الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [٢٣ - ٣٢] ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ﴾ ﴿فَقالُوا أبَشَرًا مِنّا واحِدًا نَتَّبِعُهُ إنّا إذًا لَفي ضَلالٍ وسُعُرٍ﴾ [القمر: ٢٤] ﴿أأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنا بَلْ هو كَذّابٌ أشِرٌ﴾ [القمر: ٢٥] ﴿سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الكَذّابُ الأشِرُ﴾ [القمر: ٢٦] ﴿إنّا مُرْسِلُو النّاقَةِ فِتْنَةً لَهم فارْتَقِبْهم واصْطَبِرْ﴾ [القمر: ٢٧] ﴿ونَبِّئْهم أنَّ الماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهم كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ﴾ [القمر: ٢٨] ﴿فَنادَوْا صاحِبَهم فَتَعاطى فَعَقَرَ﴾ [القمر: ٢٩] (p-٥٦٠١)﴿فَكَيْفَ كانَ عَذابِي ونُذُرِ﴾ [القمر: ٣٠] ﴿إنّا أرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ المُحْتَظِرِ﴾ [القمر: ٣١] ﴿ولَقَدْ يَسَّرْنا القُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُدَّكِرٍ﴾ [القمر: ٣٢] ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ﴾ أيْ: بِما أنْذَرَهم بِهِ نَبِيُّهم صالِحٌ عَلَيْهِ السَّلامُ، ﴿فَقالُوا أبَشَرًا مِنّا واحِدًا نَتَّبِعُهُ إنّا إذًا لَفي ضَلالٍ وسُعُرٍ﴾ [القمر: ٢٤] أيْ: جُنُونٍ، أوْ عَناءٍ. فَهو اسْمٌ مُفْرَدٌ. وقِيلَ: جَمْعُ سَعِيرٍ، كَأنَّهم عَكَسُوا عَلَيْهِ، فَرَتَّبُوا عَلى اتِّباعِهِمْ إيّاهُ ما رَتَّبَهُ عَلى اتِّباعِهِمْ لَهُ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ قالُوا: ﴿أبَشَرًا﴾ [القمر: ٢٤] إنْكارًا لِأنْ يَتَّبِعُوا مِثْلَهم في الجِنْسِيَّةِ، وطَلَبُوا أنْ يَكُونَ مِن جِنْسٍ أعْلى مِن جِنْسِ البَشَرِ، وهُمُ المَلائِكَةُ. وقالُوا ﴿مِنّا﴾ [القمر: ٢٤] لِأنَّهُ إذا كانَ مِنهم كانَتِ المُماثَلَةُ أقْوى. وقالُوا ﴿واحِدًا﴾ [القمر: ٢٤] إنْكارًا لِأنْ تَتَّبِعَ الأُمَّةُ رَجُلًا واحِدًا، أوْ أرادُوا واحِدًا مِن أفْنائِهِمْ لَيْسَ بِأشْرَفِهِمْ وأفْضَلِهِمْ، ويَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهم ﴿أأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنا﴾ [القمر: ٢٥] يَعْنُونَ: الوَحْيَ والنُّبُوَّةَ، أيْ: وفِينا مَن هو أحَقُّ بِها عَلى زَعْمِهِمْ، لِكَوْنِهِ أعَزَّ مالًا ونَفَرًا ﴿بَلْ هو كَذّابٌ أشِرٌ﴾ [القمر: ٢٥] أيْ: مُتَكَبِّرٌ، حَمَلَهُ كِبْرُهُ عَلى اسْتِتْباعِنا لَهُ. ﴿سَيَعْلَمُونَ غَدًا﴾ [القمر: ٢٦] أيْ: عِنْدَ نُزُولِ العَذابِ بِهِمْ، أوْ يَوْمَ القِيامَةِ ﴿مَنِ الكَذّابُ الأشِرُ﴾ [القمر: ٢٦] أيِ: المُتَكَبِّرُ عَنِ الحَقِّ، البَطِرُ لَهُ. ﴿إنّا مُرْسِلُو النّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ﴾ [القمر: ٢٧] أيْ: آيَةً وحُجَّةً لِصالِحٍ عَلى قَوْمِهِ امْتِحانًا لَهم وابْتِلاءً ﴿فارْتَقِبْهُمْ﴾ [القمر: ٢٧] أيِ: انْتَظِرْهم وتَبَصَّرْ ما هم صانِعُوهُ بِها ﴿واصْطَبِرْ﴾ [القمر: ٢٧] أيْ: عَلى دَعْوَتِهِمْ. ﴿ونَبِّئْهم أنَّ الماءَ﴾ [القمر: ٢٨] أيِ: الَّذِي يَرِدُونَهُ لِشُرْبِ مَواشِيهِمْ ﴿قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ﴾ [القمر: ٢٨] أيْ: مَقْسُومٌ بَيْنَهُمْ، لَها شِرْبُ يَوْمٍ، ولَهم شِرْبُ يَوْمٍ ﴿كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ﴾ [القمر: ٢٨] أيْ: يَحْضُرُهُ صاحِبُهُ في نَوْبَتِهِ. و(الشُّرْبُ) النَّصِيبُ مِنَ الماءِ. ثُمَّ أشارَ تَعالى إلى عُتُوِّهِمْ عَنْ أمْرِ رَبِّهِمْ بِقَوْلِهِ: ﴿فَنادَوْا صاحِبَهم فَتَعاطى﴾ [القمر: ٢٩] فَتَناوَلَ النّاقَةَ بِيَدِهِ ﴿فَعَقَرَ﴾ [القمر: ٢٩] أيْ: فَعَقَرَها وقَتَلَها. ﴿فَكَيْفَ كانَ عَذابِي ونُذُرِ﴾ [القمر: ٣٠] ﴿إنّا أرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ المُحْتَظِرِ﴾ [القمر: ٣١] أيْ: كالشَّجَرِ اليابِسِ المُتَكَسِّرِ الَّذِي يَتَّخِذُهُ (p-٥٦٠٢)مَن يَعْمَلُ الحَظِيرَةَ لِلْغَنَمِ ونَحْوِها، أوْ كالحَشِيشِ اليابِسِ الَّذِي يَجْمَعُهُ صاحِبُ الحَظِيرَةِ لِماشِيَتِهِ في الشِّتاءِ. وقُرِئَ بِفَتْحِ الظّاءِ، اسْمُ مَكانٍ، أيْ: كَهَشِيمِ الحَظِيرَةِ، أوِ الشَّجَرِ المُتَّخَذِ لَها. وهو تَشْبِيهٌ لِإهْلاكِهِمْ وإفْنائِهِمْ، وأنَّهم بادُوا عَنْ آخِرِهِمْ لَمْ تَبْقَ مِنهم باقِيَةٌ، وخَمَدُوا وهَمَدُوا كَما يَهْمَدُ ويَيْبَسُ الزَّرْعُ والنَّباتُ بَعْدَ خُضْرَةِ ورَقِهِ وحُسْنِ نَباتِهِ. قالَ ابْنُ زَيْدٍ: كانَتِ العَرَبُ يَجْعَلُونَ حِظارًا عَلى الإبِلِ والمَواشِي مِن يُبْسِ الشَّوْكِ. وعَنْ سُفْيانَ: الهَشِيمُ، إذا ضُرِبَتِ الحَظِيرَةُ بِالعَصا، تَهَشَّمَ ذاكَ الوَرَقُ فَيَسْقُطُ، والعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ شَيْءٍ كانَ رَطْبًا فَيَبِسَ هَشِيمًا ﴿ولَقَدْ يَسَّرْنا القُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُدَّكِرٍ﴾ [القمر: ٣٢]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب