القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[٣٨] ﴿والسّارِقُ والسّارِقَةُ فاقْطَعُوا أيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالا مِنَ اللَّهِ واللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾
﴿والسّارِقُ﴾ أيْ: مِنَ الرِّجالِ: ﴿والسّارِقَةُ﴾ أيْ: مِنَ النِّساءِ: ﴿فاقْطَعُوا أيْدِيَهُما﴾ يَعْنِي يَمِينَ كُلٍّ مِنهُما، والمَقْطَعُ الرُّسْغُ، كَما بَيَّنَتْهُ السُّنَّةُ: ﴿جَزاءً بِما كَسَبا﴾ أيْ: يَقْطَعُ الآلَةَ الكاسِبَةَ: ﴿نَكالا﴾ أيْ: عُقُوبَةً: ﴿مِنَ اللَّهِ﴾ أيْ: عَلى فِعْلِ السَّرِقَةِ المَنهِيِّ عَنْهُ مِن جِهَتِهِ تَعالى، لا في مُقابَلَةِ إتْلافِ المالِ، فَإنَّهُ غَيْرُ السَّرِقَةِ. فَلِذَلِكَ لا يَسْقُطُ بِعَفْوِ المالِكِ، بِخِلافِ العَفْوِ عَنِ المالِ. ولا يُبالِي فِيهِ بِعِزَّةِ السّارِقِ، لِأنَّهُ تَعالى غالِبٌ عَلى أمْرِهِ يُمْضِيهِ كَيْفَ يَشاءُ، كَما قالَ: ﴿واللَّهُ عَزِيزٌ﴾ أيْ: فَلا يُبالِي - مَعَ عِزَّتِهِ المُوجِبَةِ لِامْتِثالِ أمْرِهِ - عِزَّةً مِن دُونِهِ: حَكِيمٌ في شَرائِعِهِ، فَيَخْتَلُّ أمْرُ نِظامِ العالَمِ بِمُخالَفَةِ أمْرِهِ، إذْ فِيهِ نَفْعٌ عامٌّ لِلْخَلائِقِ.
(p-١٩٧٧)وفِي الآيَةِ مَسائِلُ:
الأُولى - قالَ أبُو السُّعُودِ: لَمّا كانَتِ السَّرِقَةُ مَعْهُودَةً مِنَ النِّساءِ كالرِّجالِ، صَرَّحَ بِالسّارِقَةِ أيْضًا، مَعَ أنَّ المَعْهُودَ في الكِتابِ والسُّنَّةِ إدْراجُ النِّساءِ في الأحْكامِ الوارِدَةِ في شَأْنِ الرِّجالِ بِطَرِيقَةِ الدَّلالَةِ. لِمَزِيدِ الِاعْتِناءِ بِالبَيانِ والمُبالَغَةِ في الزَّجْرِ. انْتَهى.
ولَمّا كانَتْ غَلَبَةُ السَّرِقَةِ في الرِّجالِ، لِقُوَّتِهِمْ بَدَأ بِالسّارِقِ. كَما أنَّ غَلَبَةَ الزِّنى لَمّا كانَتْ في النِّساءِ لِفَرْطِ شَهْوَتِهِنَّ - قالَ في آيَةِ الزِّنى: ﴿الزّانِيَةُ والزّانِي﴾ [النور: ٢]
الثّانِيَةُ: - قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: رَوى الثَّوْرِيُّ بِسَنَدِهِ إلى ابْنِ مَسْعُودٍ، أنَّهُ كانَ يَقْرَؤُها: والسّارِقُ والسّارِقَةُ فاقْطَعُوا أيْمانَهُما. وهَذِهِ قِراءَةٌ شاذَّةٌ. وكانَ الحُكْمُ عِنْدَ جَمِيعِ العُلَماءِ مُوافِقًا لَها لا بِها، بَلْ هو مُسْتَفادٌ مِن دَلِيلٍ آخَرَ؛ وقَدْ كانَ القَطْعُ مَعْمُولًا بِهِ في الجاهِلِيَّةِ فَقُرِّرَ في الإسْلامِ، وزِيدَتْ شُرُوطٌ أُخَرُ كَما سَنَذْكُرُهُ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى. كَما كانَتِ القَسامَةُ والدِّيَةُ والقِراضُ وغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الأشْياءِ الَّتِي ورَدَ الشَّرْعُ بِتَقْرِيرِها عَلى ما كانَتْ عَلَيْهِ، وزِياداتٌ هي مِن تَمامِ المَصالِحِ، ويُقالُ: إنَّ أوَّلَ مَن قَطَعَ الأيْدِيَ في الجاهِلِيَّةِ قُرَيْشٌ، قَطَعُوا رَجُلًا يُقالُ لَهُ (دُوَيْكٌ) مَوْلًى لِبَنِي مَلِيحِ بْنِ عَمْرٍو مِن خُزاعَةَ، كانَ قَدْ سَرَقَ كَنْزَ الكَعْبَةِ، ويُقالُ: سَرَقَهُ قَوْمٌ فَوَضَعُوهُ عِنْدَهُ.
الثّالِثَةُ: ذَهَبَ بَعْضُ الفُقَهاءِ مِن أهْلِ الظّاهِرِ إلى أنَّهُ مَتى سَرَقَ السّارِقُ شَيْئًا قُطِعَتْ يَدُهُ بِهِ، سَواءٌ كانَ قَلِيلًا أوْ كَثِيرًا، لِعُمُومِ هَذِهِ الآيَةِ: ﴿والسّارِقُ والسّارِقَةُ فاقْطَعُوا أيْدِيَهُما﴾ فَلَمْ يَعْتَبِرُوا نِصابًا ولا حِرْزًا. بَلْ أخَذُوا بِمُجَرَّدِ السَّرِقَةِ.
وقَدْ رَوى ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ نَجْدَةَ الحَنَفِيِّ قالَ: سَألْتُ ابْنَ عَبّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿والسّارِقُ والسّارِقَةُ فاقْطَعُوا أيْدِيَهُما﴾ أخاصٌّ أمْ عامٌّ؟ فَقالَ: بَلْ عامٌّ. وهَذا يَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ مُوافَقَةً لِابْنِ عَبّاسٍ لِما ذَهَبَ إلَيْهِ هَؤُلاءِ، ويَحْتَمِلُ ذَلِكَ، فاللَّهُ أعْلَمُ.
(p-١٩٧٨)وتَمَسَّكُوا بِما ثَبَتَ في "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: ««لَعَنَ اللَّهُ السّارِقَ يَسْرِقُ البَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ ويَسْرِقُ الحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ»» .
وأمّا الجُمْهُورُ فاعْتَبَرُوا النِّصابَ، وإنْ كانَ قَدْ وقَعَ بَيْنَهُمُ الخِلافُ في قَدْرِهِ.
فَعِنْدَ الإمامِ مالِكٍ: النِّصابُ ثَلاثَةُ دَراهِمَ مَضْرُوبَةٍ خالِصَةٍ. فَمَتى سَرَقَها أوْ ما يَبْلُغُ ثَمَنَها فَما فَوْقَهُ، وجَبَ القَطْعُ. واحْتَجَّ في ذَلِكَ بِما رَواهُ عَنْ نافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَطَعَ في مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلاثَةُ دَراهِمَ». أخْرَجاهُ في "الصَّحِيحَيْنِ" قالَ مالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: وقَطَعَ عُثْمانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في أُتْرُجَّةٍ قُوِّمَتْ بِثَلاثَةِ دَراهِمَ. وهو أحَبُّ ما سَمِعْتُ في ذَلِكَ.
قالَ أصْحابُ مالِكٍ: ومِثْلُ هَذا الصَّنِيعِ يُشْتَهَرُ ولَمْ يُنْكَرْ. فَمِن مِثْلِهِ يُحْكى الإجْماعُ السُّكُوتِيُّ. وفِيهِ دَلالَةٌ عَلى القَطْعِ في الثِّمارِ، خِلافًا لِلْحَنَفِيَّةِ، وعَلى اعْتِبارِ ثَلاثَةِ دَراهِمَ خِلافًا لَهم في أنَّهُ لا بُدَّ مِن عَشَرَةِ دَراهِمَ، ولِلشّافِعِيَّةِ في اعْتِبارِ رُبْعِ دِينارٍ، واللَّهُ أعْلَمُ.
وذَهَبَ الشّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إلى أنَّ الِاعْتِبارَ في قَطْعِ يَدِ السّارِقِ بِرُبْعِ دِينارٍ، أوْ ما يُساوِيهِ مِنَ الأثْمانِ أوِ العُرُوضِ فَصاعِدًا، والحُجَّةُ في ذَلِكَ ما أخْرَجَهُ الشَّيْخانِ مِن طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عائِشَةَ (p-١٩٧٩)رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: ««تُقْطَعُ يَدُ السّارِقِ في رُبْعِ دِينارٍ فَصاعِدًا»» . ولِمُسْلِمٍ عَنْها أيْضًا: أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: ««لا تُقْطَعُ يَدُ السّارِقِ إلّا في رُبْعِ دِينارٍ فَصاعِدًا»» . قالَ الشّافِعِيَّةُ: هَذا الحَدِيثُ فاصِلٌ في المَسْألَةِ، ونَصٌّ في اعْتِبارِ رُبْعِ الدِّينارِ لا ما سِواهُ. قالُوا: وحَدِيثُ ثَمَنِ المِجَنِّ، وإنْ كانَ ثَلاثَةَ دَراهِمَ، لا يُنافِي هَذا؛ لِأنَّهُ إذْ ذاكَ كانَ الدِّينارُ بِاثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا. فَهي ثَمَنُ رُبْعِ دِينارٍ فَأمْكَنَ الجَمْعُ بِهَذا الطَّرِيقِ. ويُرْوى هَذا المَذْهَبُ عَنْ عُمَرَ وعُثْمانَ وعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم. وبِهِ يَقُولُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ واللَّيْثُ والأوْزاعِيُّ وإسْحاقُ (فِي رِوايَةٍ عَنْهُ) وأبُو ثَوْرٍ وداوُدٌ الظّاهِرِيُّ، رَحِمَهُمُ اللَّهُ.
وذَهَبَ الإمامُ أحْمَدُ وإسْحاقُ (فِي رِوايَةٍ) إلى أنَّ كُلَّ واحِدٍ مِن رُبْعِ الدِّينارِ والثَّلاثَةِ دَراهِمَ مَرَدٌّ شَرْعِيٌّ. فَمَن سَرَقَ واحِدًا مِنهُما أوْ ما يُساوِيهِ قُطِعَ، عَمَلًا بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وبِحَدِيثِ عائِشَةَ. ووَقَعَ في لَفْظٍ عِنْدَ الإمامَ أحْمَدَ عَنْ عائِشَةَ: أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «اقْطَعُوا في رُبْعِ دِينارٍ ولا تَقْطَعُوا فِيما هو أدْنى مِن ذَلِكَ». وكانَ رُبْعُ الدِّينارِ يَوْمَئِذٍ ثَلاثَةَ دَراهِمَ، والدِّينارُ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا. وفي لَفْظٍ لِلنَّسائِيِّ: «لا تُقْطَعُ يَدُ السّارِقِ فِيما دُونَ ثَمَنِ المِجَنِّ». قِيلَ لِعائِشَةَ: ما ثَمَنُ المِجَنِّ؟ قالَتْ: رُبْعُ دِينارٍ. فَهَذِهِ كُلُّها نُصُوصٌ دالَّةٌ عَلى عَدَمِ اشْتِراطِ عِشَرَةِ دَراهِمَ، واللَّهُ أعْلَمُ.
وأمّا الإمامُ أبُو حَنِيفَةَ وأصْحابُهُ، وكَذا سُفْيانُ الثَّوْرِيُّ، فَإنَّهم ذَهَبُوا إلى أنَّ النِّصابَ عَشَرَةُ دَراهِمَ مَضْرُوبَةً غَيْرَ مَغْشُوشَةٍ. واحْتَجُّوا بِأنَّ ثَمَنَ المِجَنِّ الَّذِي قُطِعَ فِيهِ السّارِقُ عَلى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كانَ ثَمَنُهُ عَشَرَةَ دَراهِمَ، وقَدْ رَوى أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنا ابْنُ نُمَيْرٍ وعَبْدُ الأعْلى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قالَ: (p-١٩٨٠)قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ««لا تُقْطَعُ يَدُ السّارِقِ في دُونِ ثَمَنِ المِجَنِّ»» .
وكانَ ثَمَنُ المِجَنِّ عَشَرَةَ دَراهِمَ. قالُوا: فَهَذا ابْنُ عَبّاسٍ وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَدْ خالَفا ابْنَ عُمَرَ في ثَمَنِ المِجَنِّ. فالِاحْتِياطُ الأخْذُ بِالأكْثَرِ، لِأنَّ الحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهاتِ.
وذَهَبَ بَعْضُ السَّلَفِ إلى أنَّهُ تُقْطَعُ يَدُ السّارِقِ في عَشَرَةِ دَراهِمَ أوْ دِينارٍ أوْ ما بَلَغَ قِيمَةَ واحِدٍ مِنهُما. يُحْكى هَذا عَنْ عَلِيٍّ وابْنِ مَسْعُودٍ وإبْراهِيمَ النَّخَعِيِّ وأبِي جَعْفَرٍ الباقِرِ، رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعالى.
وقالَ بَعْضُ السَّلَفِ: لا تُقْطَعُ الخَمْسُ إلّا في خَمْسٍ. أيْ: في خَمْسَةِ دَنانِيرَ أوْ خَمْسِينَ دِرْهَمًا. ويُنْقَلُ هَذا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وقَدْ أجابَ الجُمْهُورُ - عَمّا تَمَسَّكَ بِها الظّاهِرِيَّةُ مِن حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ: «يَسْرِقُ البَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ ويَسْرِقُ الحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ» - بِأجْوِبَةٍ:
أحَدُها - أنَّهُ مَنسُوخٌ بِحَدِيثِ عائِشَةَ. وفي هَذا نَظَرٌ؛ لِأنَّهُ لا بُدَّ مِن بَيانِ التّارِيخِ.
والثّانِي - أنَّهُ مُؤَوَّلٌ بِبَيْضَةِ الحَدِيدِ وحَبْلِ السُّفُنِ. قالَهُ الأعْمَشُ فِيما حَكاهُ البُخارِيُّ وغَيْرُهُ عَنْهُ.
والثّالِثُ: - أنَّ هَذِهِ وسِيلَةٌ إلى التَّدَرُّجِ في السَّرِقَةِ مِنَ القَلِيلِ إلى الكَثِيرِ الَّذِي تُقْطَعُ فِيهِ يَدُهُ. ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ هَذا خَرَجَ مَخْرَجَ الإخْبارِ عَمّا كانَ الأمْرُ عَلَيْهِ في الجاهِلِيَّةِ حَيْثُ كانُوا يَقْطَعُونَ في الكَثِيرِ والقَلِيلِ. فَلُعِنَ السّارِقُ يَبْذُلُ يَدَهُ الثَّمِينَةَ في الأشْياءِ المَهِينَةِ.
وقَدْ ذَكَرُوا أنَّ أبا العَلاءِ المَعَرِّيَّ، لَمّا قَدِمَ بَغْدادَ، اشْتُهِرَ عَنْهُ أنَّهُ أوْرَدَ إشْكالًا عَلى الفُقَهاءِ في جَعْلِهِمْ نِصابَ السَّرِقَةِ رُبْعَ دِينارٍ في ذَلِكَ شِعْرًا فَقالَ:
؎يَدٌ بِخَمْسٍ مِئِينَ عَسْجَدٍ وُدِيَتْ ما بالُها قُطِعَتْ في رُبْعِ دِينارِ؟
(p-١٩٨١)وقَدْ أجابَهُ النّاسُ في ذَلِكَ؛ فَكانَ جَوابُ القاضِي عَبْدِ الوَهّابِ المالِكِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أنَّهُ قالَ: لَمّا كانَتْ أمْنِيَّةً، كانَتْ ثَمِينَةً. ولَمّا خانَتْ هانَتْ، ومِنهم مَن قالَ: هَذا مِن تَمامِ الحِكْمَةِ والمَصْلَحَةِ وأسْرارِ الشَّرِيعَةِ العَظِيمَةِ. فَإنَّ في بابِ الجِناياتِ، ناسَبَ أنْ تُعَظَّمَ قِيمَةُ اليَدِ بِخَمْسِمِائَةِ دِينارٍ، لِئَلّا يُجْنى عَلَيْها. وفي بابِ السَّرِقَةِ ناسَبَ أنْ يَكُونَ القَدْرُ الَّذِي تُقْطَعُ رُبْعَ دِينارٍ لِئَلّا يُسارِعَ النّاسُ في سَرِقَةِ الأمْوالِ، فَهَذا هو عَيْنُ الحِكْمَةِ عِنْدَ ذَوِي الألْبابِ، ولِهَذا قالَ: جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِنَ اللَّهِ واللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ أيْ: مُجازاةً عَلى صَنِيعِهِما السَّيِّئِ في أخْذِهِما أمْوالَ النّاسِ بِأيْدِيهِمْ، فَناسَبَ أنْ يُقْطَعَ ما اسْتَعانا بِهِ في ذَلِكَ. كَذا في تَفْسِيرِ ابْنِ كَثِيرٍ.
قالَ شَيْخُ الإسْلامِ ابْنُ تَيْمِيَةَ قُدِّسَ سِرُّهُ في كِتابِهِ "السِّياسَةِ الشَّرْعِيَّةِ": وأمّا السّارِقُ فَيَجِبُ قَطْعُ يَدِهِ اليُمْنى بِالكِتابِ والسُّنَّةِ والإجْماعِ. قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿والسّارِقُ والسّارِقَةُ﴾ الآيَةَ.. ولا يَجُوزُ بَعْدَ ثُبُوتِ الحَدِّ عَلَيْهِ بِالبَيِّنَةِ أوِ الإقْرارِ، تَأْخِيرُهُ. لا بِحَبْسٍ ولا مالٍ يَفْتَدِي بِهِ ولا غَيْرِهِ. بَلْ تُقْطَعُ يَدُهُ في الأوْقاتِ المُعَظَّمَةِ وغَيْرِها. فَإنَّ إقامَةَ الحُدُودِ مِنَ العِباداتِ كالجِهادِ في سَبِيلِ اللَّهِ. ويَنْبَغِي أنْ يُعْرَفَ أنَّ إقامَةَ الحَدِّ رَحْمَةٌ مِنَ اللَّهِ بِعِبادِهِ. فَيَكُونُ الوالِي شَدِيدًا في إقامَةِ الحَدِّ، لا تَأْخُذُهُ رَأْفَةٌ في دِينِ اللَّهِ فَيُعَطِّلُهُ، ويَكُونُ قَصْدُهُ رَحْمَةَ الخَلْقِ بِكَفِّ النّاسِ عَنِ المُنْكَراتِ، لا إشْفاءَ غَيْظِهِ وإرادَةَ العُلُوِّ عَلى الخَلْقِ. بَلْ بِمَنزِلَةِ الوالِدِ إذا أدَّبَ ولَدَهُ. فَإنَّهُ لَوْ كَفَّ عَنْ تَأْدِيبِ ولَدِهِ، كَما تَسْتُرُ بِهِ الأُمُّ رِقَّةً ورَأْفَةً، لَفَسَدَ الوَلَدُ. وإنَّما يُؤَدِّبُهُ رَحْمَةً وإصْلاحًا بِحالِهِ. مَعَ أنَّهُ يَوَدُّ ويُؤْثِرُ أنْ لا يُحْوِجَهُ إلى تَأْدِيبٍ. وبِمَنزِلَةِ الطَّبِيبِ الَّذِي يَسْقِي المَرِيضَ الدَّواءَ الكَرِيهَ. وبِمَنزِلَةِ قَطْعِ العُضْوِ المُتَآكِلِ والحَجْمِ وقَطْعِ العُرُوقِ بِالفِصادِ ونَحْوِ ذَلِكَ. بَلْ بِمَنزِلَةِ شُرْبِ الإنْسانِ الدَّواءَ الكَرِيهَ، وما يُدْخِلُهُ عَلى نَفْسِهِ مِنَ المَشَقَّةِ لِيَنالَ بِهِ الرّاحَةَ. فَكَذَلِكَ شُرِعَتِ الحُدُودُ. وهَكَذا يَنْبَغِي أنْ تَكُونَ نِيَّةُ الوالِي في إقامَتِها، فَإنَّ مَن كانَ قَصْدُهُ صَلاحَ الرَّعِيَّةِ والنَّهْيَ عَنِ المُنْكَراتِ، بِجَلْبِ المَنفَعَةِ لَهم ورَفْعِ المَضَرَّةِ عَنْهم وابْتِغائِهِ بِذَلِكَ وجْهَ (p-١٩٨٢)اللَّهِ تَعالى وطاعَةَ أمْرِهِ - ألانَ اللَّهُ لَهُ القُلُوبَ وتَيَسَّرَتْ لَهُ أسْبابُ الخَيْرِ. وكَفاهُ العُقُوبَةُ اليَسِيرَةُ. وقَدْ يَرْضى المَحْدُودُ إذا قامَ عَلَيْهِ الحَدُّ. وأمّا إذْ كانَ غَرَضُهُ العُلُوَّ عَلَيْهِمْ وإقامَةَ بَأْسِهِ لِيُعْطُوهُ أوْ لِيَبْذُلُوا لَهُ ما يُرِيدُ مِنَ الأمْوالِ - انْعَكَسَ عَلَيْهِ مَقْصُودُهُ.
ويُرْوى أنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ العَزِيزِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، قَبْلَ أنْ يَلِيَ الخِلافَةَ كانَ نائِبًا لِلْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ عَلى مَدِينَةِ النَّبِيِّ ﷺ، وكانَ قَدْ ساسَهم سِياسَةً صالِحَةً، فَقَدِمَ الحَجّاجُ مِنَ العِراقِ وقَدْ سامَهم سُوءَ العَذابِ، فَسَألَ أهْلَ المَدِينَةِ عَنْ عُمَرَ: كَيْفَ هَيْبَتُهُ فِيكُمْ؟ قالُوا: ما نَسْتَطِيعُ أنْ نَنْظُرَ إلَيْهِ هَيْبَةً لَهُ! قالَ: كَيْفَ مَحَبَّتُكم لَهُ؟ قالُوا: هو أحَبُّ إلَيْنا مِن أهْلِنا! قالَ كَيْفَ أدَبُهُ؟ قالُوا: ما بَيْنَ الثَّلاثَةِ الأسْواطِ إلى العَشَرَةِ... قالَ: هَذِهِ هَيْبَتُهُ وهَذِهِ مَحَبَّتُهُ وهَذا أدَبُهُ! هَذا أمْرٌ مِنَ السَّماءِ.
وإذا قُطِعَتْ يَدُهُ حُسِمَتْ، ويُسْتَحَبُّ أنْ تُعَلَّقَ في عُنُقِهِ. فَإنْ سَرَقَ ثانِيًا قُطِعَتْ رِجْلُهُ اليُسْرى. فَإنْ سَرَقَ ثالِثًا أوْ رابِعًا، فَفِيهِ قَوْلانِ لِلصَّحابَةِ ومَن بَعْدَهم مِنَ العُلَماءِ:
أحَدُهُما: تُقْطَعُ أرْبَعَتُهُ في الثَّلاثَةِ والرّابِعَةِ، وهو قَوْلُ أبِي بَكْرٍ، وهو مَذْهَبُ الشّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، والكُوفِيِّينَ وأحْمَدَ في إحْدى الرِّوايَتَيْنِ.
والثّانِي: أنَّهُ يُحْبَسُ. وهو قَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ والكُوفِيِّينَ وأحْمَدَ في رِوايَتِهِ الأُخْرى. وتَتِمَّةُ مَباحِثِ السَّرِقَةِ مُقَرَّرَةٌ في كُتُبِ السُّنَّةِ.
الرّابِعَةُ: قَرَأ الجُمْهُورُ بِرَفْعِ (السّارِقُ والسّارِقَةُ) عَلى الِابْتِداءِ، والخَبَرُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: وفِيما يُتْلى عَلَيْكم - أوْ فُرِضَ عَلَيْكم - السّارِقُ والسّارِقَةُ، أيْ: حُكْمُهُما، أوِ الخَبَرُ قَوْلُهُ تَعالى: فاقْطَعُوا أيْدِيَهُما والفاءُ لِتَضَمُّنِ المُبْتَدَأِ مَعْنى الشَّرْطِ. إذِ المَعْنى: الَّذِي سَرَقَ والَّتِي سَرَقَتْ. وقَرَأ عِيسى بْنُ عُمَرَ بِالنَّصْبِ، وفَضَّلَها سِيبَوَيْهِ عَلى قِراءَةِ الرَّفْعِ؛ لِأنَّ الإنْشاءَ لا يَقَعُ خَبَرًا إلّا بِتَأْوِيلٍ وإضْمارٍ، كَذا اشْتُهِرَ عَنْ سِيبَوَيْهِ.
قالَ النّاصِرُ في "الِانْتِصافِ": المُسْتَقْرَأُ مِن وُجُوهِ القِراءاتِ أنَّ العامَّةَ لا تَتَّفِقُ فِيها أبَدًا (p-١٩٨٣)عَلى العُدُولِ عَنِ الأفْصَحِ.
وجَدِيرٌ بِالقُرْآنِ أنْ يَجْرِيَ عَلى أفْصَحِ الوَجْهِ، وأنْ لا يَخْلُوَ مِنَ الأفْصَحِ، وما يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ كَلامُ العَرَبِ الَّذِي لَمْ يَصِلْ أحَدٌ إلى ذُرْوَةِ فَصاحَتِهِ ولَمْ يَتَعَلَّقْ بِأهْدابِها. وسِيبَوَيْهِ يُحاشِي مِنَ اعْتِقادِ عَراءِ القُرْآنِ عَنِ الأفْصَحِ واشْتِمالِهِ عَلى الشّاذِّ الَّذِي لا يُعَدُّ مِنَ القُرْآنِ. ونَحْنُ نُورِدُ الفَصْلَ مِن كَلامِ سِيبَوَيْهِ عَلى هَذِهِ الآيَةِ لِيَتَّضِحَ لِسامِعِهِ بَراءَةُ سِيبَوَيْهِ مِن عُهْدَةِ هَذا النَّقْلِ. قالَ سِيبَوَيْهِ في تَرْجَمَةِ "بابِ الأمْرِ والنَّهْيِ" بَعْدَ أنْ ذَكَرَ المَواضِعَ الَّتِي يُخْتارُ فِيها النَّصْبُ: ومُلَخَّصُها أنَّهُ مَتى بُنِيَ الِاسْمُ عَلى فِعْلِ الأمْرِ، فَذَلِكَ مَوْضِعُ اخْتِيارِ النَّصْبِ. ثُمَّ قالَ كالمُوَضِّحِ لِامْتِيازِ هَذِهِ الآيَةِ عَمّا اخْتارَ فِيها النَّصْبَ: وأمّا قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿والسّارِقُ والسّارِقَةُ﴾ الآيَةَ. وقَوْلُهُ: ﴿الزّانِيَةُ والزّانِي فاجْلِدُوا﴾ [النور: ٢] فَإنَّ هَذا لَمْ يُبْنَ عَلى الفِعْلِ ولَكِنَّهُ جاءَ عَلى مِثالِ قَوْلِهِ: ﴿مَثَلُ الجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ المُتَّقُونَ﴾ [الرعد: ٣٥] ثُمَّ قالَ بَعْدُ: فِيها كَذا وكَذا. يُرِيدُ سِيبَوَيْهِ تَمْيِيزَ هَذِهِ الآيِ عَنِ المَواضِعِ الَّتِي بَيَّنَ اخْتِيارَ النَّصْبِ فِيها. ووَجَّهَ التَّمْيِيزَ بِأنَّ الكَلامَ حَيْثُ يُخْتارُ النَّصْبُ يَكُونُ الِاسْمُ فِيهِ مَبْنِيًّا عَلى الفِعْلِ. وأمّا في هَذِهِ الآيِ فَلَيْسَ بِمَبْنِيٍّ عَلَيْهِ. فَلا يَلْزَمُ فِيهِ اخْتِيارُ النَّصْبِ.
عادَ كَلامُهُ قالَ: وإنَّما وُضِعَ المَثَلُ لِلْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ بَعْدَهُ. فَذَكَرَ أخْبارًا وقِصَصًا. فَكَأنَّهُ قالَ: ومِنَ القِصَصِ: مَثَلُ الجَنَّةِ. فَهو مَحْمُولٌ عَلى هَذا الإضْمارِ. واللَّهُ أعْلَمُ. وكَذَلِكَ: (p-١٩٨٤)الزّانِيَةُ والزّانِي لَمّا قالَ جَلَّ ثَناؤُهُ: ﴿سُورَةٌ أنْـزَلْناها وفَرَضْناها﴾ [النور: ١] قالَ في جُمْلَةِ الفَرائِضِ: الزّانِيَةُ والزّانِي - ثُمَّ جاءَ -: فاجْلِدُوا. بَعْدَ أنْ مَضى فِيهِما الرَّفْعُ، يُرِيدُ سِيبَوَيْهِ: لَمْ يَكُنِ الِاسْمُ مَبْنِيًّا عَلى الفِعْلِ المَذْكُورِ بَعْدُ، بَلْ بُنِيَ عَلى مَحْذُوفٍ مُتَقَدِّمٍ وجاءَ الفِعْلُ طارِئًا.
عادَ كَلامُهُ قالَ: كَما جاءَ: وقائِلَةٍ خَوْلانَ فانْكِحْ فَتاتَهم. فَجاءَ بِالفِعْلِ بَعْدَ أنْ عَمِلَ فِيهِ المُضْمَرُ؛ وكَذَلِكَ: والسّارِقُ والسّارِقَةُ وفِيما فُرِضَ عَلَيْكُمُ السّارِقَةُ والسّارِقُ. فَإنَّما دَخَلَتْ هَذِهِ الأسْماءُ بَعْدَ قِصَصٍ وأحادِيثَ. وقَدْ قَرَأ ناسٌ: والسّارِقَ والسّارِقَةَ. بِالنَّصْبِ، وهو في العَرَبِيَّةِ ما ذَكَرْتُ لَكَ مِنَ القُوَّةِ، ولَكِنْ أبَتِ العامَّةُ إلّا الرَّفْعَ.
يُرِيدُ سِيبَوَيْهِ أنَّ قِراءَةَ النَّصْبِ جاءَ الِاسْمُ فِيها مَبْنِيًّا عَلى الفِعْلِ غَيْرَ مُعْتَمِدٍ عَلى مُتَقَدِّمٍ، فَكانَ النَّصْبُ قَوِيًّا بِالنِّسْبَةِ إلى الرَّفْعِ، حَيْثُ يُبْنى الِاسْمُ عَلى الفِعْلِ لا عَلى مُتَقَدِّمٍ. ولَيْسَ يَعْنِي أنَّهُ قَوِيٌّ بِالنِّسْبَةِ إلى الرَّفْعِ، حَيْثُ يَعْتَمِدُ الِاسْمُ عَلى المَحْذُوفِ المُتَقَدِّمِ، فَإنَّهُ قَدْ بُيِّنَ أنَّ ذَلِكَ يُخْرِجُهُ مِنَ البابِ الَّذِي يُخْتارُ فِيهِ النَّصْبُ، فَكَيْفَ يُفْهَمُ عَنْهُ تَرْجِيحُهُ عَلَيْهِ، والبابُ مَعَ القِراءَتَيْنِ مُخْتَلِفٌ؟ وإنَّما يَقَعُ التَّرْجِيحُ بَعْدَ التَّساوِي في البابِ. فالنَّصْبُ أرْجَحُ مِنَ الرَّفْعِ حَيْثُ يَنْبَنِي الِاسْمُ عَلى الفِعْلِ. والرَّفْعُ مُتَعَيِّنٌ (لا أقُولُ: أرْجَحُ) حَيْثُ بُنِيَ الِاسْمُ عَلى كَلامٍ مُتَقَدِّمٍ.
ثُمَّ حَقَّقَ سِيبَوَيْهِ هَذا المُقَدَّرَ بِأنَّ الكَلامَ واقِعٌ بَعْدِ قِصَصٍ وأخْبارٍ. ولَوْ كانَ كَما ظَنَّهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، لَمْ يَحْتَجْ سِيبَوَيْهِ إلى تَقْدِيرٍ بَلْ كانَ يَرْفَعُهُ عَلى الِابْتِداءِ، ويُجْعَلُ الأمْرُ خَبَرَهُ، فالمُلَخَّصُ عَلى هَذا: أنَّ النَّصْبَ عَلى وجْهٍ واحِدٍ، وهو بِناءُ الِاسْمِ عَلى فِعْلِ الأمْرِ. والرَّفْعُ عَلى وجْهَيْنِ: أحَدُهُما ضَعِيفٌ؛ وهو الِابْتِداءُ وبِناءُ الكَلامِ عَلى الفِعْلِ. والآخَرُ قَوِيٌّ بالِغٌ كَوَجْهِ النَّصْبِ - وهو رَفْعُهُ عَلى خَبَرِ ابْتِداءٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ السِّياقُ. وحَيْثُما تَعارَضَ لَنا وجْهانِ (p-١٩٨٥)فِي الرَّفْعِ، أحَدُهُما قَوِيٌّ والآخَرُ ضَعِيفٌ، تَعَيَّنَ حَمْلُ القِراءَةِ عَلى القَوِيِّ كَما أعْرَبَهُ سِيبَوَيْهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. واللَّهُ أعْلَمُ. انْتَهى.
وقَوْلُهُ تَعالى:
{"ayah":"وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقۡطَعُوۤا۟ أَیۡدِیَهُمَا جَزَاۤءَۢ بِمَا كَسَبَا نَكَـٰلࣰا مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَزِیزٌ حَكِیمࣱ"}