الباحث القرآني
(p-١٩١٨)القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[١٤] ﴿ومِنَ الَّذِينَ قالُوا إنّا نَصارى أخَذْنا مِيثاقَهم فَنَسُوا حَظًّا مِمّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأغْرَيْنا بَيْنَهُمُ العَداوَةَ والبَغْضاءَ إلى يَوْمِ القِيامَةِ وسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ﴾
﴿ومِنَ الَّذِينَ قالُوا إنّا نَصارى أخَذْنا مِيثاقَهُمْ﴾ بِعِبادَةِ اللَّهِ وحْدَهُ، وأنْ لا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وحِفْظِ شِرْعَةِ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ. وإنَّما نَسَبَ تَسْمِيَتَهم نَصارى إلى أنْفُسِهِمْ - دُونَ أنْ يُقالَ (ومِنَ النَّصارى) - إيذانًا بِأنَّهم في قَوْلِهِمْ: نَحْنُ أنْصارُ اللَّهِ. بِمَعْزِلٍ مِنَ الصِّدْقِ. وإنَّما هو تَقَوُّلٌ مَحْضٌ مِنهم. ولَيْسُوا مِن نُصْرَةِ اللَّهِ تَعالى في شَيْءٍ. أوْ إظْهارًا لِكَمالِ سُوءِ صَنِيعِهِمْ بِبَيانِ التَّناقُضِ بَيْنَ أقْوالِهِمْ وأفْعالِهِمْ. فَإنَّ ادِّعاءَهم لِنُصْرَتِهِ تَعالى يَسْتَدْعِي ثَباتَهم عَلى طاعَتِهِ تَعالى ومُراعاةَ مِيثاقِهِ. أفادَهُ أبُو السُّعُودِ. قالَ النّاصِرُ في "الِانْتِصافِ": وبَقِيَتْ نُكْتَةٌ في تَخْصِيصِ هَذا المَوْضِعِ بِإسْنادِ النَّصْرانِيَّةِ إلى دَعْواهم. ولَمْ يَتَّفِقْ ذَلِكَ في غَيْرِهِ. ألا تَرى إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وقالَتِ اليَهُودُ والنَّصارى نَحْنُ أبْناءُ اللَّهِ وأحِبّاؤُهُ﴾ [المائدة: ١٨] فالوَجْهُ في ذَلِكَ - واللَّهُ أعْلَمُ - أنَّهُ لَمّا كانَ المَقْصُودُ في هَذِهِ الآيَةِ (p-١٩١٩)ذَمَّهم بِنَقْضِ المِيثاقِ المَأْخُوذِ عَلَيْهِمْ في نُصْرَةِ اللَّهِ تَعالى، ناسَبَ ذَلِكَ أنْ يَصْدُرَ الكَلامُ بِما يَدُلُّ عَلى أنَّهم لَمْ يَنْصُرُوا اللَّهَ ولَمْ يَفُوا بِما واثَقُوا عَلَيْهِ مِنَ النُّصْرَةِ. وما كانَ حاصِلُ أمْرِهِمْ إلّا التَّفَوُّهَ بِدَعْوى النُّصْرَةِ وقَوْلِها دُونَ فِعْلِها. واللَّهُ أعْلَمُ.
قالَ الشِّهابُ الخَفاجِيُّ: المَوْجُودُ في كُتُبِ اللُّغَةِ والتّارِيخِ أنَّ النَّصارى نُسِبَتْ إلى بَلْدَةِ (ناصِرَةَ) أيِ: الَّتِي حُبِلَ فِيهِ المَسِيحُ وتَرَبّى فِيها. ولِذَلِكَ كانَ يُدْعى عَلَيْهِ السَّلامُ (ناصِرِيًّا). ثُمَّ قالَ: فَلَوْ قِيلَ في الآيَةِ: إنَّهم عَلى دِينِ النَّصْرانِيَّةِ ولَيْسُوا عَلَيْها لِعَدَمِ عَمَلِهِمْ بِمُوجِبِها ومُخالَفَتِهِمْ لِما في الإنْجِيلِ مِنَ التَّبْشِيرِ بِنَبِيِّنا ﷺ - لَكانَ أقْرَبَ مِن وجْهِ التَّسْمِيَةِ الَّذِي ذَكَرُوهُ.
﴿فَنَسُوا حَظًّا مِمّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأغْرَيْنا﴾ أيْ: ألْقَيْنا ﴿بَيْنَهُمُ العَداوَةَ والبَغْضاءَ إلى يَوْمِ القِيامَةِ﴾ أيْ: يَتَعادَوْنَ ويَتَباغَضُونَ إلى قِيامِ السّاعَةِ حَسْبَما تَقْتَضِيهِ أهْواؤُهُمُ المُخْتَلِفَةُ، وآراؤُهُمُ الزّائِغَةُ المُؤَدِّيَةُ إلى التَّفَرُّقِ فِرَقًا مُتَبايِنَةً، يَلْعَنُ بَعْضُها بَعْضًا، ويُكَفِّرُ بَعْضُها بَعْضًا ﴿وسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ﴾ يُخْبِرُهُمُ اللَّهُ في الآخِرَةِ ﴿بِما كانُوا يَصْنَعُونَ﴾ مِنَ المُخالَفَةِ وكِتْمانِ الحَقِّ والعَداوَةِ والبَغْضاءِ. ونِسْيانِ الحَظِّ الوافِرِ مِمّا ذُكِّرُوا بِهِ. وهَذا وعِيدٌ شَدِيدٌ بِالجَزاءِ والعَذابِ.
لَطِيفَةٌ:
تَطَرَّقَ البِقاعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى - في "تَفْسِيرِهِ" هُنا إلى ذِكْرِ نُقَباءِ بَنِي إسْرائِيلَ بِأسْمائِهِمْ، وأنَّ عِدَّتَهم طابَقَتْ عِدَّةَ نُقَباءِ النَّصارى - وهُمُ الحَوارِيُّونَ - كَما طابَقَتْ عِدَّةَ نُقَباءِ الأنْصارِ (p-١٩٢٠)لَيْلَةَ العَقَبَةِ الأخِيرَةَ، حِينَ بايَعَ النَّبِيُّ ﷺ الأنْصارَ عَلى الحَرْبِ، وأنْ يَمْنَعُوهُ إذا وصَلَ إلَيْهِمْ، وقالَ لَهُمْ: أخْرِجُوا إلَيَّ مِنكُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا - كَما اخْتارَ مُوسى مِن قَوْمِهِ - فَأخْرَجُوا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا: تِسْعَةٌ مِنَ الخَزْرَجِ وثَلاثَةٌ مِنَ الأوْسِ. وذَكَرَ البِقاعِيُّ: أنَّ بَعْثَ النُّقَباءِ مِن بَنِي إسْرائِيلَ كانَ مَرَّتَيْنِ: الأوَّلُ لَمّا كَلَّمَ تَعالى مُوسى في بَرِّيَّةِ سَيْناءَ في اليَوْمِ الأوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ الثّانِي مِنَ السَّنَةِ لِخُرُوجِهِمْ مِن أرْضِ مِصْرَ. وقَدْ فُصِّلَتْ في الفَصْلِ الأوَّلِ مِن سِفْرِ (العَدَدِ). والمَرَّةُ الثّانِيَةُ: بُعِثُوا لِجَسِّ أرْضِ كَنْعانَ. وفُصِّلَتْ أيْضًا في الفَصْلِ الثّالِثَ عَشَرَ مِن سِفْرِ (العَدَدِ) ثُمَّ ذَكَرَ البِقاعِيُّ: أنَّ نُقَباءَ اليَهُودُ في جَسِّ الأرْضِ لَمْ يُوفِ مِنهم إلّا يُوشَعُ بْنُ نُونٍ وكالِبُ بْنُ يَفْنا، وأمّا نُقَباءُ النَّصارى، فَخانَ مِنهم واحِدٌ - وهو يَهُوذا - كَما مَضى عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وما قَتَلُوهُ وما صَلَبُوهُ﴾ [النساء: ١٥٧] وأمّا نُقَباءُ الأنْصارِ فَكُلُّهم وفى وبَرَّ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعالى.
وقَدْ اقْتَصَّ البِقاعِيُّ أسْماءَ نُقَباءِ الفِرَقِ الثَّلاثِ، ولُمْعَةً مِن نَبَئِهِمْ. فانْظُرْهُ، واللَّهُ أعْلَمُ.
ثُمَّ خاطَبَ تَعالى الفَرِيقَيْنِ مِن أهْلِ الكِتابِ إثْرَ تَشْدِيدِ النَّكِيرِ عَلَيْهِمْ بِتَحْرِيفِ كُتُبِهِمْ ونَبْذِهِمُ المِيثاقَ، ودَعاهم إلى الحَنَفِيَّةِ حَتّى يَكُونُوا عَلى نُورٍ مِن رَبِّهِمْ. فَقالَ تَعالى:
{"ayah":"وَمِنَ ٱلَّذِینَ قَالُوۤا۟ إِنَّا نَصَـٰرَىٰۤ أَخَذۡنَا مِیثَـٰقَهُمۡ فَنَسُوا۟ حَظࣰّا مِّمَّا ذُكِّرُوا۟ بِهِۦ فَأَغۡرَیۡنَا بَیۡنَهُمُ ٱلۡعَدَاوَةَ وَٱلۡبَغۡضَاۤءَ إِلَىٰ یَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِۚ وَسَوۡفَ یُنَبِّئُهُمُ ٱللَّهُ بِمَا كَانُوا۟ یَصۡنَعُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











