الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [٥٣] ﴿ويَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أهَؤُلاءِ الَّذِينَ أقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أيْمانِهِمْ إنَّهم لَمَعَكم حَبِطَتْ أعْمالُهم فَأصْبَحُوا خاسِرِينَ﴾ ﴿ويَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: قُرِئَ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلى (أنْ يَأْتِيَ) وبِالرَّفْعِ عَلى أنَّهُ كَلامٌ مُبْتَدَأٌ. أيْ: ويَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا في ذَلِكَ الوَقْتِ. وقُرِئَ: (يَقُولُ) بِغَيْرِ (واوٍ) وهي مَصاحِفُ مَكَّةَ والمَدِينَةِ والشّامِ كَذَلِكَ. عَلى أنَّهُ جَوابُ قائِلٍ يَقُولُ: فَماذا يَقُولُ المُؤْمِنُونَ حِينَئِذٍ؟ فَقِيلَ: يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا: أهَؤُلاءِ الَّذِينَ أقْسَمُوا؟ (فَإنْ قُلْتَ): لِمَن يَقُولُونَ هَذا القَوْلَ؟ (قُلْتُ): إمّا أنْ يَقُولَهُ بَعْضُهم لِبَعْضٍ تَعَجُّبًا مِن حالِهِمْ، واغْتِباطًا بِما مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ التَّوْفِيقِ في الإخْلاصِ: ﴿أهَؤُلاءِ الَّذِينَ أقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أيْمانِهِمْ﴾ أيْ: حَلَفُوا لَكم بِأغْلاظِ الأيْمانِ: ﴿إنَّهم لَمَعَكُمْ﴾ أيْ: إنَّهم أوْلِياؤُكم ومُعاضِدُوكم عَلى الكُفّارِ وإمّا أنْ يَقُولُوهُ لِلْيَهُودِ، لِأنَّهم حَلَفُوا لَهم بِالمُعاضَدَةِ والنُّصْرَةِ. كَما حَكى اللَّهُ عَنْهُمْ: ﴿وإنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ﴾ [الحشر: ١١] أيْ: فَقَدْ تَباعَدُوا عَنْكم. فَيَظْهَرُ أنَّهم لَمْ يَكُونُوا مَعَ المُؤْمِنِينَ (p-٢٠٢٧)ولا مَعَ اليَهُودِ: ﴿حَبِطَتْ أعْمالُهم فَأصْبَحُوا خاسِرِينَ﴾ أيْ: في الدُّنْيا، إذْ ظَهَرَ نِفاقُهم عِنْدَ الكُلِّ. وفي الآخِرَةِ، إذْ لَمْ يَبْقَ لَهم ثَوابٌ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هَذِهِ الجُمْلَةُ مِن قَوْلِ المُؤْمِنِينَ. أيْ: بَطَلَتْ أعْمالُهُمُ الَّتِي كانُوا يَتَكَلَّفُونَها في رَأْيِ أعْيُنِ النّاسِ، وفِيهِ مَعْنى التَّعَجُّبِ، كَأنَّهُ قِيلَ: ما أحْبَطَ أعْمالَهم فَما أخْسَرَهُمْ! أوْ مِن قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، شَهادَةً لَهم بِحُبُوطِ الأعْمالِ، وتَعْجِيبًا مِن سُوءِ حالِهِمْ. انْتَهى. وفِيهِ مِنَ الِاسْتِهْزاءِ بِالمُنافِقِينَ والتَّقْرِيعِ لِلْمُخاطَبِينَ، ما لا يَخْفى. تَنْبِيهاتٌ: الأوَّلُ -: في سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الآياتِ الكَرِيماتِ: رُوِيَ عَنِ السُّدِّيِّ، أنَّها نَزَلَتْ في رَجُلَيْنِ قالَ أحَدَهُما لِصاحِبِهِ بَعْدَ وقْعَةِ أُحُدٍ: أمّا أنا فَإنِّي ذاهِبٌ إلى ذَلِكَ اليَهُودِيِّ فَأُوالِيهِ وأتَهَوَّدُ مَعَهُ لَعَلَّهُ يَنْفَعُنِي إذا وقَعَ أمْرٌ أوْ حَدَثَ حادِثٌ. وقالَ الآخَرُ: وأمّا أنا فَإنِّي ذاهِبٌ إلى فُلانٍ النَّصْرانِيِّ بِالشّامِ فَأُوالِيهِ وأتَنَصَّرُ مَعَهُ. فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ والنَّصارى﴾ [المائدة: ٥١] الآياتِ. وقالَ عِكْرِمَةُ: نَزَلَتْ في أبِي لُبابَةَ بْنِ عَبْدِ المُنْذِرِ، حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلى بَنِي قُرَيْظَةَ، فَسَألُوهُ: ماذا هو صانِعٌ بِنا؟ فَأشارَ بِيَدِهِ إلى حَلْقِهِ، أيْ: إنَّهُ الذَّبْحُ. رَواهُ ابْنُ جَرِيرٍ. وقِيلَ: نَزَلَتْ في عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ. رَوى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ سَعْدٍ قالَ: «جاءَ عُبادَةُ بْنُ الصّامِتِ مِن بَنِي الحارِثِ بْنِ الخَزْرَجِ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ! إنَّ لِي مَوالِيَ مِن يَهُودَ كَثِيرٌ عَدَدُهم. وإنِّي (p-٢٠٢٨)أبْرَأُ إلى اللَّهِ ورَسُولِهِ مِن وِلايَةِ يَهُودَ. وأتَوَلّى اللَّهَ ورَسُولَهُ. فَقالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ: إنِّي رَجُلٌ أخافَ الدَّوائِرَ. لا أبْرَأُ مِن وِلايَةِ مَوالِيَّ. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ: «يا أبا الحُبابِ! ما بَخِلْتَ بِهِ مِن وِلايَةِ يَهُودَ عَلى عُبادَةَ بْنِ الصّامِتِ فَهو إلَيْكَ دُونَهُ» . قالَ: قَدْ قَبِلْتُ. فَأنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [المائدة: ٥١] الآيَتَيْنِ». ثُمَّ رَوى ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قالَ: «لِما انْهَزَمَ أهْلُ بَدْرٍ، قالَ المُسْلِمُونَ لِأوْلِيائِهِمْ مِن يَهُودَ: آمِنُوا قَبْلَ أنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِيَوْمٍ مِثْلَ يَوْمِ بَدْرٍ. فَقالَ مالِكُ بْنُ صَيْفٍ: غَرَّكم إنْ أصَبْتُمْ رَهْطًا مِن قُرَيْشٍ لا عِلْمَ لَهم بِالقِتالِ! أما لَوْ أمْرَرْنا العَزِيمَةَ أنْ نَسْتَجْمِعَ عَلَيْكم. لَمْ يَكُنْ لَكم يَدٌ أنْ تُقاتِلُونا. فَقالَ عُبادَةُ بْنُ الصّامِتِ: يا رَسُولَ اللَّهِ! إنَّ أوْلِيائِي مِنَ اليَهُودِ كانَتْ شَدِيدَةً أنْفُسُهُمْ، كَثِيرًا سِلاحُهُمْ، شَدِيدَةً شَوْكَتَهُمْ، وإنِّي أبْرَأُ إلى اللَّهِ وإلى رَسُولِهِ مِن وِلايَتِهِمْ، ولا مَوْلى لِي إلّا اللَّهُ ورَسُولُهُ. فَقالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ: لَكِنِّي لا أبْرَأُ مِن وِلايَةِ يَهُودَ. إنِّي رَجُلٌ لابُدَّ لِي مِنهم. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: يا أبا الحُبابِ! أرَأيْتَ الَّذِي نَفِسْتَ بِهِ مِن وِلايَةِ يَهُودَ عَلى عُبادَةَ بْنِ الصّامِتِ، فَهو لَكَ دُونَهُ. فَقالَ إذا أقْبَلَ! قالَ: فَأنْزَلَ اللَّهُ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ﴾ [المائدة: ٥١] - إلى قَوْلِهِ -: ﴿واللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ﴾ [المائدة: ٦٧]» . وقالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحاقَ: «فَكانَتْ أوَّلَ قَبِيلَةٍ مِنَ اليَهُودِ نَقَضَتْ ما بَيْنَها وبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَتّى نَزَلُوا عَلى حُكْمِهِ. فَقامَ إلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ حِينَ أمْكَنَهُ اللَّهُ مِنهُمْ، فَقالَ: يا مُحَمَّدُ! أحْسِنْ في مَوالِيَّ - وكانُوا حُلَفاءَ الخَزْرَجِ - قالَ: فَأبْطَأ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. فَقالَ: يا مُحَمَّدُ! أحْسِنْ في مَوالِيَّ. قالَ: فَأعْرَضَ عَنْهُ. فَأدْخَلَ يَدَهُ في جَيْبِ دِرْعِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أرْسِلْنِي. وغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتّى رَأوْا لِوَجْهِهِ ظُلَلًا، ثُمَّ (p-٢٠٢٩)قالَ: ويْحَكَ! أرْسِلْنِي. قالَ: لا، واللَّهِ! لا أُرْسِلُكَ حَتّى تُحْسِنَ في مَوالِيَّ. أرْبَعُمِائَةِ حاسِرٍ وثَلاثُمِائَةِ دارِعٍ، قَدْ مَنَعُونِي مِنَ الأحْمَرِ والأسْوَدِ، تَحْصُدُهم في غَداةٍ واحِدَةٍ؟ إنِّي امْرُؤٌ أخْشى الدَّوائِرَ. قالَ: فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: هم لَكَ». قالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحاقَ: فَحَدَّثَنِي أبِي، إسْحاقُ بْنُ يَسارٍ، عَنْ عُبادَةَ بْنِ الوَلِيدِ بْنِ عُبادَةَ بْنِ الصّامِتِ قالَ: «لَمّا حارَبَتْ بَنُو قَيْنُقاعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، تَشَبَّثَ بِأمْرِهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ، وقامَ دُونَهم. ومَشى عُبادَةُ بْنُ الصّامِتِ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ - وكانَ أحَدَ بَنِي عَوْفٍ مِنَ الخَزْرَجِ، لَهم مِن حِلْفِهِ مِثْلُ الَّذِي لَهم مِن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ - فَخَلَعَهم إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وتَبَرَّأ إلى عَزَّ وجَلَّ، وإلى رَسُولِهِ مِن حِلْفِهِمْ وقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ! أتَوَلّى اللَّهَ ورَسُولَهُ والمُؤْمِنِينَ، وأبْرَأُ مِن حِلْفِ هَؤُلاءِ الكُفّارِ ووِلايَتِهِمْ... فَفِيهِ وفي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ نَزَلَتِ الآياتُ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ﴾ [المائدة: ٥١] - إلى قَوْلِهِ -: ﴿فَإنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الغالِبُونَ﴾ [المائدة: ٥٦]» . ورَوى الإمامُ أحْمَدُ عَنْ أُسامَةَ بْنِ زَيْدٍ قالَ: «دَخَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ نَعُودُهُ، فَقالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: «قَدْ كُنْتُ أنْهاكَ عَنْ حُبِّ يَهُودَ» . فَقالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَقَدْ أبْغَضَهم أسْعَدُ بْنُ زُرارَةَ فَماتَ». وكَذا رَواهُ أبُو داوُدَ. الثّانِي: قالَ بَعْضُ مُفَسِّرِي الزَّيْدِيَّةِ: ثَمَراتُ الآيَةِ أحْكامٌ: الأوَّلُ: - أنَّهُ لا يَجُوزُ مُوالاةُ اليَهُودِ ولا النَّصارى. قالَ الحاكِمُ: والمُرادُ مُوالاتُهُ في الدِّينِ. وجَعَلَ الزَّمَخْشَرِيُّ المُوالاةَ في النُّصْرَةِ والمُصافاةِ. وبَيَّنَ وُجُوبَ المُجانَبَةِ لِلْمُخالِفِ في الدِّينِ، كَما تَقَدَّمَ. والبُعْدُ والمُجانَبَةُ اسْتِحْبابٌ؛ إذْ قَدْ جازَتِ المُخالَطَةُ في مَواضِعَ بِالإجْماعِ، وذَلِكَ حَيْثُ لا يُوهِمُ مَحَبَّتَهم ولا بِأنَّهم عَلى حَقٍّ. (p-٢٠٣٠)الحُكْمُ الثّانِي: - أنَّ لِلْإمامِ أنْ يُسْقِطَ الحَدَّ إذا خَشِيَ، أوْ يُؤَخِّرَهُ. وقَدْ ذَكَرَ هَذا، الأمِيرُ يَحْيى والرّاضِي بِاللَّهِ والحاكِمُ، وهَذا مَأْخُوذٌ مِن سَبَبِ النُّزُولِ، وتَرْكِ النَّبِيِّ ﷺ بَنِي قَيْنُقاعَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ. الحُكْمُ الثّالِثُ: - صِحَّةُ المُوالاةِ مِنهم لِبَعْضِهِمْ بَعْضًا. وقَدْ قالَ عَلِيُّ بْنُ مُوسى القُمِّيُّ: الآيَةُ تَدُلُّ عَلى أنَّهم مِلَّةٌ واحِدَةٌ: فَتَصِحُّ المُناكَحَةُ بَيْنَهم والمُوارَثَةُ. والمَذْهَبُ خِلافُ ذَلِكَ. والدَّلالَةُ عَلى ما ذُكِرَ مُحْتَمَلَةٌ؛ لِأنَّها تَحْتَمِلُ أنَّ المُرادَ: بَعْضُهم أوْلِياءُ بَعْضٍ في مُعاداةِ المُسْلِمِينَ؛ أوْ يَعْنِي: بَعْضُ اليَهُودِ ولِيًّا لِبَعْضِ اليَهُودِ. الحُكْمُ الرّابِعُ: أنَّ مَن تَوَلّاهم فَهو مِنهم. ولا خِلافَ في أنَّهُ صارَ عاصِيًا لِلَّهِ كَما عَصَوْهُ. ولَكِنْ أيْنَ تَبْلُغُ حَدُّ مَعْصِيَتِهِ؟ وقَدِ اخْتُلِفَ في ذَلِكَ فَقِيلَ: مَعْنى قَوْلِهِ: فَإنَّهُ مِنهم أيْ: حُكْمُهُ حُكْمُهم في الكُفْرِ، وهَذا حَدِيثٌ يُقِرُّهم عَلى دِينِهِمْ. فَكَأنَّهُ قَدْ رَضِيَهُ. وقِيلَ: مَن تَوَلّاهم عَلى تَكْذِيبِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. وقِيلَ: المُرادُ أنَّهُ مِنهم في وُجُوبِ عَداوَتِهِ والبَراءَةِ مِنهُ. قالَ الحاكِمُ: ودَلالَةُ الآيَةِ مُجْمَلَةٌ؛ فَهي لا تَدُلُّ عَلى أنَّهُ كافِرٌ إلّا أنْ يُحْمَلَ عَلى المُوافَقَةِ في الدِّينِ. الحُكْمُ الخامِسُ: ذَكَرَهَ الحاكِمُ، أنَّهُ لا يَجُوزُ الِاسْتِعانَةُ بِهِمْ. قُلْنا: ذَكَرَ الرّاضِي بِاللَّهِ: أنَّهُ ﷺ قَدْ حالَفَ اليَهُودَ عَلى حَرْبِ قُرَيْشٍ وغَيْرِهِما إلى أنْ نَقَضُوهُ يَوْمَ الأحْزابِ، وجَدَّدَ ﷺ الحِلْفَ بَيْنَهُ وبَيْنَ خُزاعَةَ. حَتّى كانَ ذَلِكَ سَبَبَ الفَتْحِ. وكانَتْ خُزاعَةُ عَيْبَةَ نُصْحِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. مُسْلِمِهِمْ وكافِرِهِمْ. وقالَ الرّاضِي بِاللَّهِ: وهو ظاهِرُ قَوْلِ آبائِنا عَلَيْهِمُ السَّلامُ. وقَدِ اسْتَعانَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلامُ بِقَتَلَةِ عُثْمانَ، واسْتَعانَ ﷺ بِالمُنافِقِينَ. قالَ الرّاضِي بِاللَّهِ: ويَجُوزُ الِاسْتِعانَةُ بِالفُسّاقِ عَلى حَرْبِ المُبْطِلِينَ، فَتَكُونُ هَذِهِ الِاسْتِعانَةُ غَيْرَ مُوالاةٍ. (p-٢٠٣١)التَّنْبِيهُ الثّالِثُ - في التَّفْسِيرِ المُتَقَدِّمِ ما نَصُّهُ: وفي الآيَةِ الكَرِيمَةِ زَواجِرُ عَنْ مُوالاةِ اليَهُودِ والنَّصارى مِن وُجُوهٍ: الأوَّلُ - النَّهْيُ بِقَوْلِهِ: ﴿لا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ والنَّصارى أوْلِياءَ﴾ [المائدة: ٥١] وسائِرُ الكُفّارِ لاحِقٌ بِهِمْ. الثّانِي - قَوْلُهُ تَعالى: ﴿بَعْضُهم أوْلِياءُ بَعْضٍ﴾ [المائدة: ٥١] والمَعْنى: أنَّ المُوالاةَ مِن بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ لِاتِّحادِهِمْ بِالكُفْرِ، والمُؤْمِنُونَ أعْلى مِنهم. الثّالِثُ - قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ومَن يَتَوَلَّهم مِنكم فَإنَّهُ مِنهُمْ﴾ [المائدة: ٥١] وهَذا تَغْلِيظٌ وتَشْدِيدٌ ومُبالَغَةٌ. مِثْلَ قَوْلِهِ ﷺ: «لا تَراءى نارُهُما». ومِثْلَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ: «لا تَسْتَضِيئُوا بِنارِ المُشْرِكِينَ». الرّابِعُ: ما أخْبَرَ اللَّهُ بِهِ أنَّهُ لا يَهْدِيهِمْ. الخامِسُ: وصْفُهم بِالظُّلْمِ، والمُرادُ: الَّذِينَ ظَلَمُوا أنْفُسَهم بِمُوالاةِ الكُفّارِ. السّادِسُ: - أنَّهُ تَعالى أخْبَرَ أنَّ المُوالاةَ لَهم مِن دَيْدَنِ الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ، أيْ: شَكٌّ ونِفاقٌ. السّابِعُ - ما أخْبَرَ اللَّهُ تَعالى بِهِ مِن عِلَّةِ المُوالِينَ، وأنَّ ذَلِكَ خَشْيَةَ الدَّوائِرِ. لا أنَّهُ بِإذْنٍ مِنَ اللَّهِ ولا مِن رَسُولِهِ. الثّامِنُ: - قَطْعُ اللَّهِ لِما زَيَّنَهُ لَهُمُ الشَّيْطانُ مِن خَشْيَةِ رُجُوعِ دَوْلَةِ الكُفْرِ فَقالَ تَعالى: ﴿فَعَسى اللَّهُ أنْ يَأْتِيَ بِالفَتْحِ﴾ [المائدة: ٥٢] و(عَسى) في حَقِّ اللَّهِ تَعالى لِواجِبِ الحُصُولِ بِالفَتْحِ لِمَكَّةَ أوْ لِبِلادِ الشِّرْكِ. التّاسِعُ - ما بَشَّرَ اللَّهُ تَعالى بِهِ مِن إهانَتِهِ بِقَوْلِهِ: ﴿أوْ أمْرٍ مِن عِنْدِهِ﴾ [المائدة: ٥٢] قِيلَ: إذْلالُ الشِّرْكِ بِالجِزْيَةِ. وقِيلَ: قَتْلُ قُرَيْظَةَ وإجْلاءُ النَّضِيرِ. وقِيلَ: أنْ يُورِثَ المُسْلِمِينَ أرْضَهم ودِيارَهم. العاشِرُ: - ما ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعالى مِنَ الأمْرِ الَّذِي يَؤُولُ إلَيْهِ حالُهم. وأنَّهم يُصْبِحُونَ نادِمِينَ عَلى ما أسَرُّوا في أنْفُسِهِمْ (p-٢٠٣٢)مِن غِشِّهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ ونُصْحِهِمْ لِلْكافِرِينَ. وقِيلَ: مِن نِفاقِهِمْ. وقِيلَ: مِن مُعانَدَتِهِمْ لِلْكُفّارِ، وذَلِكَ حِينَ مُعايَنَتِهِمْ لِلْعَذابِ. وقِيلَ: في الدُّنْيا، بِما صارُوا فِيهِ مِنَ الذِّلَّةِ والصَّغارِ. الحادِي عَشَرَ: - ما ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعالى مِن تَعَجُّبِ المُؤْمِنِينَ مِن فَضِيحَةِ أعْداءِ اللَّهِ وخُبْثِهِمْ في إيمانِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ويَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أهَؤُلاءِ﴾ الآيَةَ. الثّانِي عَشَرَ: - ما أخْبَرَ اللَّهُ مِن حالِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿حَبِطَتْ أعْمالُهم فَأصْبَحُوا خاسِرِينَ﴾ قِيلَ: خَسِرُوا حَظَّهم مِن مُوالاتِهِمْ. وقِيلَ: أهْلَكُوا أنْفُسَهم. وقِيلَ: خَسِرُوا ثَوابَ اللَّهِ. انْتَهى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب