الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [٧] ﴿ألَمْ تَرَ أنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ ما يَكُونُ مِن نَجْوى ثَلاثَةٍ إلا هو رابِعُهم ولا خَمْسَةٍ إلا هو سادِسُهم ولا أدْنى مِن ذَلِكَ ولا أكْثَرَ إلا هو مَعَهم أيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهم بِما عَمِلُوا يَوْمَ القِيامَةِ إنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ ﴿ألَمْ تَرَ أنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ ما يَكُونُ مِن نَجْوى ثَلاثَةٍ إلا هو رابِعُهم ولا خَمْسَةٍ إلا هو سادِسُهم ولا أدْنى مِن ذَلِكَ ولا أكْثَرَ إلا هو مَعَهم أيْنَ ما كانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهم بِما عَمِلُوا يَوْمَ القِيامَةِ إنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ النَّجْوى مَصْدَرٌ، مَعْناها التَّحَدُّثُ سِرًّا، مَأْخُوذَةٌ مِنَ النَّجْوَةِ، وهي ما ارْتَفَعَ مِنَ الأرْضِ، لِأنَّ السِّرَّ يُصانُ عَنِ الغَيْرِ، كَأنَّهُ رُفِعَ مِن حَضِيضِ الظُّهُورِ إلى أوْجِ الخَفاءِ، عَلى التَّشْبِيهِ. (p-٥٧١٤)قالَ الشِّهابُ: وأقْرَبُ مِنهُ قَوْلُ الرّاغِبِ؛ لِأنَّ المُتَسارَّيْنِ يَخْلُوانِ بِنَجْوَةٍ مِنَ الأرْضِ. أوْ هو مِنَ النَّجاةِ وتَخْصِيصِ العَدَدَيْنِ، إمّا لِخُصُوصِ الواقِعَةِ، فَكانَ قَوْمٌ مِنَ المُنافِقِينَ، عَلى هَذا العَدَدِ اجْتَمَعُوا مُغايَظَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، أوْ لِأنَّ التَّناجِيَ لِلْمُشاوَرَةِ، وأقَلُّهُ ثَلاثَةٌ، لِأنَّ التَّشاوُرَ لا بُدَّ لَهُ مِنَ اثْنَيْنِ يَكُونانِ كالمُتَنازِعَيْنِ، وثالِثٌ يَتَوَسَّطُ بَيْنَهُما. ومُناسَبَةُ ضَمِّ الخَمْسَةِ لِلثَّلاثَةِ، كَوْنُ الخَمْسَةِ أوَّلَ مَراتِبِ ما فَوْقَها في الوِتْرِيَّةِ، فَذُكِّرا لِيُشارَ بِهِما لِلْأقَلِّ والأكْثَرِ. عَلى أنَّهُ عَمَّمَ الحُكْمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿ولا أدْنى مِن ذَلِكَ﴾ أيْ: كالِاثْنَيْنِ ﴿ولا أكْثَرَ﴾ أيْ: كالسِّتَّةِ وما فَوْقَها ﴿إلا هو مَعَهم أيْنَ ما كانُوا﴾ أيْ: يَعْلَمُ ما يَكُونُ بَيْنَهم في أيِّ مَكانٍ حَلُّوا، لِأنَّ عِلْمَهُ بِالأشْياءِ لَيْسَ لِقُرْبٍ مَكانِيٍّ حَتّى يَتَفاوَتَ بِاخْتِلافِ الأمْكِنَةِ. رَوى ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الضَّحّاكِ في الآيَةِ قالَ: هو فَوْقَ العَرْشِ، وعِلْمُهُ مَعَهم أيْنَما كانُوا. وقالَ ابْنُ كَثِيرٍ: حَكى غَيْرُ واحِدٍ الإجْماعَ عَلى أنَّ المُرادَ بِهَذِهِ الآيَةِ مَعِيَّةَ عِلْمِهِ تَعالى. ولا شَكَّ في إرادَةِ ذَلِكَ. قالَ الإمامُ أحْمَدُ: افْتَتَحَ الآيَةَ بِالعِلْمِ، واخْتَتَمَها بِالعِلْمِ. تَنْبِيهٌ: اسْتَدَلَّتِ المُعْتَزِلَةُ بِهَذِهِ الآيَةِ عَلى أنَّ اللَّهَ تَعالى في كُلِّ مَكانٍ، فَرَدَّ عَلَيْهِمُ الإمامُ ابْنُ حَزْمٍ في "الفِصَلِ" بِأنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعالى يَجِبُ حَمْلُهُ عَلى ظاهِرِهِ، ما لَمْ يَمْنَعْ مِن حَمْلِهِ عَلى ظاهِرِهِ نَصٌّ آخَرُ، أوْ إجْماعٌ، أوْ ضَرُورَةُ حِسٍّ. وقَدْ عَلِمْنا أنَّ كُلَّ ما كانَ في مَكانٍ فَإنَّهُ شاغِلٌ لِذَلِكَ المَكانِ ومالِئٌ لَهُ، ومُتَشَكِّلٌ بِشَكْلِ المَكانِ، أوِ المَكانُ مُتَشَكِّلٌ بِشَكْلِهِ، ولا بُدَّ مِن أحَدِ الأمْرَيْنِ ضَرُورَةً، وعَلِمْنا أنَّ ما كانَ في مَكانٍ، فَإنَّهُ مُتَناهٍ بِتَناهِي مَكانِهِ، وهو ذُو جِهاتٍ سِتٍّ أوْ خَمْسٍ مُتَناهِيَةٍ في مَكانِهِ، وهَذِهِ كُلُّها صِفاتُ الجِسْمِ. فَلَمّا صَحَّ ما ذُكِرَ فِيها، عَلِمْنا أنَّ قَوْلَهُ تَعالى: (p-٥٧١٥)﴿ونَحْنُ أقْرَبُ إلَيْهِ مِن حَبْلِ الوَرِيدِ﴾ [ق: ١٦] ﴿ونَحْنُ أقْرَبُ إلَيْهِ مِنكُمْ﴾ [الواقعة: ٨٥] وقَوْلَهُ تَعالى: ﴿ما يَكُونُ مِن نَجْوى ثَلاثَةٍ إلا هو رابِعُهُمْ﴾ إنَّما هو التَّدْبِيرُ لِذَلِكَ، والإحاطَةُ بِهِ فَقَطْ ضَرُورَةٌ، لِانْتِفاءِ ما عَدا ذَلِكَ. وأيْضًا فَإنَّ قَوْلَهُمْ: في كُلِّ مَكانٍ خَطَأٌ؛ لِأنَّهُ يَلْزَمُ بِمُوجِبِ هَذا القَوْلِ أنْ يَمْلَأ الأماكِنَ كُلَّها، وأنْ يَكُونَ ما في الأماكِنِ فِيهِ، تَعالى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ، وهَذا مُحالٌ. فَإنْ قالُوا: هو فِيها، بِخِلافِ كَوْنِ المُتَمَكِّنِ في المَكانِ. قِيلَ لَهُمْ: هَذا لا يُعْقَلُ، ولا يَقُومُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ. انْتَهى. وقَدْ تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وهُوَ مَعَكم أيْنَ ما كُنْتُمْ﴾ [الحديد: ٤] كَلامٌ في المَعِيَّةِ لِابْنِ تَيْمِيَةَ، فارْجِعْ إلَيْهِ في سُورَةِ الحَدِيدِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب