الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [٨] ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالقِسْطِ ولا يَجْرِمَنَّكم شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى ألا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هو أقْرَبُ لِلتَّقْوى واتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ﴾ . ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّامِينَ لِلَّهِ﴾ أيْ: مُقْتَضى إيمانِكُمُ الِاسْتِقامَةُ، فَكُونُوا مُبالِغِينَ في الِاسْتِقامَةِ باذِلِينَ جُهْدَكم فِيها لِلَّهِ. وهي إنَّما تَتِمُّ بِالنَّظَرِ في حُقُوقِ اللَّهِ وحُقُوقِ خَلْقِهِ فَكُونُوا: ﴿شُهَداءَ بِالقِسْطِ﴾ أيِ: العَدْلِ. لا تَتْرُكُوهُ لِمَحَبَّةِ أحَدٍ ولا لِعَداوَةِ أحَدٍ: ﴿ولا يَجْرِمَنَّكُمْ﴾ أيْ: لا يَحْمِلَنَّكُمْ: ﴿شَنَآنُ﴾ أيْ: شِدَّةُ عَداوَةِ: ﴿قَوْمٍ عَلى ألا تَعْدِلُوا﴾ في حَقِّهِمْ. قالَ المَهايِمِيُّ: أيْ: فَإنّا لا نَأْمُرُكم بِهِ مِن حَيْثُ ما فِيهِ مِن تَوْفِيَةِ حُقُوقِ الأعْداءِ. بَلْ مِن حَيْثُ ما فِيهِ مِن تَوْفِيَةِ حُقُوقِ أنْفُسِكم في الِاسْتِقامَةِ: ﴿اعْدِلُوا هُوَ﴾ أيِ: العَدْلُ -: ﴿أقْرَبُ لِلتَّقْوى﴾ أيْ: لِحِفْظِ الأنْفُسِ أنْ تَتَجاوَزَ حَدَّ اسْتِقامَتِها: ﴿واتَّقُوا اللَّهَ﴾ أيْ: أنْ تَطْلُبُوا حُقُوقَهُ أوْ حُقُوقَ عِبادِهِ ولَوْ بِطْرِيقٍ تَوَهَّمُونَ فِيهِ العَدْلَ: ﴿إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ﴾ مِنَ الأعْمالِ فَيُجازِيكم بِذَلِكَ. وقَدْ ثَبَتَ في "الصَّحِيحَيْنِ" (p-١٩٠١)عَنِ النُّعْمانِ بْنِ بَشِيرٍ أنَّهُ قالَ: «نَحَلَنِي أبِي نُحْلًا. فَقالَتْ أُمِّي: لا أرْضى حَتّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ. فَجاءَهُ لِيُشْهِدَهُ عَلى صَدَقَتِي فَقالَ: أكُلَّ ولَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَهُ؟ قالَ: لا. فَقالَ: اتَّقُوا اللَّهَ واعْدِلُوا بَيْنَ أوْلادِكُمْ، وقالَ: إنِّي لا: أشْهَدُ عَلى جَوْرٍ. قالَ: فَرَجَعَ أبِي فَرَدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ». قالَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ: ثَمَرَةُ الآيَةِ الدَّلالَةُ عَلى وُجُوبِ الأمْرِ بِالمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ والقِيامِ بِالقِسْطِ. يَدْخُلُ فِيهِ الشَّهادَةُ بِالعَدْلِ والحُكْمُ بِهِ. وكَذَلِكَ الفَتْوى. وأنَّ قَوْلَ الحَقِّ لا يُتْرَكُ وُجُوبُهُ بِعَدُوٍّ ولا صَدِيقٍ. ولا يَجُوزُ اتِّباعُ الهَوى. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وفي هَذا تَنْبِيهٌ عَظِيمٌ عَلى أنَّ العَدْلَ إذا كانَ واجِبًا مَعَ الكُفّارِ الَّذِينَ هم أعْداءُ اللَّهِ، إذا كانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ مِنَ القُوَّةِ، فَما الظَّنُّ بِوُجُوبِهِ مَعَ المُؤْمِنِينَ الَّذِينَ هم أوْلِياؤُهُ وأحِبّاؤُهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب