الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [١٥ - ٢٦] ﴿عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ﴾ ﴿مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ﴾ [الواقعة: ١٦] ﴿يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ﴾ [الواقعة: ١٧] ﴿بِأكْوابٍ وأبارِيقَ وكَأْسٍ مِن مَعِينٍ﴾ [الواقعة: ١٨] ﴿لا يُصَدَّعُونَ عَنْها ولا يُنْـزِفُونَ﴾ [الواقعة: ١٩] ﴿وفاكِهَةٍ مِمّا يَتَخَيَّرُونَ﴾ [الواقعة: ٢٠] ﴿ولَحْمِ طَيْرٍ مِمّا يَشْتَهُونَ﴾ [الواقعة: ٢١] ﴿وحُورٌ عِينٌ﴾ [الواقعة: ٢٢] ﴿كَأمْثالِ اللُّؤْلُؤِ المَكْنُونِ﴾ [الواقعة: ٢٣] ﴿جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الواقعة: ٢٤] ﴿لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْوًا ولا تَأْثِيمًا﴾ [الواقعة: ٢٥] ﴿إلا قِيلا سَلامًا سَلامًا﴾ [الواقعة: ٢٦] ﴿عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ﴾ أيْ: مَصْفُوفَةٍ، أوْ مُشَبَّكَةٍ بِالدُّرِّ والياقُوتِ أوِ الذَّهَبِ. و(الوَضْنُ): (p-٥٦٤٩)التَّشْبِيكُ والنَّسْجُ. ﴿مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ﴾ [الواقعة: ١٦] أيْ: بِوُجُوهِهِمْ، مُتَساوِينَ في الرُّتَبِ، لا حِجابَ بَيْنَهم أصْلًا. ﴿يَطُوفُ عَلَيْهِمْ﴾ [الواقعة: ١٧] أيْ: لِلْخِدْمَةِ ﴿وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ﴾ [الواقعة: ١٧] أيْ: مُبْقَوْنَ عَلى سِنٍّ واحِدَةٍ لا يَمُوتُونَ. ﴿بِأكْوابٍ وأبارِيقَ﴾ [الواقعة: ١٨] أيْ: حالَ الشُّرْبِ. والكُوبُ إناءٌ لا عُرْوَةَ ولا خُرْطُومَ لَهُ، والإبْرِيقُ: إناءٌ لَهُ ذَلِكَ. ﴿وكَأْسٍ مِن مَعِينٍ﴾ [الواقعة: ١٨] أيْ: خَمْرٍ جارِيَةٍ. ثُمَّ أشارَ إلى أنَّها لَذَّةٌ كُلُّها، لا ألَمَ مَعَها ولا خِمارَ ﴿لا يُصَدَّعُونَ عَنْها﴾ [الواقعة: ١٩] أيْ: لا يَصْدُرُ عَنْها صُداعُهم لِأجْلِ الخِمارِ، كَخُمُورِ الدُّنْيا، والصُّداعُ: وجَعُ الرَّأْسِ. وقُرِئَ بِالتَّشْدِيدِ مِنَ التَّفَعُّلِ، أيْ: لا يَتَفَرَّقُونَ ﴿ولا يُنْـزِفُونَ﴾ [الواقعة: ١٩] بِكَسْرِ الزّايِ وفَتْحِها؛ أيْ: لا تَذْهَبُ عُقُولُهم بِسُكْرِها. ﴿وفاكِهَةٍ مِمّا يَتَخَيَّرُونَ﴾ [الواقعة: ٢٠] أيْ: يَخْتارُونَ ويَرْتَضُونَ، وأصْلُهُ أخْذُ الخِيارِ والخَيْرِ. قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وهَذِهِ الآيَةُ دَلِيلٌ عَلى جَوازِ أكْلِ الفاكِهَةِ عَلى صِفَةِ التَّخَيُّرِ لَها، ثُمَّ اسْتَشْهَدَ لَهُ «بِحَدِيثِ عِكْراشٍ لَمّا أُتِيَ النَّبِيُّ ﷺ بِثَرِيدٍ، وأقْبَلَ عِكْراشٌ يَخْبِطُ بِيَدِهِ في جَوانِبِهِ فَقَبَضَ النَّبِيُّ ﷺ بِيَدِهِ وقالَ: «يا عِكْراشُ! كُلْ مِن مَوْضِعٍ واحِدٍ؛ فَإنَّهُ طَعامٌ واحِدٌ» . ثُمَّ أُتِيَ بِطَبَقٍ فِيهِ تَمْرٌ أوْ رُطَبٌ، فَجَعَلَ عِكْراشٌ يَأْكُلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ، وجالَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في الطَّبَقِ فَقالَ: «يا عِكْراشُ! كُلْ مِن حَيْثُ شِئْتَ؛ فَإنَّهُ غَيْرُ لَوْنٍ واحِدٍ»» رَواهُ التِّرْمِذِيُّ واسْتَغْرَبَهُ. ﴿ولَحْمِ طَيْرٍ مِمّا يَشْتَهُونَ﴾ [الواقعة: ٢١] أيْ: يَتَمَنَّوْنَ ﴿وحُورٌ عِينٌ﴾ [الواقعة: ٢٢] أيْ: وأزْواجٌ بِيضٌ واسِعَةُ الأعْيُنِ. عَطْفٌ عَلى " وِلْدانٌ " أوْ مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفُ الخَبَرِ. أيْ: وفِيها. أوْ ولَهم حُورٌ. وقُرِئَ بِالجَرِّ عُطِفَ عَلى ﴿بِأكْوابٍ﴾ [الواقعة: ١٨] قالَ الشِّهابُ: وحِينَئِذٍ إمّا أنْ يُقالَ: " يَطُوفُ " بِمَعْنى يُنَعَّمُونَ مَجازًا أوْ كِنايَةً. عَلى حَدِّ قَوْلِهِ: ؎وزَجَّجْنَ الحَواجِبَ والعُيُونا (p-٥٦٥٠)أوْ يُبْقى عَلى حَقِيقَتِهِ، وظاهِرُهُ: وأنَّ الوِلْدانَ تَطُوفُ عَلَيْهِمْ بِالحُورِ أيْضًا، لِعَرْضِ أنْواعِ اللَّذّاتِ عَلَيْهِمْ مِنَ المَأْكُولِ والمَشْرُوبِ والمَنكُوحِ، كَما تَأْتِي الخُدّامُ بِالسَّرارِي لِلْمُلُوكِ ويَعْرِضُونَهم عَلَيْهِمْ. وإلى هَذا ذَهَبَ أبُو عَمْرٍو وقُطْرُبٌ، وجُوِّزَ جَعْلُهُ مِنَ الجَرِّ الجِوارِيِّ. قِيلَ: والفَصْلُ يَأْباهُ ويُضْعِفُهُ. وأمّا عَطْفُهُ عَلى: " جَنّاتِ " بِتَقْدِيرِ مُضافٍ أيْ: هم في جَنّاتٍ ومُصاحَبَةِ حُورٍ. فَقالَ أبُو حَيّانَ: هو فَهْمٌ أعْجَمِيٌّ، فِيهِ بُعْدٌ وتَفْكِيكٌ لِلْكَلامِ المُرْتَبِطِ، وهو ظاهِرٌ. ومَن عَصَّبَهُ فَقَدْ تَعَصَّبَ. ﴿كَأمْثالِ اللُّؤْلُؤِ المَكْنُونِ﴾ [الواقعة: ٢٣] أيْ: صَفاؤُهُنَّ كَصَفاءِ الدُّرِّ في الأصْدافِ الَّذِي لا تَمَسُّهُ الأيْدِي، وأصْلُ ﴿المَكْنُونِ﴾ [الواقعة: ٢٣] الَّذِي صِينَ في كِنٍّ. ﴿جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الواقعة: ٢٤] أيْ: مِنَ الصّالِحاتِ. ﴿لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْوًا﴾ [الواقعة: ٢٥] أيْ: هَذَيانًا وكَلامًا غَيْرَ مُفِيدٍ، باطِلًا مِنَ القَوْلِ. ﴿ولا تَأْثِيمًا﴾ [الواقعة: ٢٥] أيْ: ما يُؤَثِّمُ مِنَ الفُحْشِ والكَذِبِ والغِيبَةِ وأمْثالِها. ﴿إلا قِيلا سَلامًا سَلامًا﴾ [الواقعة: ٢٦] قالَ القاشانِيُّ: أيْ: قَوْلًا هو سَلامٌ في نَفْسِهِ مُنَزَّهٌ عَنِ النَّقائِصِ، مُبَرَّأٌ عَنِ الفُضُولِ والزَّوائِدِ، أوْ قَوْلًا يُفِيدُ سَلامَةَ السّامِعِ مِنَ العُيُوبِ والنَّقائِصِ، ويُوجِبُ سُرُورَهُ وكَرامَتَهُ، ويُبَيِّنُ كَمالَهُ وبَهْجَتَهُ، لِكَوْنِ كَلامِهِمْ كُلُّهُ مَعارِفُ وحَقائِقُ، وتَحايا ولِطائِفُ، عَلى اخْتِلافِ وجْهَيِ الإعْرابِ، أيْ: مِن كَوْنِ " سَلامًا " بَدَلًا مِن " قِيلًا " أوْ مَفْعُولِهِ. والتَّكْرِيرُ لِلدَّلالَةِ عَلى فُشُوِّ السَّلامِ بَيْنَهم وكَثْرَتِهِ، لِأنَّ المُرادَ: سَلامًا بَعْدَ سَلامٍ، كَقَرَأْتُ النَّحْوَ بابًا بابًا، فَيَدُلُّ عَلى تَكَرُّرِهِ وكَثْرَتِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب