فَإنَّ لَهم ما لَهم.
وقالَ القاشانِيُّ: أيْ: لَسْتَ مِن هِدايَتِهِمْ إلى التَّوْحِيدِ في شَيْءٍ؛ إذْ هم أهْلُ التَّفْرِقَةِ (p-٢٥٨٦)لا يَجْتَمِعُ هِمَمُهُمْ، ولا يَتَّحِدُ قَصْدُهُمْ: ﴿إنَّما أمْرُهم إلى اللَّهِ﴾ أيْ: في جَزاءِ تَفَرُّقِهِمْ ومُكافَأتِهِمْ، لا إلَيْكَ. ﴿ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ﴾ يَعْنِي إذا ورَدُوا يَوْمَ القِيامَةِ: ﴿بِما كانُوا يَفْعَلُونَ﴾ أيْ: مِنَ السَّيِّئاتِ والتَّفْرِقَةِ، لِمُتابَعَةِ الأهْواءِ. ويُجازِيهِمْ عَلى ذَلِكَ بِما يُماثِلُ أفْعالَهم.
تَنْبِيهٌ:
قالَ مُجاهِدٌ وقَتادَةُ والضَّحّاكُ والسُّدِّيُّ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ في اليَهُودِ والنَّصارى. ورَوى العَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في الآيَةِ؛ أنَّ اليَهُودَ والنَّصارى اخْتَلَفُوا قَبْلَ مَبْعَثِ مُحَمَّدٍ ﷺ فَتَفَرَّقُوا، وحَمَلَ بَعْضُهُمُ الآيَةَ عَلى أهْلِ البِدَعِ وأهْلِ الشُّبُهاتِ وأهْلِ الضَّلالَةِ مِن هَذِهِ الأُمَّةِ. وآخَرُ عَلى الخَوارِجِ، وأسْنَدُوا في ذَلِكَ حَدِيثًا رَفَعُوهُ.
قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وإسْنادُ ذَلِكَ لا يَصِحُّ. ثُمَّ قالَ: والظّاهِرُ أنَّ الآيَةَ عامَّةٌ في كُلِّ مَن فارَقَ دِينَ اللَّهِ وكانَ مُخالِفًا لَهُ، فَإنَّ اللَّهَ بَعَثَ رَسُولَهُ بِالهُدى ودِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلى الدِّينِ كُلِّهِ، وشَرْعُهُ واحِدٌ لا اخْتِلافَ فِيهِ ولا افْتِراقَ. فَمَنِ اخْتَلَفَ فِيهِ (وكانُوا شِيَعًا) أيْ: فِرَقًا كَأهْلِ المِلَلِ والنِّحَلِ والأهْواءِ والضَّلالاتِ، فَإنَّ اللَّهَ تَعالى قَدْ بَرَّأ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مِمّا هم فِيهِ، وهَذِهِ الآيَةُ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿شَرَعَ لَكم مِنَ الدِّينِ ما وصّى بِهِ نُوحًا والَّذِي أوْحَيْنا إلَيْكَ﴾ [الشورى: ١٣] الآيَةَ. وفي الحَدِيثِ: ««نَحْنُ مُعاشِرَ الأنْبِياءِ أوْلادُ عَلّاتٍ. دِينُنا واحِدٌ»» . فَهَذا هو الصِّراطُ المُسْتَقِيمُ، (p-٢٥٨٧)وهُوَ ما جاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ مِن عِبادَةِ اللَّهِ وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، والتَّمَسُّكِ بِشَرِيعَةِ الرَّسُولِ المُتَأخِّرِ، وما خالَفَ ذَلِكَ فَضَلالاتٌ وجَهالاتٌ وآراءٌ وأهْواءٌ. والرُّسُلُ بُرَآءُ مِنها كَما قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿لَسْتَ مِنهم في شَيْءٍ﴾
ثُمَّ قالَ: وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّما أمْرُهم إلى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهم بِما كانُوا يَفْعَلُونَ﴾ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا والَّذِينَ هادُوا والصّابِئِينَ والنَّصارى والمَجُوسَ والَّذِينَ أشْرَكُوا إنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهم يَوْمَ القِيامَةِ﴾ [الحج: ١٧] انْتَهى.
وقَدْ أخْرَجَ أبُو داوُدَ عَنْ مُعاوِيَةَ قالَ: «قامَ فِينا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: «ألا إنَّ مَن قَبْلَكم مِن أهْلِ الكِتابِ افْتَرَقُوا عَلى ثِنْتَيْنِ وسَبْعِينَ مِلَّةً. وإنَّ هَذِهِ المِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلى ثَلاثٍ وسَبْعِينَ. اثْنَتانِ وسَبْعُونَ في النّارِ، وواحِدَةٌ في الجَنَّةِ، وهي الجَماعَةُ»» . ورَواهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وفِيهِ: «قالُوا مَن هي يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قالَ: مَن كانَ عَلى ما أنا عَلَيْهِ وأصْحابِي».
{"ayah":"إِنَّ ٱلَّذِینَ فَرَّقُوا۟ دِینَهُمۡ وَكَانُوا۟ شِیَعࣰا لَّسۡتَ مِنۡهُمۡ فِی شَیۡءٍۚ إِنَّمَاۤ أَمۡرُهُمۡ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ یُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا۟ یَفۡعَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق