الباحث القرآني
(p-٢١١١)القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[٧٩] ﴿كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ﴾
﴿كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ﴾ أيْ: لا يَنْهى بَعْضُهم بَعْضًا عَنِ ارْتِكابِ المَآثِمِ والمَحارِمِ. ثُمَّ ذَمَّهم عَلى ذَلِكَ لِيُحَذِّرَ مِنَ ارْتِكابِ مِثْلِ الَّذِي ارْتَكَبُوهُ فَقالَ: ﴿لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ﴾ مُؤَكَّدًا بِلامِ القَسَمِ. تَعْجِيبًا مِن سُوءِ فِعْلِهِمْ، كَيْفَ وقَدْ أدّاهم إلى ما شُرِحَ مِنَ اللَّعْنِ الكَبِيرِ.
تَنْبِيهاتٌ:
الأوَّلُ: دَلَّتِ الآيَةُ عَلى جَوازِ لَعْنِهِمْ.
الثّانِي: دَلَّتِ الآيَةُ أيْضًا عَلى المَنعِ مِنَ الذَّرائِعِ الَّتِي تُبْطِلُ مَقاصِدَ الشَّرْعِ. لِما رَواهُ أكْثَرُ المُفَسِّرِينَ، أنَّ الَّذِينَ لَعَنَهم داوُدُ عَلَيْهِ السَّلامُ أهْلُ أيْلَةَ الَّذِينَ اعْتَدَوْا في السَّبْتِ واصْطادُوا الحِيتانَ فِيهِ. وسَتَأْتِي قِصَّتُهم في (الأعْرافِ).
الثّالِثُ: دَلَّتْ أيْضًا عَلى وُجُوبِ النَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ.
قالَ الحاكِمُ: وتَدُلُّ عَلى أنَّ تَرْكَ النَّهْيِ مِنَ الكَبائِرِ.
الرّابِعُ: رَوى الإمامُ أحْمَدُ في مَعْنى الآيَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ (p-٢١١٢)ﷺ: «لَمّا وقَعَتْ بَنُو إسْرائِيلَ في المَعاصِي نَهَتْهم عُلَماؤُهم فَلَمْ يَنْتَهُوا، فَجالَسُوهم في مَجالِسِهِمْ، أوْ في أسْواقِهِمْ، وواكَلُوهم وشارَبُوهُمْ، فَضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، ولَعَنَهم عَلى لِسانِ داوُدَ وعِيسى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِما عَصَوْا وكانُوا يَعْتَدُونَ. وكانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقالَ: «لا، والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! حَتّى تَأْطِرُوهم عَلى الحَقِّ أطْرًا» . أيْ: تَعْطِفُوهم عَلَيْهِ». ورَواهُ التِّرْمِذِيُّ وقالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وأخْرَجَهُ أبُو داوُدَ عَنْهُ فَقالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ««إنَّ أوَّلَ ما دَخَلَ النَّقْصُ عَلى بَنِي إسْرائِيلَ أنَّهُ كانَ الرَّجُلُ يَلْقى الرَّجُلَ فَيَقُولُ: يا هَذا اتَّقِ اللَّهَ، ودَعْ ما تَصْنَعُ؛ فَإنَّهُ لا يَحِلُّ لَكَ، ثُمَّ يَلْقاهُ مِنَ الغَدِ فَلا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ أنْ يَكُونَ أكِيلَهُ وشَرِيبَهُ وقَعِيدَهُ. فَلَمّا فَعَلُوا ذَلِكَ، ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ ثُمَّ قالَ: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [المائدة: ٧٨] - إلى قَوْلِهِ -: ﴿فاسِقُونَ﴾ [المائدة: ٥٩] ثُمَّ قالَ: كَلّا واللَّهِ! لَتَأْمُرُنَّ بِالمَعْرُوفِ. ولَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ، ولَتَأْخُذُنَّ عَلى يَدِ الظّالِمِ، ولَتَأْطُرُنَّهُ عَلى الحَقِّ أطْرًا، أوْ تَقْصُرْنَهُ عَلى الحَقِّ قَصْرًا»» .
زادَ في رِوايَةٍ: «أوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِكم بِبَعْضٍ، ثُمَّ يَلْعَنُكم كَما لَعَنَهم».
وكَذا رَواهُ التِّرْمِذِيُّ وحَسَّنَهُ. وابْنُ ماجَهْ.
والأحادِيثُ في (الأمْرِ بِالمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ) كَثِيرَةٌ، ومِمّا يُناسِبُ مِنها هَذا المَقامَ:
ما رَواهُ الإمامُ أحْمَدُ والتِّرْمِذِيُّ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمانِ: أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: ««والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَتَأْمُرُنَّ بِالمَعْرُوفِ ولَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ، أوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أنْ يَبْعَثَ عَلَيْكم عِقابًا مِن عِنْدِهِ، ثُمَّ لَتَدْعُنَّهُ فَلا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ»» .
(p-٢١١٣)وفِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْ أبِي سَعِيدٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ««مَن رَأى مِنكم مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ. فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسانِهِ. فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ. وذَلِكَ أضْعَفُ الإيمانِ»» .
ورَوى الإمامُ أحْمَدُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ عُمَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: ««إنَّ اللَّهَ لا يُعَذِّبُ العامَّةَ بِعَمَلِ الخاصَّةِ حَتّى يَرَوُا المُنْكَرَ بَيْنَ ظَهْرانَيْهِمْ. وهم قادِرُونَ عَلى أنْ يُنْكِرُوهُ فَلا يُنْكِرُوهُ. فَإذا فَعَلُوا ذَلِكَ عَذَّبَ اللَّهُ الخاصَّةَ والعامَّةَ»» .
ورَوى ابْنُ ماجَهْ عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: ««إنَّ اللَّهَ لَيَسْألُ العَبْدَ يَوْمَ القِيامَةِ حَتّى يَقُولَ: ما مَنَعَكَ إذْ رَأيْتَ المُنْكَرَ أنْ تُنْكِرَهُ؟ فَإذا لَقَّنَ اللَّهُ عَبْدًا حُجَّتَهُ قالَ: يا رَبِّ! رَجَوْتُكَ وفَرِقْتُ النّاسَ»» .
قالَ الحافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ: تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ ماجَهْ. وإسْنادُهُ لا بَأْسَ بِهِ.
ورَوى الإمامُ أحْمَدُ والتِّرْمِذِيُّ عَنْ حُذَيْفَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: ««لا يَنْبَغِي لِمُسْلِمٍ أنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ. قِيلَ: وكَيْفَ يُذِلُّ نَفْسَهُ؟ قالَ: يَتَعَرَّضُ مِنَ البَلاءِ ما لا يُطِيقُ»» .
قالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.
(p-٢١١٤)ورَوى ابْنُ ماجَهْ عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: «قِيلَ: يا رَسُولَ اللَّهِ! مَتى نَتْرُكُ الأمْرَ بِالمَعْرُوفِ والنَّهْيَ عَنِ المُنْكَرِ؟ قالَ: «إذا ظَهَرَ فِيكم ما ظَهَرَ في الأُمَمِ قَبْلَكم. قُلْنا: يا رَسُولَ اللَّهِ! وما ظَهَرَ في الأُمَمِ قَبْلَنا؟ قالَ: المُلْكُ في صِغارِكُمْ، الفاحِشَةُ في كِبارِكُمْ، والعِلْمُ في رُذالَتِكُمْ»» .
قالَ زَيْدُ بْنُ يَحْيى الخُزاعِيُّ، أحَدُ رُواتِهِ: مَعْنى قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ (والعِلْمُ في رُذالَتِكُمْ) إذا كانَ العِلْمُ في الفُسّاقِ.
تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ ماجَهْ. ولَهُ شاهِدٌ في حَدِيثِ أبِي ثَعْلَبَةَ يَأْتِي إنْ شاءَ اللَّهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: لا يَضُرُّكم مَن ضَلَّ - أفادَهُ ابْنُ كَثِيرٍ.
أقُولُ: هَذِهِ الأحادِيثُ إنَّما يَتَرَوَّحُ بِها الضَّعَفَةُ، مِن نَحْوِ العُلَماءِ والقادَةِ. وأمّا مَن كانَ لَهُمُ الكَلِمَةُ النّافِذَةُ والوَجاهَةُ التّامَّةُ فَهَيْهاتَ أنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ، وهَذِهِ المَواعِيدُ الهائِلَةُ تَخْفُقُ فَوْقَ رُؤُوسِهِمْ؛ ولِذا قالَ العَلّامَةُ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَيا حَسْرَةً عَلى المُسْلِمِينَ في إعْراضِهِمْ عَنْ بابِ التَّناهِي عَنِ المَناكِيرِ، وقِلَّةِ عِبْئِهِمْ بِهِ. كَأنَّهُ لَيْسَ مِن مِلَّةِ الإسْلامِ في شَيْءٍ. مَعَ ما يَتْلُونَ مِن كِتابِ اللَّهِ، وما فِيهِ مِنَ المُبالَغاتِ في هَذا البابِ. وقَدْ مَرَّ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لَوْلا يَنْهاهُمُ الرَّبّانِيُّونَ﴾ [المائدة: ٦٣] ما يُؤَيِّدُ ما هُنا، فَتَذَكَّرْ.
الخامِسُ: قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإنْ قُلْتَ: كَيْفَ وقَعَ تَرْكُ التَّناهِي عَنِ المُنْكَرِ تَفْسِيرًا لِلْمَعْصِيَةِ والِاعْتِداءِ؟ قُلْتُ: مِن قِبَلِ أنَّ اللَّهَ تَعالى أمَرَ بِالتَّناهِي. فَكانَ الإخْلالُ بِهِ مَعْصِيَةً، وهو اعْتِداءٌ.
ولَمّا وصَفَ تَعالى أسْلافَهم بِما مَضى، وصَفَ الحاضِرِينَ بِقَوْلِهِ:
{"ayah":"كَانُوا۟ لَا یَتَنَاهَوۡنَ عَن مُّنكَرࣲ فَعَلُوهُۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُوا۟ یَفۡعَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق