الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [٧] ﴿واعْلَمُوا أنَّ فِيكم رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكم في كَثِيرٍ مِنَ الأمْرِ لَعَنِتُّمْ ولَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إلَيْكُمُ الإيمانَ وزَيَّنَهُ في قُلُوبِكم وكَرَّهَ إلَيْكُمُ الكُفْرَ والفُسُوقَ والعِصْيانَ أُولَئِكَ هُمُ الرّاشِدُونَ﴾ . ﴿واعْلَمُوا أنَّ فِيكم رَسُولَ اللَّهِ﴾ قالَ ابْنُ جَرِيرٍ: يَقُولُ تَعالى ذِكْرُهُ لِأصْحابِ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ: واعْلَمُوا أيُّها المُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ورَسُولِهِ أنَّ فِيكم رَسُولَ اللَّهِ، فاتَّقُوا اللَّهَ أنْ تَقُولُوا الباطِلَ، وتَفْتَرُوا الكَذِبَ، فَإنَّ اللَّهَ يُخْبِرُهُ أخْبارَكُمْ، ويَعْرِفُهُ أنْباءَكُمْ، ويُقَوِّمُهُ عَلى الصَّوابِ في أُمُورِهِ. ﴿لَوْ يُطِيعُكم في كَثِيرٍ مِنَ الأمْرِ لَعَنِتُّمْ﴾ قالَ الطَّبَرِيُّ: أيْ: لَوْ كانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِعَمَلٍ في الأُمُورِ بِآرائِكُمْ، ويَقْبَلُ مِنكم ما تَقُولُونَ لَهُ، فَيُطِيعُكُمْ، لَنالَكم عَنَتٌ -يَعْنِي الشِّدَّةَ والمَشَقَّةَ- في كَثِيرٍ مِنَ الأُمُورِ، بِطاعَتِهِ إيّاكُمْ، لَوْ أطاعَكُمْ، لِأنَّهُ كانَ يُخْطِئُ في أفْعالِهِ، كَما لَوْ قَبِلَ مِنَ الوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ قَوْلَهُ في بَنِي المُصْطَلَقِ، أنَّهم قَدِ ارْتَدُّوا ومَنَعُوا الصَّدَقَةَ وجَمَعُوا الجُمُوعَ لِغَزْوِ المُسْلِمِينَ، فَغَزاهم فَقَتَلَ مِنهُمْ، وأصابَ مِن دِمائِهِمْ وأمْوالِهِمْ، كانَ قَدْ قَتَلَ وقَتَلْتُمْ مَن لا يَحِلُّ لَهُ ولا لَكم قَتْلُهُ، وأخَذْتُمْ مِنَ المالِ ما لا يَحِلُّ لَهُ ولَكم أخْذُهُ مِن أمْوالِ قَوْمٍ مُسْلِمِينَ، فَنالَكم مِنَ اللَّهِ بِذَلِكَ عَنَتٌ. والعَنَتُ: المَشَقَّةُ، أوِ الهَلاكُ، أوِ الإثْمُ، أوِ الفَسادُ. تَنْبِيهٌ: (أنَّ) بِما في حَيِّزِها سادَّةٌ مَسَدَّ مَفْعُولَيِ: اعْلَمُوا بِاعْتِبارِ ما قُيِّدَ بِهِ مِنَ الحالِ، وهو قَوْلُهُ: ﴿لَوْ يُطِيعُكُمْ﴾ إلَخْ، فَإنَّهُ حالٌ مِنَ الضَّمِيرِ المَجْرُورِ فِي: " فِيكم " المُسْتَتِرِ فِيهِ. والمَعْنى: أنَّهُ فِيكم كائِنًا عَلى حالَةٍ يَجِبُ تَغْيِيرُها، أوْ كائِنِينَ عَلى حالَةٍ كَذَلِكَ، وهي أنَّكم تَوَدُّونَ أنْ يَتْبَعَكم في كَثِيرٍ (p-٥٤٥١)مِنَ الحَوادِثِ، ولَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَوَقَعْتُمْ في الجَهْلِ والهَلاكِ. وفِيهِ إيذانٌ بِأنَّ بَعْضَهم زَيَّنَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ أنْ يَقَعَ في بَنِي المُصْطَلَقِ، وأنَّهُ لَمْ يُطِعْ رَأْيَهم هَذا. ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ: ﴿لَوْ يُطِيعُكُمْ﴾ مُسْتَأْنِفًا. إلّا أنَّ الزَّمَخْشَرِيَّ مَنَعَ هَذا الِاحْتِمالَ، قالَ: لِأدائِهِ إلى تَنافُرِ النَّظْمِ، لِأنَّهُ لَوِ اعْتَبَرَ: ﴿لَوْ يُطِيعُكُمْ﴾ إلَخْ كَلامًا بِرَأْسِهِ، لَمْ يَأْخُذِ الكَلامُ بِحَجْزٍ بَعْضٍ، لِأنَّهُ لا فائِدَةَ حِينَئِذٍ في قَوْلِهِ: ﴿واعْلَمُوا أنَّ فِيكم رَسُولَ اللَّهِ﴾ إذا قُطِعَ عَمّا بَعْدَهُ. وأُجِيبَ بِجَوازِ أنْ يُقْصَدَ بِهِ التَّنْبِيهُ عَلى جَلالَةِ مَحَلِّهِ ﷺ، وأنَّهم لِجَهْلِهِمْ بِمَكانِهِ مُفَرِّطُونَ فِيما يَجِبُ لَهُ مِنَ التَّعْظِيمِ، وفي أنَّ شَأْنَهم أنْ يَتَّبِعُوهُ، ولا يَتَّبِعُوا آراءَهُمْ، حَتّى كَأنَّهم جاهِلُونَ بِأنَّهُ بَيْنَ أظْهُرِهِمْ، فَوَضَّحَ جَوازَ الِاسْتِئْنافِ، والوَقْفِ عَلى: ﴿رَسُولَ اللَّهِ﴾ ﴿ولَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إلَيْكُمُ الإيمانَ وزَيَّنَهُ في قُلُوبِكُمْ﴾ أيْ: فَما أجْدَرَكم أنْ تُطِيعُوا رَسُولَ اللَّهِ وتَأْتَمُّوا بِهِ، فَيَقِيكُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ مِنَ العَنَتِ فِيما لَوِ اسْتَتْبَعْتُمْ رَأْيَ رَسُولِ اللَّهِ لِرَأْيِكُمْ: ﴿وكَرَّهَ إلَيْكُمُ الكُفْرَ﴾ أيْ: بِاللَّهِ: ﴿والفُسُوقَ﴾ يَعْنِي الكَذِبَ: ﴿والعِصْيانَ﴾ أيْ: مُخالَفَةَ أمْرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وتَضْيِيعَ ما أمَرَ اللَّهُ بِهِ: أُولَئِكَ أيِ: المَوْصُوفُونَ بِمَحَبَّةِ الإيمانِ، وتَزَيُّنِهِ في قُلُوبِهِمْ، وكَراهَتِهِمُ المَعاصِيَ: ﴿هُمُ الرّاشِدُونَ﴾ أيِ: السّالِكُونَ طَرِيقَ الحَقِّ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب