الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[١٢٨] ﴿ويَوْمَ يَحْشُرُهم جَمِيعًا يا مَعْشَرَ الجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإنْسِ وقالَ أوْلِياؤُهم مِنَ الإنْسِ رَبَّنا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وبَلَغْنا أجَلَنا الَّذِي أجَّلْتَ لَنا قالَ النّارُ مَثْواكم خالِدِينَ فِيها إلا ما شاءَ اللَّهُ إنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾
﴿ويَوْمَ يَحْشُرُهم جَمِيعًا﴾ أيِ: اذْكُرْ يا مُحَمَّدُ فِيما تَقُصُّهُ عَلَيْهِمْ، وتُنْذِرُهم بِهِ، يَوْمَ نَحْشُرُهم جَمِيعًا، يَعْنِي الجِنَّ وأوْلِياءَهم مِنَ الإنْسِ الَّذِينَ كانُوا يَعْبُدُونَهم في الدُّنْيا، ويَعُوذُونَ بِهِمْ، ويُطِيعُونَهُمْ، ويُوحِي بَعْضُهم إلى بَعْضٍ زُخْرُفَ القَوْلِ غُرُورًا.
(p-٢٤٩٩)﴿يا مَعْشَرَ الجِنِّ﴾ أيْ: نَقُولُ: يا مَعْشَرَ الجِنِّ! يَعْنِي: الشَّياطِينَ. قالَ المَهايِمِيُّ: خَصَّهم بِالنِّداءِ لِأنَّهُمُ الأصْلُ في المَكْرِ ﴿قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإنْسِ﴾ أيْ: مِن إغْوائِهِمْ وإضْلالِهِمْ. أوْ مِنهُمْ، بِأنْ جَعَلْتُمُوهم أتْباعَكُمْ، وتَسْوِيلِكم وتَزْيِينِكُمُ الحُطامَ الدُّنْيَوِيَّةَ، واللَّذّاتِ الجُسْمانِيَّةَ عَلَيْهِمْ، ووَسْوَسَتِكم لَهم بِالمَعاصِي، فَحُشِرُوا مَعَكم. وهَذا بِطَرِيقِ التَّوْبِيخِ والتَّقْرِيعِ. ﴿وقالَ أوْلِياؤُهُمْ﴾ أيِ: الَّذِينَ أطاعُوهم وتَوَلَّوْهُمْ: ﴿مِنَ الإنْسِ رَبَّنا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ﴾ قالَ الحَسَنُ: ما كانَ اسْتِمْتاعُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ إلّا أنَّ الجِنَّ أُمِرَتْ، وعَلِمَتِ الإنْسُ. أيْ: فالجِنُّ نالَتِ التَّعْظِيمَ مِنهم فَعَبَدَتْ، والإنْسُ بِوَسْوَسَتِهِمْ تَمَتَّعُوا بِإيثارِ الشَّهَواتِ الحاضِرَةِ، عَلى اللَّذّاتِ الغائِبَةِ: ﴿وبَلَغْنا أجَلَنا الَّذِي أجَّلْتَ لَنا﴾ أيْ: بِالمَوْتِ، أوْ بِالمَعادِ الجُسْمانِيِّ عَلى أقْبَحِ صُورَةٍ، وأسْوَأِ عَيْشٍ.
قالَ أبُو السُّعُودِ: قالُوا اعْتِرافًا بِما فَعَلُوا مِن طاعَةِ الشَّياطِينِ، واتِّباعِ الهَوى، وتَكْذِيبِ البَعْثِ، وإظْهارًا لِلنَّدامَةِ عَلَيْها، وتَحَسُّرًا عَلى حالِهِمْ، واسْتِسْلامًا لِرَبِّهِمْ. ولَعَلَّ الِاقْتِصارَ عَلى حِكايَةِ كَلامِ الضّالِّينَ، لِلْإيذانِ بِأنَّ المُضِلِّينَ قَدْ أُفْحِمُوا بِالمَرَّةِ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلى التَّكَلُّمِ أصْلًا.
﴿قالَ النّارُ مَثْواكُمْ﴾ أيْ: مَنزِلُكُمْ، كَما أنَّ دارَ السَّلامِ مَثْوى المُؤْمِنِينَ.
﴿خالِدِينَ فِيها إلا ما شاءَ اللَّهُ﴾ قالَ القاشانِيُّ: أيْ: إلّا وقْتَ مَشِيئَتِهِ أنْ تُخَفَّفَ، أوْ يُنْجى مِنكم مَن لا يَكُونُ سَبَبَ تَعْذِيبِهِ شِرْكًا راسِخًا في اعْتِقادِهِ.
وقالَ المَهايِمِيُّ: أيْ: إلّا وقْتَ مَشِيئَتِهِ أنْ يَنْقُلَكم مِنها إلى الزَّمْهَرِيرِ، انْتِقالَكم مِن شَهْوَةٍ إلى أُخْرى.
وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أيْ: يُخَلَّدُونَ في عَذابِ النّارِ، الأبَدَ كُلَّهُ، إلّا الأوْقاتِ الَّتِي يُنْقَلُونَ فِيها مِن عَذابِ النّارِ إلى عَذابِ الزَّمْهَرِيرِ. فَقَدْ رُوِيَ أنَّهم يُدْخَلُونَ وادِيًا فِيهِ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ ما يَمِيزُ بَعْضَ أوْصالِهِمْ مِن بَعْضٍ، فَيَتَعاوَوْنَ ويَطْلُبُونَ الرَّدَّ إلى الجَحِيمِ. أوْ يَكُونُ مِن قَوْلِ (p-٢٥٠٠)المَوْتُورِ الَّذِي ظَفِرَ بِواتِرِهِ، ولَمْ يَزَلْ يُحَرِّقُ عَلَيْهِ أنْيابَهُ، وقَدْ طَلَبَ إلَيْهِ أنْ يُنَفِّسَ عَنْ خِناقِهِ: أهْلَكَنِي اللَّهُ إنْ نَفَّسْتُ عَنْكَ إلّا إذا شِئْتُ. وقَدْ عَلِمَ أنَّهُ لا يَشاءُ إلّا التَّشَفِّيَ مِنهُ بِأقْصى ما يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنَ التَّعْنِيفِ والتَّشْدِيدِ. فَيَكُونُ قَوْلُهُ: (إلّا إذا شِئْتُ) مِن أشَدِّ الوَعِيدِ، مَعَ تَهَكُّمٍ بِالمُوعَدِ، لِخُرُوجِهِ في صُورَةِ الِاسْتِثْناءِ الَّذِي فِيهِ إطْماعٌ. انْتَهى.
قالَ الخَفاجِيُّ: لَمّا كانَ الخِطابُ لِلْكَفَرَةِ، وهم لا يَخْرُجُونَ مِنَ النّارِ؛ لِأنَّ ما قَبْلَهُ بَيانُ حالِهِمْ، فَيَبْعُدُ جَعْلُهُ شامِلًا لِلْعُصاةِ، لِيَصِحَّ الِاسْتِثْناءُ بِاعْتِبارِهِ، مَعَ أنَّ اسْتِعْمالَ (ما) لِلْعُقَلاءِ قَلِيلٌ - وجَّهُوهُ بِأنَّ المُرادَ النَّقْلُ مِنَ النّارِ إلى الزَّمْهَرِيرِ، أوِ المُبالَغَةُ في الخُلُودِ، بِمَعْنى أنَّهُ لا يَنْتَفِي إلّا وقْتَ مَشِيئَةِ اللَّهِ، وهو مِمّا لا يَكُونُ مَعَ إبْرازِهِ في صُورَةِ الخُرُوجِ وإطْماعِهِمْ في ذَلِكَ تَهَكُّمًا وتَشْدِيدًا لِلْأمْرِ عَلَيْهِمْ. و(ما) مَصْدَرِيَّةٌ وقْتِيَّةٌ. أوْ إنَّ المُسْتَثْنى زَمانُ إمْهالِهِمْ قَبْلَ الدُّخُولِ. ورُدَّ الأوَّلُ بِأنَّ فِيهِ صَرْفَ النّارِ مِن مَعْناها العِلْمِيِّ، وهو دارُ العَذابِ، إلى اللُّغَوِيِّ. وأُجِيبَ عَنْهُ بِأنَّهُ لا بَأْسَ بِالصَّرْفِ إذا دَعَتْ إلَيْهِ ضَرُورَةٌ. وقِيلَ عَلَيْهِ: إنَّ المُعْتَرِضَ لا يُسَلِّمُ الضَّرُورَةَ، لِإمْكانِ غَيْرِ ذَلِكَ التَّأْوِيلِ. مَعَ أنَّ قَوْلَهُ: مَثْواكم يَقْتَضِي ما ذَهَبَ إلَيْهِ المُعْتَرِضُ بِحَسَبِ الظّاهِرِ. ورَدَّ الأخِيرَ أبُو حَيّانَ بِأنْ في الِاسْتِثْناءِ يُشْتَرَطُ اتِّحادُ زَمانِ المُخْرَجِ، والمُخْرَجِ مِنهُ، فَإذا قُلْتَ: قامَ القَوْمُ إلّا زَيْدًا، فَمَعْناهُ: إلّا زَيْدًا ما قامَ. ولا يَصِحُّ أنْ يَكُونَ المَعْنى: إلّا زَيْدًا ما يَقُومُ في المُسْتَقْبَلِ. وكَذَلِكَ سَأضْرِبُ القَوْمَ إلّا زَيْدًا، مَعْناهُ: إلّا زَيْدًا فَإنِّي لا أضْرِبُهُ في المُسْتَقْبَلِ، ولا يَصِحُّ أنْ يَكُونَ المَعْنى: إلّا زَيْدًا فَإنِّي ما ضَرَبْتُهُ قَبْلُ، إلّا إذا كانَ اسْتِثْناءً مُنْقَطِعًا، فَإنَّهُ يَسُوغُ، كَقَوْلِهِ: لا يَذُوقُونَ فِيها المَوْتَ إلّا المَوْتَةَ الأُولى. فَإنَّهم ذاقُوها. ولَكَ أنْ تَقُولَ: إنَّ القائِلَ بَلْ يَلْتَزِمُ انْقِطاعَهُ، كَما في الآيَةِ الَّتِي ذَكَرَها، ولا مَحْذُورَ فِيهِ، مَعَ وُرُودِ مِثْلِهِ في القُرْآنِ، وفِيهِ نَظَرٌ. وقِيلَ: إنَّهُ غَفْلَةٌ عَنْ تَأْوِيلِ الخُلُودِ بِالأبَدِ، والأبَدُ لا يَقْتَضِي الدُّخُولَ. انْتَهى.
وقالَ النّاصِرُ في "الِانْتِصافِ": قَدْ ثَبَتَ خُلُودُ الكُفّارِ في العَذابِ ثُبُوتًا قَطْعِيًّا، فَمِن ثَمَّ (p-٢٥٠١)اعْتَنى العُلَماءُ بِالكَلامِ عَلى الِاسْتِثْناءِ في هَذِهِ الآيَةِ، وفي أُخْتِها في سُورَةِ هُودٍ. فَذَهَبَ بَعْضُهم إلى أنَّها شامِلَةٌ لِعُصاةِ المُوَحِّدِينَ ولِلْكُفّارِ، والمُسْتَثْنى العُصاةُ؛ لِأنَّهم لا يُخَلَّدُونَ. وقَدْ عَلِمْتَ بُعْدَهُ.
ثُمَّ قالَ: وذَهَبَ بَعْضُهم إلى أنَّ هَذا الِاسْتِثْناءَ مَحْدُودٌ بِمَشِيئَةِ رَفْعِ العَذابِ، أيْ: مُخَلَّدُونَ إلّا أنْ يَشاءَ اللَّهُ لَوْ شاءَ. وفائِدَتُهُ إظْهارُ القُدْرَةِ، والإعْلانُ بِأنَّ خُلُودَهم إنَّما كانَ لِأنَّ اللَّهُ تَعالى قَدْ شاءَهُ، وكانَ الجائِزُ العَقْلِيُّ في مَشِيئَتِهِ أنْ لا يُعَذِّبَهُمْ، ولَوْ عَذَّبَهم لا يُخَلِّدُهُمْ، وأنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِأمْرٍ واجِبٍ عَلَيْهِ، وإنَّما هو مُقْتَضى مَشِيئَتِهِ وإرادَتِهِ عَزَّ وجَلَّ. وفِيها عَلى هَذا الوَجْهِ دَفْعٌ في صَدْرِ المُعْتَزِلَةِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أنَّ تَخْلِيدَ الكُفّارِ واجِبٌ عَلى اللَّهِ تَعالى بِمُقْتَضى الحِكْمَةِ، وأنَّهُ لا يَجُوزُ في العَقْلِ أنْ يَشاءَ خِلافَ ذَلِكَ.
وذَهَبَ الزَّجّاجُ إلى وجْهٍ لَطِيفٍ، إنَّما يَظْهَرُ بِالبَسْطِ فَقالَ: المُرادُ - واللَّهُ أعْلَمُ - إلّا ما يَشاءُ مِن زِيادَةِ العَذابِ. ولَمْ يُبَيِّنْ وجْهَ الِاسْتِثْناءِ. والمُسْتَثْنى عَلى هَذا التَّأْوِيلِ لَمْ يُغايِرِ المُسْتَثْنى مِنهُ في الحُكْمِ، ونَحْنُ نُبَيِّنُهُ فَنَقُولُ: العَذابُ - والعِياذُ بِاللَّهِ - عَلى دَرَجاتٍ مُتَفاوِتَةٍ، كَأنَّ المُرادَ أنَّهم مُخَلَّدُونَ في جِنْسِ العَذابِ إلّا ما شاءَ رَبُّكَ مِن زِيادَةٍ تَبْلُغُ الغايَةَ، وتَنْتَهِي إلى أقْصى النِّهايَةِ، حَتّى تَكادَ لِبُلُوغِها الغايَةَ، ومُبايَنَتِها لِأنْواعِ العَذابِ في الشِّدَّةِ، تُعَدُّ لَيْسَ مِن جِنْسِ العَذابِ، وخارِجَةً عَنْهُ. والشَّيْءُ إذا بَلَغَ الغايَةَ عِنْدَهم عَبَّرُوا عَنْهُ بِالضِّدِّ، كَما تَقَدَّمَ في التَّعْبِيرِ عَنْ كَثْرَةِ الفِعْلِ بِ (رُبَّ) و(قَدْ)، وهُما مَوْضُوعانِ لِضِدِّ الكَثْرَةِ مِنَ القِلَّةِ، وذَلِكَ أمْرٌ يُعْتادُ في لُغَةِ العَرَبِ. وقَدْ حامَ أبُو الطَّيِّبِ حَوْلَهُ فَقالَ:
؎لَقَدْ جُدْتَ حَتّى كادَ يَبْخَلُ حاتِمٌ لِلْمُنْتَهى ومِنَ السُّرُورِ بُكاءُ
(p-٢٥٠٢)فَكَأنَّ هَؤُلاءِ إذا نُقِلُوا إلى غايَةِ العَذابِ، ونِهايَةِ الشِّدَّةِ، فَقَدْ وصَلُوا إلى الحَدِّ الَّذِي يَكادُ أنْ يَخْرُجَ مِنَ اسْمِ العَذابِ المُطْلَقِ، حَتّى يَسُوغَ مُعامَلَتُهُ في التَّعْبِيرِ بِمُعامَلَةِ المُغايِرِ. وهو وجْهٌ حَسَنٌ لا يَكادُ يُفْهَمُ مِن كَلامِ الزَّجّاجِ إلّا بَعْدَ هَذا البَسْطِ.
وفِي تَفْسِيرِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ما يُؤَيِّدُهُ. انْتَهى.
وفِي الآيَةِ تَأْوِيلاتٌ أُخَرُ:
مِنها: ما نُقِلَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما أنَّهُ تَعالى اسْتَثْنى قَوْمًا قَدْ سَبَقَ عِلْمُهُ أنَّهم يُسْلِمُونَ ويُصَدِّقُونَ النَّبِيَّ ﷺ. وهَذا مَبْنِيٌّ عَلى أنَّ الِاسْتِثْناءَ لَيْسَ مِنَ المَحْكِيِّ، وأنَّ (ما) بِمَعْنى (مَن).
(p-٢٥٠٣)ومِنها: أنَّهم يُفْتَحُ لَهم أبْوابُ الجَنَّةِ، ويَخْرُجُونَ مِنَ النّارِ، فَإذا تَوَجَّهُوا لِلدُّخُولِ أُغْلِقَتْ في وُجُوهِهِمُ اسْتِهْزاءً بِهِمْ. وهو مَعْنى قَوْلِهِ: فاليَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الكُفّارِ يَضْحَكُونَ. قالَ الشَّرِيفُ المُرْتَضى في "الدُّرَرِ": فَإنْ قِيلَ: أيُّ فائِدَةٍ في هَذا الفِعْلِ، وما وجْهُ الحِكْمَةِ فِيهِ؟ قُلْنا: وجْهُ الحِكْمَةِ فِيهِ ظاهِرٌ؛ لِأنَّ ذَلِكَ أغْلَظُ عَلى نُفُوسِهِمْ، وأعْظَمُ في مَكْرُوهِهِمْ، وهو ضَرْبٌ مِنَ العِقابِ الَّذِي يَسْتَحِقُّونَهُ بِأفْعالِهِمُ القَبِيحَةِ؛ لِأنَّ مَن طَمِعَ في النَّجاةِ والخَلاصِ مِنَ المَكْرُوهِ، واشْتَدَّ حِرْصُهُ عَلى ذَلِكَ، ثُمَّ حِيلَ بَيْنَهُ وبَيْنَ الفَرَجِ، ورُدَّ إلى المَكْرُوهِ، يَكُونُ عَذابُهُ أصْعَبَ وأغْلَظَ مِن عَذابِ مَن لا طَرِيقَ لِلطَّمَعِ عَلَيْهِ. كَذا في "العِنايَةِ".
ومِنها: إنَّ هَذا الِاسْتِثْناءَ إشارَةٌ إلى فَناءِ النّارِ. أيْ: إلّا وقْتَ مَشِيئَتِهِ فَناءَها، وزَوالَ عَذابِها.
قالَ السُّيُوطِيُّ في "الدُّرِّ المَنثُورِ": أخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنِ الحَسَنِ قالَ: قالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَوْ لَبِثَ أهْلُ النّارِ في النّارِ، كَقَدْرَ رَمْلِ عالِجٍ، لَكانَ لَهم يَوْمٌ عَلى ذَلِكَ يَخْرُجُونَ فِيهِ. وأخْرَجَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنِ الحَسَنِ أيْضًا.
قالَ شَيْخُ الإسْلامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى: ونُقِلَ هَذا عَنْ عُمَرَ وابْنِ مَسْعُودٍ وأبِي هُرَيْرَةَ وأبِي سَعِيدٍ وغَيْرِهِمْ. انْتَهى. وقَدِ انْتَصَرَ لِهَذا القَوْلِ جَماعَةٌ. قالُوا: وما ورَدَ مِنَ الخُلُودِ فِيها والتَّأْبِيدِ وعَدَمِ الخُرُوجِ، وأنَّ عَذابَها مُقِيمٌ، كُلُّهُ حَقٌّ مُسَلَّمٌ لا نِزاعَ فِيهِ. وذَلِكَ يَقْتَضِي الخُلُودَ في دارِ العَذابِ ما دامَتْ باقِيَةً، وإنَّما يَخْرُجُ مِنها في حالِ بَقائِها أهْلُ التَّوْحِيدِ، فَفَرْقٌ بَيْنَ مَن يَخْرُجُ مِنَ الحَبْسِ، وهو حَبْسٌ عَلى حالِهِ، وبَيْنَ مَن يَبْطُلُ حَبْسُهُ بِخَرابِ الحَبْسِ وانْتِقاضِهِ. وقَدْ بَسَطَ البَحْثَ في ذَلِكَ وجَوَّدَهُ الإمامُ ابْنُ القَيِّمِ في كِتابِهِ "حادِي الأرْواحِ"، ومَعَ كَوْنِهِ انْتَصَرَ لِهَذا القَوْلِ انْتِصارًا عَظِيمًا، وذَكَرَ لَهُ خَمْسَةً وعِشْرِينَ دَلِيلًا، لَمْ يُصَحِّحْهُ، حَيْثُ قالَ: أمّا أبَدِيَّةُ الجَنَّةِ، وأنَّها لا تَفْنى ولا (p-٢٥٠٤)تَبِيدُ، فَمِمّا يُعْلَمُ بِالِاضْطِرارِ، ولَمْ يَقُلْ بِفَنائِها أحَدٌ. ومَن قالَ بِهِ - كالجَهْمِيَّةِ - فَهو ضالٌّ مُبْتَدِعٌ مُنْحَرِفٌ عَنِ الصَّوابِ ولَيْسَ لَهُ في ذَلِكَ سَلَفٌ. وأمّا أبَدِيَّةُ النّارِ فَفِيها قَوْلانِ مَعْرُوفانِ عَنِ السَّلَفِ والخَلَفِ، والأصَحُّ عَدَمُ فَنائِها أيْضًا. انْتَهى.
وسَيَأْتِي إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى بَسْطُ هَذا المَقامِ في آيَةِ هُودٍ.
وقَدْ رَوى ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في هَذِهِ الآيَةِ أنَّهُ قالَ: لا يَنْبَغِي لِأحَدٍ أنْ يَحْكُمَ عَلى اللَّهِ في خَلْقِهِ. لا يُنْزِلُهم جَنَّةً ولا نارًا.
﴿إنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ﴾ فَلا يُعَذِّبُ إلّا عَلى ما تَقْتَضِيهِ الحِكْمَةُ ﴿عَلِيمٌ﴾ أيْ: بِمَن يُعَذَّبُ بِكُفْرِهِ، فَيَدُومُ عَذابُهُ. أوْ بِسَيِّئاتِ أعْمالِهِ، فَيُعَذَّبُ عَلى حَسَبِها، ثُمَّ يَنْجُو مِنهُ.
{"ayah":"وَیَوۡمَ یَحۡشُرُهُمۡ جَمِیعࣰا یَـٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ قَدِ ٱسۡتَكۡثَرۡتُم مِّنَ ٱلۡإِنسِۖ وَقَالَ أَوۡلِیَاۤؤُهُم مِّنَ ٱلۡإِنسِ رَبَّنَا ٱسۡتَمۡتَعَ بَعۡضُنَا بِبَعۡضࣲ وَبَلَغۡنَاۤ أَجَلَنَا ٱلَّذِیۤ أَجَّلۡتَ لَنَاۚ قَالَ ٱلنَّارُ مَثۡوَىٰكُمۡ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۤ إِلَّا مَا شَاۤءَ ٱللَّهُۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِیمٌ عَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق