الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [١١٧] ﴿ما قُلْتُ لَهم إلا ما أمَرْتَنِي بِهِ أنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي ورَبَّكم وكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وأنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ ﴿ما قُلْتُ لَهم إلا ما أمَرْتَنِي بِهِ﴾ أيْ: ما أمَرْتُهم إلّا بِما أمَرْتَنِي بِهِ. وإنَّما قِيلَ: ما قُلْتُ لَهم نُزُولًا عَلى قَضِيَّةِ حُسْنِ الأدَبِ، ومُراعاةً لِما ورَدَ في الِاسْتِفْهامِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿أنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي ورَبَّكُمْ﴾ تَفْسِيرٌ لِلْمَأْمُورِ بِهِ: ﴿وكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ما دُمْتُ فِيهِمْ﴾ (p-٢٢٢٣)أيْ: رَقِيبًا أُراعِي أحْوالَهم وأحْمِلُهم عَلى العَمَلِ بِمُوجِبِ أمْرِكَ، ويَتَأتّى لِي نَهْيُهم عَمّا أُشاهِدُهُ فِيهِمْ مِمّا لا يَنْبَغِي: ﴿فَلَمّا تَوَفَّيْتَنِي﴾ أيْ: بِالرَّفْعِ إلى السَّماءِ. كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنِّي مُتَوَفِّيكَ ورافِعُكَ إلَيَّ﴾ [آل عمران: ٥٥] والتَّوَفِّي: أخْذُ الشَّيْءِ وافِيًا. والمَوْتُ نَوْعٌ مِنهُ. قالَ تَعالى: ﴿اللَّهُ يَتَوَفّى الأنْفُسَ حِينَ مَوْتِها والَّتِي لَمْ تَمُتْ في مَنامِها﴾ [الزمر: ٤٢] وسَبَقَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿يا عِيسى إنِّي مُتَوَفِّيكَ﴾ [آل عمران: ٥٥] في زِيادَةِ إيضاحٍ عَلى ما هُنا. فَتَذَكَّرْ. ﴿كُنْتَ أنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ﴾ أيِ: النّاظِرَ لِأعْمالِهِمْ. فَمَنَعْتَ مَن أرْدْتَ عِصْمَتَهُ مِنَ التَّفَوُّهِ بِذَلِكَ. وخَذَلْتَ مَن خَذَلْتَ مِنَ الضّالِّينَ، فَقالُوا ما قالُوا: ﴿وأنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ اعْتِراضٌ تَذْيِيلِيٌّ مُقَرِّرٌ لِما قَبْلَهُ. وفِيهِ إيذانٌ بِأنَّهُ تَعالى كانَ هو الشَّهِيدَ عَلى الكُلِّ، حِينَ كَوْنِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ فِيما بَيْنَهم. تَنْبِيهٌ: دَلَّتِ الآيَةُ عَلى أنَّ الأنْبِياءَ، بَعْدَ اسْتِيفاءِ أجَلِهِمُ الدُّنْيَوِيِّ، ونَقْلِهِمْ إلى البَرْزَخِ لا يَعْلَمُونَ أعْمالَ أُمَّتِهِمْ. وقَدْ رَوى البُخارِيُّ هُنا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قالَ: «خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: «يا أيُّها النّاسُ! إنَّكم مَحْشُورُونَ إلى اللَّهِ حُفاةً عُراةً غُرْلًا. ثُمَّ قالَ: ﴿كَما بَدَأْنا أوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وعْدًا عَلَيْنا إنّا كُنّا فاعِلِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٤] إلى آخِرِ الآيَةِ، ثُمَّ قالَ: (p-٢٢٢٤)ألا وإنَّ أوَّلَ الخَلائِقِ يُكْسى يَوْمَ القِيامِ إبْراهِيمُ. ألا وإنَّهُ يُجاءُ بِرِجالٍ مِن أُمَّتِي فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذاتَ الشِّمالِ فَأقُولُ: يا رَبِّ! أُصَيْحابِي. فَيُقالُ: إنَّكَ لا تَدْرِي ما أحْدَثُوا بَعْدَكَ. فَأقُولُ كَما قالَ العَبْدُ الصّالِحُ: ﴿وكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ﴾ فَيُقالُ: إنَّ هَؤُلاءِ لَمْ يَزالُوا مُرْتَدِّينَ عَلى أعْقابِهِمْ مُنْذُ فارَقْتَهُمْ»» .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب