الباحث القرآني

(p-٥٥٤٠)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُورَةُ الطُّورِ قالَ المَهايِمِيُّ: سُمِّيَتْ بِهِ لِأنَّهُ لَمّا تَضَمَّنَ تَعْظِيمَ مَهْبِطِ الوَحْيِ، فالوَحْيُ أوْلى بِالتَّعْظِيمِ، فَيَعْظُمُ الِاهْتِمامُ بِالعَمَلِ، لا سِيَّما وقَدْ عَظُمَ مِصْعَدُ العَمَلِ وثَمَرَتُهُ. وهَذا مِن أعْظَمِ مَقاصِدِ القُرْآنِ وهي مَكِّيَّةٌ، وآيُها تِسْعٌ وأرْبَعُونَ. رَوى الشَّيْخانِ ومالِكٌ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قالَ: «سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقْرَأُ في المَغْرِبِ بِالطَّوْرِ، فَما سَمِعْتُ أحَدًا أحْسَنَ صَوْتًا أوْ قِراءَةً مِنهُ». ورَوى البُخارِيُّ: عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قالَتْ: «شَكَوْتُ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إنِّي أشْتَكِي! فَقالَ: طُوفِي مِن وراءِ النّاسِ وأنْتِ راكِبَةٌ. فَطُفْتُ ورَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّي إلى جَنْبِ البَيْتِ، يَقْرَأُ بِالطُّورِ وكِتابٍ مَسْطُورٍ». (p-٥٥٤١)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [١ - ٦] ﴿والطُّورِ﴾ ﴿وكِتابٍ مَسْطُورٍ﴾ [الطور: ٢] ﴿فِي رَقٍّ مَنشُورٍ﴾ [الطور: ٣] ﴿والبَيْتِ المَعْمُورِ﴾ [الطور: ٤] ﴿والسَّقْفِ المَرْفُوعِ﴾ [الطور: ٥] ﴿والبَحْرِ المَسْجُورِ﴾ [الطور: ٦] . ﴿والطُّورِ﴾ أيْ: طُورِ سِينِينَ: جَبَلٌ بِمَدْيَنَ، سَمِعَ فِيهِ مُوسى صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيْهِ كَلامَ اللَّهِ تَعالى، وانْدَكَّ بِنُورِ تَجَلِّيهِ تَعالى. ﴿وكِتابٍ مَسْطُورٍ﴾ [الطور: ٢] أيْ: مَكْتُوبٍ، والمُرادُ بِهِ القُرْآنُ، أوْ ما يَعُمُّ الكُتُبَ المُنَزَّلَةَ. ﴿فِي رَقٍّ مَنشُورٍ﴾ [الطور: ٣] مُتَعَلِّقٌ بِـ: ﴿مَسْطُورٍ﴾ [الطور: ٢] أيْ: وكِتابٌ سُطِّرَ في ورَقٍ مَنشُورٍ يُقْرَأُ عَلى النّاسِ جِهارًا، و(الرَّقُّ) الصَّحِيفَةُ أوِ الجِلْدُ الَّذِي يُكْتَبُ فِيهِ. ﴿والبَيْتِ المَعْمُورِ﴾ [الطور: ٤] أيِ: الَّذِي يُعْمَرُ بِكَثْرَةِ غاشِيَتِهِ، وهو الكَعْبَةُ المَعْمُورَةُ بِالحُجّاجِ والعُمّارِ والطّائِفِينَ والعاكِفِينَ والمُجاوِرِينَ. ورُوِيَ أنَّهُ بَيْتٌ في السَّماءِ بِحِيالِ الكَعْبَةِ مِنَ الأرْضِ، يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ ألْفًا مِنَ المَلائِكَةِ ثُمَّ لا يَعُودُونَ فِيهِ أبْدًا. والأوَّلُ أظْهَرُ، لِأنَّهُ يُناسِبُ ما جاءَ في سُورَةِ (التِّينِ) مِن عَطْفِ البَلَدِ الأمِينِ عَلى طُورِ سِينِينَ والقُرْآنُ يُفَسِّرُ بَعْضُهُ بَعْضًا؛ لِتَشابُهِ آياتِهِ وتَماثُلِها كَثِيرًا، وإنْ تَنَوَّعَتْ بَلاغَةُ الأُسْلُوبِ. (p-٥٥٤٢)قالَ المَهايِمِيُّ: أوْرَدَهُ بَعْدَ الكِتابِ الَّذِي هو الوَحْيُ؛ لِأنَّهُ مَحَلُّ أعْظَمِ الأعْمالِ المَقْصُودَةِ مِنهُ، ولِأنَّهُ مَظْهَرُ الوَحْيِ ومَصْدَرُ الرَّحْمَةِ العامَّةِ المُهْداةِ لِلْعالَمِينَ؛ ولِأنَّهُ أجَلُّ الآياتِ وأكْبَرُها، كَما دَلَّ عَلَيْهِ آيَةُ ﴿أوَلَمْ يَرَوْا أنّا جَعَلْنا حَرَمًا آمِنًا ويُتَخَطَّفُ النّاسُ مِن حَوْلِهِمْ﴾ [العنكبوت: ٦٧] وآياتٌ أُخَرُ. ﴿والسَّقْفِ المَرْفُوعِ﴾ [الطور: ٥] يَعْنِي السَّماءَ؛ وجَعَلَها سَقْفًا لِأنَّها لِلْأرْضِ كَسَماءِ البَيْتِ الَّذِي هو سَقْفُهُ. ﴿والبَحْرِ المَسْجُورِ﴾ [الطور: ٦] أيِ: المَمْلُوءِ، أوِ الَّذِي يُوقَدُ أيْ: يَصِيرُ نارًا. كَقَوْلِهِ ﴿وإذا البِحارُ سُجِّرَتْ﴾ [التكوير: ٦] قالَ ابْنُ جَرِيرٍ: والأوَّلُ أوْلى، أعْنِي: أنَّ مَعْناهُ البَحْرُ المَمْلُوءُ المَجْمُوعُ ماؤُهُ بَعْضُهُ في بَعْضٍ؛ لِأنَّ الأغْلَبَ مَعانِي (السَّجْرِ) الإيقادُ أوْ الِامْتِلاءُ، فَإذا كانَ البَحْرُ غَيْرَ مُوقَدٍ اليَوْمَ، ثَبَتَتْ لَهُ الصِّفَةُ الثّانِيَةُ وهو الِامْتِلاءُ، لِأنَّهُ كُلَّ وقْتٍ مُمْتَلِئٌ، ولا تَنْسَ ما قَدَّمْناهُ في أوائِلِ (الذّارِياتِ) مِن أنَّ هَذِهِ الأقْسامَ كُلَّها دَلائِلُ أُخْرِجَتْ في صُورَةِ الإيمانِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب