الباحث القرآني

(p-٢١٠٥)القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [٧٦] ﴿قُلْ أتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَكم ضَرًّا ولا نَفْعًا واللَّهُ هو السَّمِيعُ العَلِيمُ﴾ ﴿قُلْ أتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَكم ضَرًّا ولا نَفْعًا﴾ هَذا دَلِيلٌ آخَرُ عَلى فَسادِ قَوْلِ النَّصارى، والمَوْصُولِ كِنايَةً عَنْ عِيسى وأُمِّهِ، أيْ: لا يَسْتَطِيعانِ أنْ يَضُرّاكم بِمِثْلِ ما يَضُرُّكم بِهِ اللَّهُ مِنَ البَلايا والمَصائِبِ في الأنْفُسِ والأمْوالِ. ولا أنْ يَنْفَعاكم بِمِثْلِ ما يَنْفَعُكم بِهِ مِن صِحَّةِ البَدَنِ والسِّعَةِ والخِصْبِ. ولِأنَّ كُلَّ ما يَسْتَطِيعُهُ البِشْرُ مِنَ المَضارِّ والمَنافِعِ، فَبِإقْدارِ اللَّهِ وتَمْكِينِهِ، فَكَأنَّهُما لا يَمْلِكانِ مِنهُ شَيْئًا. وإيثارُ (ما) عَلى (مَن) لِتَحْقِيقِ ما هو المُرادُ مِن كَوْنِهِما بِمَعْزِلٍ مِنَ الأُلُوهِيَّةِ رَأْسًا. بِبَيانِ انْتِظامِهِما في سِلْكِ الأشْياءِ الَّتِي لا قُدْرَةَ لَها عَلى شَيْءٍ أصْلًا؛ أيْ: وصِفَةُ الرَّبِّ أنْ يَكُونَ قادِرًا عَلى كُلِّ شَيْءٍ لا يَخْرُجُ مَقْدُورٌ عَنْ قُدْرَتِهِ. وإنَّما قَدَّمَ (الضُّرَّ) لِأنَّ التَّحَرُّزَ عَنْهُ أهَمُّ مِن تَحَرِّي النَّفْعِ ﴿واللَّهُ هو السَّمِيعُ العَلِيمُ﴾ بِالأقْوالِ والعَقائِدِ. فَيُجازِي عَلَيْها إنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وإنَّ شَرًّا فَشَرٌّ، فَهو وعْدٌ ووَعِيدٌ. تَنْبِيهاتٌ: الأوَّلُ: جَعَلَ ابْنُ كَثِيرٍ الخِطابَ في قَوْلِهِ تَعالى: أتَعْبُدُونَ عامًّا لِلنَّصارى وغَيْرِهِمْ، أيْ: قُلْ لِهَؤُلاءِ العابِدِينَ غَيْرَ اللَّهِ مِن سائِرِ فِرَقِ بَنِي آدَمَ. وفِي "تَنْوِيرِ المِقْباسِ" أنَّ (ما) عِبارَةٌ عَنِ الأصْنامِ خاصَّةً. وكِلاهُما مِمّا يَأْباهُ السِّباقُ والسِّياقُ. الثّانِي: قالَ في "فَتْحِ البَيانِ": إذا كانَ هَذا في حَقِّ عِيسى النَّبِيِّ، فَما ظَنُّكَ بِوَلِيٍّ مِنَ الأوْلِياءِ؟ فَإنَّهُ أوْلى بِذَلِكَ. الثّالِثُ: جَعَلَ أكْثَرُ المُفَسِّرِينَ (ما) كِنايَةً عَنْ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ فَقَطْ، والمَقامُ أنَّها كِنايَةٌ عَنْهُ وعَنْ أُمِّهِ عَلَيْهِما السَّلامُ، كَما أوْضَحَهُ المَهايِمِيُّ واعْتَمَدْناهُ. (p-٢١٠٦)الرّابِعُ: دَلَّتِ الآيَةُ عَلى جَوازِ الحِجاجِ في الدِّينِ؛ فَإنْ كانَ مَعَ الكُفّارِ وأهْلِ البِدَعِ، فَذَلِكَ ظاهِرُ الجَوازِ؛ وإنْ كانَ مَعَ المُؤْمِنِ جازَ بِشَرْطِ أنْ يُقْصَدَ إرْشادُهُ إلى الحَقِّ، لا إنْ قَصَدَ العُلُوَّ فَمَحْظُورٌ. وحُكِيَ عَنِ الشّافِعِيِّ أنَّهُ كانَ إذا جادَلَ أحَدًا قالَ: اللَّهُمَّ ألْقِ الحَقَّ عَلى لِسانِهِ. أفادَهُ بَعْضُ الزَّيْدِيَّةِ. ولَمّا أقامَ تَعالى الأدِلَّةَ القاهِرَةَ عَلى بُطْلانِ ما تَقُولَهُ النَّصارى، أرْشَدَهم إلى اتِّباعِ الحَقِّ ومُجانَبَةِ الغُلُوِّ الباطِلِ، بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب