الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[١٧] ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إنَّ اللَّهَ هو المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إنْ أرادَ أنْ يُهْلِكَ المَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وأُمَّهُ ومَن في الأرْضِ جَمِيعًا ولِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ والأرْضِ وما بَيْنَهُما يَخْلُقُ ما يَشاءُ واللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾
﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إنَّ اللَّهَ هو المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ﴾ في هَذِهِ الآيَةِ وجْهانِ:
(p-١٩٢٢)الأوَّلُ: إنَّ ما أفادَتْهُ مِنَ الحَصْرِ - وإنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ - إلّا أنَّهُ نُسِبَ إلَيْهِمْ لِأنَّهُ لازِمُ مَذْهَبِهِمْ لِأنَّ مُعْتَقَدَهم مُؤَدٍّ إلَيْهِ.
قالَ الرّازِيُّ: لِأنَّهم يَقُولُونَ: إنَّ أُقْنُومَ الكَلِمَةِ اتَّحَدَ بِعِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ. فَأُقْنُومُ الكَلِمَةِ إمّا أنْ يَكُونَ ذاتًا أوْ صِفَةً. فَإنْ كانَ ذاتًا فَذاتُ اللَّهِ تَعالى قَدْ حَلَّتْ في عِيسى واتَّحَدَتْ بِعِيسى فَيَكُونُ عِيسى هو الإلَهَ عَلى هَذا القَوْلِ. وإنْ قُلْنا: إنَّ الأُقْنُومَ عِبارَةٌ عَنِ الصِّفَةِ، فانْتِقالُ الصِّفَةِ مِن ذاتٍ إلى ذاتٍ أُخْرى غَيْرُ مَعْقُولٍ. ثُمَّ بِتَقْدِيرِ انْتِقالِ أُقْنُومِ العِلْمِ عَنْ ذاتِ اللَّهِ تَعالى إلى عِيسى، يَلْزَمُ خُلُوُّ ذاتِ اللَّهِ عَنِ العِلْمِ. ومَن لَمْ يَكُنْ عالِمًا لَمْ يَكُنْ إلَهًا. فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الإلَهُ هو عِيسى. عَلى قَوْلِهِمْ. فَثَبَتَ أنَّ النَّصارى - وإنْ كانُوا لا يُصَرِّحُونَ بِهَذا القَوْلِ - إلّا أنَّ حاصِلَ مَذْهَبِهِمْ لَيْسَ إلّا ذَلِكَ. انْتَهى.
وبُطْلانُ الِاتِّحادِ مَعْلُومٌ بِالبَداهَةِ.
قالَ العَلّامَةُ العَضُدُ في (المَوْقِفِ الثّانِي): المَقْصِدُ الثّامِنُ: الِاثْنانِ لا يَتَّحِدانِ. وهَذا حُكْمٌ ضَرُورِيٌّ. فَإنَّ الِاخْتِلافَ بَيْنَ الماهِيَّتَيْنِ والهُوِيَّتَيْنِ اخْتِلافٌ بِالذّاتِ فَلا يُعْقَلُ زَوالُهُ. وهَذا رُبَّما يُزادُ تَوْضِيحُهُ فَيُقالُ: إنْ عُدِمَ الهُوِيَّتانِ فَلا اتِّحادَ، بَلْ وحَدَثَ أمْرٌ ثالِثٌ غَيْرَهُما - وإنْ عُدِمَ أحَدُهُما - فَلا يَتَّحِدُ المَعْدُومُ بِالمَوْجُودِ، وإنْ وُجِدا فَهُما اثْنانِ كَما كانا، فَلا اتِّحادَ أيْضًا. انْتَهى.
الوَجْهُ الثّانِي: إنَّهُ عُنِيَ بِهَذِهِ الآيَةِ قَوْمٌ يَقُولُونَ بِأنَّ حَقِيقَةَ اللَّهِ هو المَسِيحُ لا غَيْرَ.
قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: قِيلَ: كانَ في النَّصارى قَوْمٌ يَقُولُونَ ذَلِكَ. انْتَهى.
قالَ الإمامُ الشَّهْرِسْتانِيُّ في "المِلَلِ والنِّحَلِ" عِنْدَ ذِكْرِ فِرَقِ النَّصارى:
ومِنهُمُ اليَعْقُوبِيَّةُ أصْحابُ يَعْقُوبَ. قالُوا بِالأقانِيمِ الثَّلاثَةِ - كَما ذَكَرْنا - إلّا أنَّهم قالُوا: انْقَلَبَتِ الكَلِمَةُ لَحْمًا ودَمًا فَصارَ الإلَهُ هو المَسِيحَ، وهو الظّاهِرُ بِجَسَدِهِ بَلْ هو هو. وعَنْهم أخْبَرَنا القُرْآنُ الكَرِيمُ: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إنَّ اللَّهَ هو المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ﴾ فَمِنهم (p-١٩٢٣)مَن قالَ: المَسِيحُ هو اللَّهُ. ومِنهم مَن قالَ: ظَهَرَ اللّاهُوتُ بِالنّاسُوتِ فَصارَ ناسُوتُ المَسِيحِ مَظْهَرَ الحَقِّ. لا عَلى طَرِيقِ حُلُولِ جُزْءٍ فِيهِ. ولا عَلى سَبِيلِ اتِّحادِ الكَلِمَةِ الَّتِي هي في حُكْمِ الصِّفَةِ بَلْ صارَ هو هو. وهَذا كَما يُقالُ: ظَهَرَ المَلَكُ بِصُورَةِ الإنْسانِ. أوْ ظَهَرَ الشَّيْطانُ بِصُورَةِ حَيَوانٍ.. إلَخْ.
وذَكَرَ الإمامُ اَلْماوَرْدِيُّ في "أعْلامِ النُّبُوَّةِ": إنَّ أوائِلَ النَّسْطُورِيَّةِ قالُوا: إنَّ عِيسى هو اللَّهُ. انْتَهى.
وذَكَرَ الإمامُ ابْنُ إسْحاقَ في "السِّيرَةِ": إنَّ نَصارى نَجْرانَ لَمّا وفَدُوا عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، كانُوا مِنَ النَّصْرانِيَّةِ عَلى دِينِ مَلِكِهِمْ، مَعَ اخْتِلافٍ مِن أمْرِهِمْ. يَقُولُونَ: هو اللَّهُ: ويَقُولُونَ: هو ولَدُ اللَّهِ. ويَقُولُونَ: هو ثالِثُ ثَلاثَةٍ - يَعْنِي هو تَعالى وعِيسى ومَرْيَمُ - وكَذَلِكَ قَوْلُ النَّصْرانِيَّةِ. ثُمَّ قالَ: فَفي كُلِّ ذَلِكَ مِن قَوْلِهِمْ قَدْ نَزَلَ القُرْآنُ.
﴿قُلْ﴾ - أيْ: تَبْكِيتًا لَهُمْ، وإظْهارًا لِفَسادِ قَوْلِهِمْ -: ﴿فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا﴾ أيْ: مَن يَسْتَطِيعُ إمْساكَ شَيْءٍ مِن قُدْرَتِهِ تَعالى: ﴿إنْ أرادَ أنْ يُهْلِكَ المَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ﴾ أيْ: يُمِيتَهُ: ﴿وأُمَّهُ ومَن في الأرْضِ جَمِيعًا﴾ أيْ: فَضْلًا عَنْ آحادِهِمْ. احْتُجَّ بِذَلِكَ عَلى فَسادِ قَوْلِهِمْ. وتَقْرِيرُهُ: أنَّ المَسِيحَ حادِثٌ بِلا شُبْهَةٍ؛ لِأنَّهُ تَوَلَّدَ مِن أُمٍّ. ولِذا ذُكِرَتِ الأُمُّ لِلتَّنْبِيهِ عَلى هَذا. ومَقْهُورٌ قابِلٌ لِلْفَناءِ أيْضًا كَسائِرِ المُمْكِناتِ. ومَن كانَ كَذَلِكَ كَيْفَ يَكُونُ إلَهًا؟
قالَ أبُو السُّعُودِ: وتَعْمِيمُ إرادَةِ الإهْلاكِ لِلْكُلِّ - مَعَ حُصُولِ المَطْلُوبِ يَقْصُرُها عَلى المَسِيحِ - لِتَهْوِيلِ الخَطْبِ وإظْهارِ كَمالِ العَجْزِ، بِبَيانِ أنَّ الكُلَّ تَحْتَ قَهْرِهِ تَعالى ومَلَكُوتِهِ. لا يَقْدِرُ أحَدٌ عَلى دَفْعِ ما أُرِيدَ بِهِ. فَضْلًا عَنْ دَفْعِ ما أُرِيدَ بِغَيْرِهِ. ولِلْإيذانِ بِأنَّ المَسِيحَ أُسْوَةٌ لِسائِرِ المَخْلُوقاتِ في كَوْنِهِ عُرْضَةً لِلْهَلاكِ. كَما أنَّهُ أُسْوَةٌ لَها فِيما ذُكِرَ مِنَ العَجْزِ وعَدَمِ اسْتِحْقاقِ الأُلُوهِيَّةِ.
(p-١٩٢٤)﴿ولِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ والأرْضِ وما بَيْنَهُما﴾ مِنَ الخَلْقِ والعَجائِبِ - وهَذا تَحْقِيقٌ لِاخْتِصاصِ الأُلُوهِيَّةِ بِهِ تَعالى. إثْرَ بَيانِ انْتِفائِها عَنْ غَيْرِهِ: ﴿يَخْلُقُ ما يَشاءُ﴾ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ مَسُوقَةٌ لِبَيانِ بَعْضِ أحْكامِ المُلْكِ والأُلُوهِيَّةِ عَلى وجْهٍ يُزِيحُ ما اعْتَراهم مِنَ الشُّبْهَةِ في أمْرِ المَسِيحِ - لِوِلادَتِهِ مِن غَيْرِ أبٍ، وإحْياءِ المَوْتى، وإبْراءِ الأكْمَهِ والأبْرَصِ - أيْ: يَخْلُقُ ما يَشاءُ مِن أنْواعِ الخَلْقِ كَما شاءَ بِأبٍ أوْ بِغَيْرِ أبٍ...!
قالَ السَّمَرْقَنْدِيُّ: وإنَّما قالَ: ﴿يَخْلُقُ ما يَشاءُ﴾ لِأنَّ النَّصارى أهْلَ نَجْرانَ كانُوا يَقُولُونَ: لَوْ كانَ عِيسى بَشَرًا كانَ لَهُ أبٌ. فَأخْبَرَهُمُ اللَّهُ تَعالى أنَّهُ قادِرٌ عَلى أنْ يَخْلُقَ خَلْقًا بِغَيْرِ أبٍ.
﴿واللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ﴾ مِن خَلْقِ الخَلْقِ، والثَّوابِ لِأوْلِيائِهِ، والعِقابِ لِأعْدائِهِ -: ﴿قَدِيرٌ﴾
{"ayah":"لَّقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِینَ قَالُوۤا۟ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡمَسِیحُ ٱبۡنُ مَرۡیَمَۚ قُلۡ فَمَن یَمۡلِكُ مِنَ ٱللَّهِ شَیۡـًٔا إِنۡ أَرَادَ أَن یُهۡلِكَ ٱلۡمَسِیحَ ٱبۡنَ مَرۡیَمَ وَأُمَّهُۥ وَمَن فِی ٱلۡأَرۡضِ جَمِیعࣰاۗ وَلِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَیۡنَهُمَاۚ یَخۡلُقُ مَا یَشَاۤءُۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق