الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [١٢٥] ﴿فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ ومَن يُرِدْ أنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأنَّما يَصَّعَّدُ في السَّماءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ﴾ ﴿فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أنْ يَهْدِيَهُ﴾ أيْ: لِلتَّوْحِيدِ: ﴿يَشْرَحْ﴾ أيْ: يُوَسِّعْ: ﴿صَدْرَهُ لِلإسْلامِ﴾ بِتَصْقِيلِهِ بِنُورِ الهِدايَةِ، فَيَقْبَلُ نُورَ الحَقِّ، كَما قالَ تَعالى: ﴿ولَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إلَيْكُمُ الإيمانَ وزَيَّنَهُ في قُلُوبِكُمْ﴾ [الحجرات: ٧] (p-٢٤٩٧)رَوى عَبْدُ الرَّزّاقِ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: كَيْفَ يَشْرَحُ صَدْرَهُ؟ قالَ: نُورٌ يُقْذَفُ فِيهِ فَيَنْشَرِحُ. قالُوا: فَهَلْ لِذَلِكَ مِن أمارَةٍ يُعْرَفُ بِها؟ قالَ: الإنابَةُ إلى دارِ الخُلُودِ، والتَّجافِي عَنْ دارِ الغُرُورِ، والِاسْتِعْدادُ لِلْمَوْتِ قَبْلَ لِقاءِ المَوْتِ. ورَواهُ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ. قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: ولِلْحَدِيثِ طُرُقٌ مُرْسَلَةٌ ومُتَّصِلَةٌ يَشُدُّ بَعْضُها بَعْضًا. ﴿ومَن يُرِدْ أنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا﴾ أيْ: شَدِيدَ الضِّيقِ، فَلا يَتَّسِعُ لِلِاعْتِقاداتِ الصّائِبَةِ في اللَّهِ، والأُمُورِ الأُخْرَوِيَّةِ. قالَ أبُو البَقاءِ: حَرِجًا (بِكَسْرِ الرّاءِ) صِفَةٌ لِ (ضَيِّقًا)، أوْ مَفْعُولٌ ثالِثٌ، كَما جازَ في المُبْتَدَأِ أنْ تُخْبِرَ عَنْهُ بِعِدَّةِ أخْبارٍ. أوْ يَكُونُ الجَمِيعُ في مَوْضِعِ خَبَرٍ واحِدٍ (حُلْوٌ حامِضٌ). وعَلى كُلِّ تَقْدِيرٍ، هو مُؤَكِّدٌ لِلْمَعْنى. يُقْرَأُ بِفَتْحِ الرّاءِ، عَلى أنَّهُ مَصْدَرٌ. أيْ: ذا حَرَجٍ. وقِيلَ: هو جَمْعُ حَرَجَةٍ، مِثْلَ قَصَبَةٍ وقَصَبٍ، والهاءُ فِيهِ لِلْمُبالَغَةِ. انْتَهى. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿كَأنَّما يَصَّعَّدُ في السَّماءِ﴾ أيْ: يَتَكَلَّفُ الصُّعُودَ في جِهَةِ السَّماءِ، وطَبْعُهُ يَهْبِطُ إلى الأرْضِ، فَشُبِّهَ، لِلْمُبالَغَةِ في ضِيقِ صَدْرِهِ، بِمَن يُزاوِلُ أمْرًا غَيْرَ مُمْكِنٍ لِأنَّ صُعُودَ السَّماءِ مَثَلٌ فِيما يَمْتَنِعُ ويَبْعُدُ مِنَ الِاسْتِطاعَةِ، وتَضِيقُ عَنْهُ المَقْدِرَةُ. وقِيلَ: مَعْناهُ كَأنَّما يَتَصاعَدُ إلى السَّماءِ نُبُوًّا عَنِ الحَقِّ، وتَباعُدًا في الهَرَبِ مِنهُ. وأصْلُ (يَصَّعَّدُ) يَتَصَعَّدُ مِن (الصُّعُودِ). ﴿كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ﴾ في الِاعْتِقاداتِ والأخْلاقِ. والرِّجْسُ ما اسْتُقْذِرَ مِنَ العَمَلِ، وسُمِّيَ بِذَلِكَ مُبالَغَةً في ذَمِّهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب