الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[٣٩] ﴿وأنْ لَيْسَ لِلإنْسانِ إلا ما سَعى﴾
﴿وأنْ لَيْسَ لِلإنْسانِ إلا ما سَعى﴾ أيْ: إلّا سَعْيَهُ وكَسْبَهُ.
تَنْبِيهاتٌ:
الأوَّلُ: قالَ ابْنُ جَرِيرٍ: إنَّما عَنى بِقَوْلِهِ: ﴿ألا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى﴾ [النجم: ٣٨] الَّذِي (p-٥٥٨٤)ضَمِنَ لِلْوَلِيدِ بْنِ المُغِيرَةِ أنْ يَتَحَمَّلَ عَنْهُ عَذابَ يَوْمِ القِيامَةِ! يَقُولُ: ألَمْ يُخْبِرْ قائِلُ هَذا القَوْلِ، وضامِنُ هَذا الضَّمانِ، بِالَّذِي في صُحُفِ مُوسى وإبْراهِيمَ مَكْتُوبٌ: أنْ لا تَأْثَمَ آثِمَةٌ إثْمَ أُخْرى غَيْرِها، ﴿وأنْ لَيْسَ لِلإنْسانِ إلا ما سَعى﴾ أيْ: وأنَّهُ لا يُجازى عامِلٌ إلّا بِعَمَلِهِ، خَيْرًا كانَ أوْ شَرًّا. انْتَهى.
وظاهِرُ السِّياقِ يُشْعِرُ بِنُزُولِ الآياتِ رَدًّا عَلى ما كانُوا يَتَخَرَّصُونَهُ ويَتَمَنَّوْنَهُ، ويَتَحَكَّمُونَ فِيهِ عَلى الغَيْبِ لِجاجًا وجَهْلًا. ومَعَ ذَلِكَ فَمَفْهُومُها الشُّمُولِيُّ جَلِيٌّ.
الثّانِي: قالَ السُّيُوطِيُّ في (الإكْلِيلِ): اسْتُدِلَّ بِهِ عَلى عَدَمِ دُخُولِ النِّيابَةِ في العِباداتِ عَنِ الحَيِّ والمَيِّتِ. واسْتَدَلَّ بِهِ الشّافِعِيُّ عَلى أنَّ ثَوابَ القِراءَةِ لا يَلْحَقُ الأمْواتَ. انْتَهى.
وقالَ ابْنُ كَثِيرٍ: ومِن هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ اسْتَنْبَطَ الشّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ومَن تَبِعَهُ، أنَّ القِراءَةَ لا يَصِلُ إهْداءُ ثَوابِها إلى المَوْتى، لِأنَّهُ لَيْسَ مِن عَمَلِهِمْ ولا كَسْبِهِمْ، ولِهَذا لَمْ يَنْدُبْ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أُمَّتَهُ، ولا حَثَّهم عَلَيْهِ، ولا أرْشَدَهم إلَيْهِ بِنَصٍّ ولا إيماءٍ، ولَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ عَنْ أحَدٍ مِنَ الصَّحابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، ولَوْ كانَ خَيْرًا لَسَبَقُونا إلَيْهِ. وبابُ القُرُباتِ يُقْتَصَرُ فِيهِ عَلى النُّصُوصِ ولا يُتَصَرَّفُ فِيهِ بِأنْواعِ الأقْيِسَةِ والآراءِ، فَأمّا الدُّعاءُ والصَّدَقَةُ فَذاكَ مُجْمَعٌ عَلى وُصُولِهِما، ومَنصُوصٌ مِنَ الشّارِعِ عَلَيْهِما.
وأمّا الحَدِيثُ الَّذِي رَواهُ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ««إذا ماتَ الإنْسانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلّا مِن ثَلاثٍ: مِن ولَدٍ صالِحٍ يَدْعُو لَهُ، أوْ صَدَقَةٍ جارِيَةٍ مِن بَعْدِهِ، أوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ»» فَهَذِهِ الثَّلاثَةُ في الحَقِيقَةِ هي مِن سَعْيِهِ وكَدِّهِ وعَمَلِهِ، كَما جاءَ في الحَدِيثِ: ««إنَّ أطْيَبَ ما أكَلَ الرَّجُلُ مِن كَسْبِهِ، وإنَّ ولَدَهُ مِن كَسْبِهِ»»، والصَّدَقَةُ الجارِيَةُ -كالوَقْفِ (p-٥٥٨٥)ونَحْوِهِ- هي مِن آثارِ عَمَلِهِ ووَقْفِهِ، وقَدْ قالَ تَعالى: ﴿إنّا نَحْنُ نُحْيِي المَوْتى ونَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وآثارَهُمْ﴾ [يس: ١٢] والعِلْمُ الَّذِي نَشَرَهُ في النّاسِ، فاقْتَدى بِهِ النّاسُ بَعْدَهُ، هو أيْضًا مِن سَعْيِهِ وعَمَلِهِ.
وثَبَتَ في الصَّحِيحَيْنِ: ««مَن دَعا إلى هُدًى كانَ لَهُ مِنَ الأجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنِ اتَّبَعَهُمْ، مِن غَيْرِ أنْ يَنْقُصَ مِن أُجُورِهِمْ شَيْئًا»» . انْتَهى.
الثّالِثُ: قالَ الرّازِيُّ: المُرادُ مِنَ الآيَةِ بَيانُ ثَوابِ الأعْمالِ الصّالِحَةِ، أوْ بَيانُ كُلِّ عَمَلٍ. نَقُولُ: المَشْهُورُ أنَّها لِكُلِّ عَمَلٍ، فالخَيْرُ مُثابٌ عَلَيْهِ، والشَّرُّ مُعاقَبٌ بِهِ، والظّاهِرُ أنَّهُ لِبَيانِ الخَيْراتِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ اللّامُ في قَوْلِهِ تَعالى: " لِلْإنْسانِ " فَإنَّ اللّامَ لِعَوْدِ المَنافِعِ، وعَلى لِعَوْدِ المَضارِّ، تَقُولُ: هَذا لَهُ، وهَذا عَلَيْهِ، ويَشْهَدُ لَهُ، ويَشْهَدُ عَلَيْهِ، في المَنافِعِ والمَضارِّ. ولِلْقائِلِ الأوَّلِ أنْ يَقُولَ بِأنَّ الأمْرَيْنِ إذا اجْتَمَعا غَلَبَ الأفْضَلُ، كَجُمُوعِ السَّلامَةِ تُذَكَّرُ، إذا اجْتَمَعَتِ الإناثُ مَعَ الذُّكُورِ. وأيْضًا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ثُمَّ يُجْزاهُ الجَزاءَ الأوْفى﴾ [النجم: ٤١] و(الأوْفى) لا يَكُونُ إلّا في مُقابَلَةِ الحَسَنَةِ، وأمّا في السَّيِّئَةِ فالمِثْلُ أوْ دُونَهُ، أوِ العَفْوُ بِالكُلِّيَّةِ. انْتَهى.
{"ayah":"وَأَن لَّیۡسَ لِلۡإِنسَـٰنِ إِلَّا مَا سَعَىٰ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق