الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[٣ - ٤] ﴿خَلَقَ الإنْسانَ﴾ ﴿عَلَّمَهُ البَيانَ﴾ [الرحمن: ٤]
﴿خَلَقَ الإنْسانَ﴾ ﴿عَلَّمَهُ البَيانَ﴾ [الرحمن: ٤] إيماءٌ بِأنَّ خَلْقَ البَشَرِ، وما تَمَيَّزَ بِهِ عَنْ سائِرِ الحَيَوانِ مِنَ البَيانِ -وهُوَ التَّعْبِيرُ عَمّا في الضَّمِيرِ، وإفْهامُ الغَيْرِ- لِما أدْرَكَهُ لِتَلَقِّي الوَحْيِ، وتَعَرُّفِ الحَقِّ، وتَعَلُّمِ الشَّرْعِ، أيْ: فَإذا كانَ خَلْقُهم إنَّما هو في الحَقِيقَةِ لِذَلِكَ اقْتَضى اتِّصالَهُ بِالقُرْآنِ، وتَنْزِيلَهُ الَّذِي هو مَنبَعُهُ، وأساسُ بُنْيانِهِ.
(p-٥٦١٢)قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وإخْلاؤُها مِنَ العاطِفِ لِمَجِيئِها عَلى نَمَطِ التَّعْدِيدِ، كَما تَقُولُ: زَيْدٌ أغْناكَ بَعْدَ فَقْرٍ، أعَزَّكَ بَعْدَ ذُلٍّ، كَثَّرَكَ بَعْدَ قِلَّةٍ، فَعَلَ بِكَ ما لَمْ يَفْعَلْ أحَدٌ بِأحَدٍ، فَما تُنْكِرُ إحْسانَهُ؟ وهَذا -كَما قالَ الشِّهابُ - مُصَحَّحٌ. والمُرَجَّحُ الإشارَةُ إلى أنَّ كُلًّا مِنها رُبَّما مُسْتَقِلَّةٌ تَقْتَضِي الشُّكْرَ، فَفِيهِ إيماءٌ إلى تَقْصِيرِهِمْ في أدائِهِ. ولَوْ عُطِفَتْ مَعَ شِدَّةِ اتِّصالِها وتَناسُبِهِ، رُبَّما تُوُهِّمَ أنَّها كُلَّها نِعْمَةٌ واحِدَةٌ.
وقالَ الأصْفَهانِيُّ في (الذَّرِيعَةِ): لَمّا كانَ النُّطْقُ أشْرَفَ ما خُصَّ بِهِ الإنْسانُ، فَإنَّ صُورَتَهُ المَعْقُولَةَ الَّتِي بِها بايَنَ سائِرَ الحَيَوانِ، قالَ عَزَّ وجَلَّ: ﴿خَلَقَ الإنْسانَ﴾ ﴿عَلَّمَهُ البَيانَ﴾ [الرحمن: ٤] ولَمْ يَقُلْ: (وعَلَّمَهُ)؛ إذْ جُعِلَ قَوْلُهُ: ﴿عَلَّمَهُ﴾ [الرحمن: ٤] تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ: ﴿خَلَقَ الإنْسانَ﴾ تَنْبِيهًا أنَّ خَلْقَهُ إيّاهُ هو تَخْصِيصُهُ بِالبَيانِ الَّذِي لَوْ تُوُهِّمَ مُرْتَفِعًا لَكانَتِ الإنْسانِيَّةُ مُرْتَفِعَةً، ولِذَلِكَ قِيلَ: ما الإنْسانُ لَوْلا اللِّسانُ إلّا بَهِيمَةٌ مُهْمَلَةٌ أوْ صُورَةٌ مُمَثِّلَةٌ. وقِيلَ: المَرْءُ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسانِهِ.
قالَ الشّاعِرُ:
؎لِسانُ الفَتى نِصْفٌ ونِصْفٌ فُؤادُهُ فَلَمْ يَبْقَ إلّا صُورَةُ اللَّحْمِ والدَّمِ
أيْ: إذا تُوُهِّمَ ارْتِفاعُ النُّطْقِ الَّذِي هو بِاللِّسانِ، والقُوَّةِ النّاطِقَةِ الَّتِي هي بِالفُؤادِ، لَمْ يَبْقَ إلّا صُورَةُ اللَّحْمِ والدَّمِ. فَإذا كانَ الإنْسانُ هو اللِّسانَ فَلا شَكَّ أنَّ مَن كانَ أكْثَرَ مِنهُ حَظًّا كانَ أكْثَرَ مِنهُ إنْسانِيَّةً. والصَّمْتُ مِن حَيْثُ ما هو صَمْتٌ مَذْمُومٌ، فَذَلِكَ مِن صِفاتِ الجَماداتِ، فَضْلًا عَنِ الحَيَواناتِ. وقَدْ جَعَلَ اللَّهُ تَعالى بَعْضَ الحَيَواناتِ بِلا صَوْتٍ، وجَعَلَ لِبَعْضِها صَوْتًا بِلا تَرْكِيبٍ، ومَن مَدَحَ الصَّمْتَ فاعْتِبارًا بِمَن يُسِيءُ في الكَلامِ، فَيَقَعُ مِنهُ جِناياتٌ عَظِيمَةٌ في أُمُورِ الدِّينِ والدُّنْيا، فَإذا ما اعْتَبَرا بِأنْفُسِهِما، فَمُحالٌ أنْ يُقالَ في الصَّمْتِ فَضْلٌ، فَضْلًا أنْ يُخايَرَ بَيْنَهُ وبَيْنَ النُّطْقِ. وسُئِلَ حَكِيمٌ عَنْ فَضْلِهِما فَقالَ: الصَّمْتُ أفْضَلُ حَتّى يَحْتاجَ إلى النُّطْقِ. (p-٥٦١٣)وسُئِلَ آخَرُ عَنْ فَضْلِهِما فَقالَ: الصَّمْتُ عَنِ الخَنا أفْضَلُ مِنَ الكَلامِ بِالخَطَأِ. وعَنْهُ أخَذَ الشّاعِرُ:
؎الصَّمْتُ ألْيَقُ بِالفَتى ∗∗∗ مِن مَنطِقٍ في غَيْرِ حِينِهْ
انْتَهى. وقَدْ جُوِّزَ -كَما حَكاهُ الشِّهابُ - أنْ يَكُونَ الرَّحْمَنُ خَبَرَ مَحْذُوفٍ، أيِ: اللَّهُ الرَّحْمَنُ، وما بَعْدَهُ مُسْتَأْنِفٌ لِتَعْدِيدِ نِعَمِهِ. ثُمَّ قالَ: و" عَلَّمَ " مِنَ التَّعْلِيمِ، ومَفْعُولُهُ مُقَدَّرٌ، أيْ: عَلَّمَ الإنْسانَ، لا جِبْرِيلَ أوْ مُحَمَّدًا عَلَيْهِما الصَّلاةُ والسَّلامُ، ولَيْسَ (مِنَ العَلامَةِ مِن غَيْرِ تَقْدِيرٍ)، كَما قِيلَ، أيْ: جَعَلَهُ عَلامَةً وآيَةً لِمَنِ اعْتَبَرَ، لِبُعْدِهِ.
{"ayahs_start":3,"ayahs":["خَلَقَ ٱلۡإِنسَـٰنَ","عَلَّمَهُ ٱلۡبَیَانَ"],"ayah":"خَلَقَ ٱلۡإِنسَـٰنَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق