الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [٨ - ٩] ﴿ألا تَطْغَوْا في المِيزانِ﴾ ﴿وأقِيمُوا الوَزْنَ بِالقِسْطِ ولا تُخْسِرُوا المِيزانَ﴾ [الرحمن: ٩] ﴿ألا تَطْغَوْا في المِيزانِ﴾ أيْ: بِالإفْراطِ عَنْ حَدِّ الفَضِيلَةِ والِاعْتِدالِ، فَيَلْزَمُ الجَوْرُ المُوجِبُ لِلْفَسادِ. و(أنْ) مَصْدَرِيَّةٌ عَلى تَقْدِيرِ الجارِّ، أيْ: لِئَلّا تَطْغَوْا فِيهِ، أوْ مُفَسِّرَةٌ لِما في وضْعِ المِيزانِ مِن مَعْنى القَوْلِ، لِأنَّهُ بِالوَحْيِ وإعْلامِ الرُّسُلِ. ﴿وأقِيمُوا الوَزْنَ بِالقِسْطِ﴾ [الرحمن: ٩] أيْ: الِاسْتِقامَةُ في الطَّرِيقَةِ، ومُلازَمَةُ حَدِّ الفَضِيلَةِ، ونُقْطَةِ الِاعْتِدالِ في جَمِيعِ الأُمُورِ، وكُلِّ القُوى. ﴿ولا تُخْسِرُوا المِيزانَ﴾ [الرحمن: ٩] قالَ القاشانِيُّ: أيْ: بِالتَّفْرِيطِ عَنْ حَدِّ الفَضِيلَةِ. قالَ بَعْضُ الحُكَماءِ: العَدْلُ مِيزانُ اللَّهِ تَعالى، وضَعَهُ لِلْخَلْقِ، ونَصَبَهُ لِلْحَقِّ. انْتَهى. ومِمَّنْ فَسَّرَ المِيزانَ في الآيَةِ بِالعَدْلِ مُجاهِدٌ وتَبِعَهُ ابْنُ جَرِيرٍ وكَذا ابْنُ كَثِيرٍ، ونَظَرَ لِذَلِكَ بِآيَةِ ﴿لَقَدْ أرْسَلْنا رُسُلَنا بِالبَيِّناتِ وأنْـزَلْنا مَعَهُمُ الكِتابَ والمِيزانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالقِسْطِ﴾ [الحديد: ٢٥] وجَوَّزَ أنْ يُرادَ بِالمِيزانِ ما يُعْرَفُ بِهِ مَقادِيرُ الأشْياءِ مِن مِيزانٍ ومِكْيالٍ ونَحْوِهِما. ومِنهُ قالَ السُّيُوطِيُّ في (الإكْلِيلِ): فِيهِ وُجُوبُ العَدْلِ في الوَزْنِ، وتَحْرِيمُ البَخْسِ فِيهِ، وعَلَيْهِ فَوَجْهُ اتِّصالِ قَوْلِهِ: ووَضَعَ المِيزانَ بِما قَبْلَهُ، هو أنَّهُ لَمّا وصَفَ السَّماءَ (p-٥٦١٥)بِالرِّفْعَةِ الَّتِي هي مَصْدَرُ القَضايا والأقْدارِ، أرادَ وصْفَ الأرْضِ بِما فِيها، مِمّا يَظْهَرُ بِهِ التَّفاوُتُ، ويُعْرَفُ بِهِ المِقْدارُ، ويُسَوّى بِهِ الحُقُوقُ والمَواجِبُ، كَذا ارْتَآهُ القاضِي، واللَّهُ أعْلَمُ. وفِي الحَقِيقَةِ، الثّانِي مَن أفْرادِ الأوَّلِ، وأخْذُ اللَّفْظِ عامًّا أوْلى وأفْيَدُ. ومِنَ اللَّطائِفِ الَّتِي يَتَّسِعُ لَها نَظْمُ الآيَةِ الكَرِيمَةِ قَوْلُ الرّازِيِّ: المِيزانُ ذُكِرَ ثَلاثَ مَرّاتٍ، كُلَّ مَرَّةٍ بِمَعْنى، فالأوَّلُ: هو الآلَةُ، والثّانِي: لِلْمَفْعُولِ بِمَعْنى المَصْدَرِ، والثّالِثُ: لِلْمَفْعُولِ. قالَ: وهو كالقُرْآنِ، ذُكِرَ بِمَعْنى المُناسَبَةِ، قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾ [القيامة: ١٨] وبِمَعْنى المَقْرُوءِ في قَوْلِهِ: ﴿إنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وقُرْآنَهُ﴾ [القيامة: ١٧] وبِمَعْنى الكِتابِ الَّذِي فِيهِ المَقْرُوءُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولَوْ أنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الجِبالُ﴾ [الرعد: ٣١] فَكَأنَّهُ آلَةٌ ومَحَلٌّ لَهُ، وفي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿آتَيْناكَ سَبْعًا مِنَ المَثانِي والقُرْآنَ العَظِيمَ﴾ [الحجر: ٨٧] ثُمَّ قالَ: وبَيْنَ القُرْآنِ والمِيزانِ مُناسَبَةٌ، فَإنَّ القُرْآنَ فِيهِ مِنَ العِلْمِ ما لا يُوجَدُ في غَيْرِهِ مِنَ الكُتُبِ، والمِيزانَ فِيهِ مِنَ العَدْلِ ما لا يُوجَدُ في غَيْرِهِ مِنَ الآلاتِ. انْتَهى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب