الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[١٥] ﴿إنَّما المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وجاهَدُوا بِأمْوالِهِمْ وأنْفُسِهِمْ في سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ﴾ .
﴿إنَّما المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا﴾ أيْ: لَمْ يَقَعْ في نُفُوسِهِمْ شَكٌّ فِيما آمَنُوا بِهِ مِن وحْدانِيَّةِ اللَّهِ، ونُبُوَّةِ نَبِيِّهِ، وألْزَمُوا نُفُوسَهم طاعَةَ اللَّهِ، وطاعَةَ رَسُولِهِ، والعَمَلَ بِما وجَبَ عَلَيْهِمْ مِن فَرائِضِ اللَّهِ بِغَيْرِ شَكٍّ في وُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ﴿وجاهَدُوا بِأمْوالِهِمْ وأنْفُسِهِمْ في سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أيْ: جاهَدُوا المُشْرِكِينَ بِإنْفاقِ أمْوالِهِمْ، وبَذْلِ مُهَجِهِمْ في جِهادِهِمْ، عَلى ما أمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ مِن جِهادِهِمْ، وذَلِكَ سَبِيلُهُ، لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ العُلْيا، وكَلِمَةُ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى -قالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وقَدَّمْنا مِرارًا أنَّ قَصْرَ سَبِيلِ اللَّهِ عَلى غَزْوِ الكُفّارِ المُعْتَدِينَ، مِن بابِ قَصْرِ العامِّ عَلى أهَمِّ أفْرادِهِ وأعْلاها، وإلّا فَسَبِيلُ اللَّهِ يَعُمُّ العِباداتِ والطّاعاتِ كُلَّها، لِأنَّها في سَبِيلِ وُجْهَتِهِ.
(p-٥٤٧٤)قالَ الشِّهابُ: وقَدَّمَ الأمْوالَ، لِحِرْصِ الإنْسانِ عَلَيْها، فَإنَّ مالَهُ شَقِيقُ رُوحِهِ. و: " جاهَدُوا " بِمَعْنى: بَذَلُوا الجُهْدَ. أوْ مَفْعُولُهُ مُقَدَّرٌ، أيِ: العَدُوُّ، أوِ النَّفْسُ والهَوى.
﴿أُولَئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ﴾ أيِ: الَّذِينَ صَدَقُوا في ادِّعاءِ الإيمانِ، لِظُهُورِ أثَرِ الصِّدْقِ عَلى جَوارِحِهِمْ، وتَصْدِيقِ أفْعالِهِمْ وأقْوالِهِمْ. وفِيهِ تَعْرِيضٌ يُكَذِّبُ أُولَئِكَ الأعْرابَ في ادِّعائِهِمُ الإيمانَ وإفادَةٌ لِلْحَضَرِ. أيْ: هُمُ الصّادِقُونَ، لا هَؤُلاءِ، أوْ إيمانُهم إيمانُ صِدْقٍ، وجِدٍّ.
تَنْبِيهاتٌ:
الأوَّلُ:- قالَ في (الإكْلِيلِ): في الآيَةِ دَلِيلٌ عَلى أنَّ الأعْمالَ مِنَ الإيمانِ. وقَدَّمْنا أنَّ هَذا ما لا خِلافَ فِيهِ بَيْنَ السَّلَفِ، ولِيُرْجَعْ في ذَلِكَ ما بَسَطَهُ ابْنُ حَزْمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ في (الفِصَلِ).
الثّانِي:- قالَ القاشانِيُّ: في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّما المُؤْمِنُونَ﴾ الآيَةُ إشارَةٌ إلى الإيمانِ المُعْتَبَرِ الحَقِيقِيِّ، وهو اليَقِينُ الثّابِتُ في القَلْبِ المُسْتَقِرُّ الَّذِي لا ارْتِيابَ مَعَهُ، لا الَّذِي يَكُونُ عَلى سَبِيلِ الخَطِراتِ، فالمُؤْمِنُونَ هُمُ المُوقِنُونَ الَّذِينَ غَلَّبَتْ مَلَكَةُ اليَقِينِ قُلُوبَهم عَلى نُفُوسِهِمْ، ونَوَّرَتْها بِأنْوارِها، فَتَأصَّلَتْ فِيها مَلَكَةُ القُلُوبِ حَتّى تَأثَّرَتْ بِها الجَوارِحُ، فَلَمْ يُمْكِنْها إلّا الجَرْيُ بِحُكْمِها، والتَّسَخُّرُ لَهَيْئَتِها، وذَلِكَ مَعْنى قَوْلِهِ: ﴿وجاهَدُوا بِأمْوالِهِمْ وأنْفُسِهِمْ في سَبِيلِ اللَّهِ﴾ بَعْدَ نَفْيِ الِارْتِيابِ عَنْهُمْ، لِأنَّ بَذْلَ المالِ والنَّفْسِ في طَرِيقِ الحَقِّ هو مُقْتَضى اليَقِينِ الرّاسِخِ، وأثَرُهُ في الظّاهِرِ. انْتَهى.
الثّالِثُ:- قالَ في (الكَشّافِ): فَإنْ قُلْتَ: ما مَعْنى (ثُمَّ) هَهُنا، وهي لِلتَّراخِي. وعَدَمُ الِارْتِيابِ يَجِبُ أنْ يَكُونَ مُقارَنًا لِلْإيمانِ، لِأنَّهُ وصْفٌ فِيهِ، لِما بَيَّنَتْ مِن إفادَةِ الإيمانِ مَعْنى الثِّقَةِ، والطُّمَأْنِينَةِ الَّتِي حَقِيقَتُها التَّيَقُّنُ، وانْتِفاءِ الرَّيْبِ؟ قُلْتُ: الجَوابُ عَلى طَرِيقَتَيْنِ:
أحَدُهُما- أنَّ مِن وُجِدَ مِنهُ الإيمانُ رُبَّما اعْتَرَضَهُ الشَّيْطانُ، أوْ بَعْضُ المُضِلِّينَ، بَعْدَ ثَلْجِ الصَّدْرِ، فَشَكَّكَهُ وقَذَفَ في قَلْبِهِ ما يَثْلِمُ يَقِينَهُ. أوْ نَظَرَ هو نَظَرًا غَيْرَ سَدِيدٍ يُسْقِطُ بِهِ عَلى الشَّكِّ، ثُمَّ يَسْتَمِرُّ عَلى ذَلِكَ، راكِبًا رَأْسَهُ، لا يَطْلُبُ لَهُ مَخْرَجًا. فَوُصِفَ المُؤْمِنُونَ حَقًّا بِالبُعْدِ عَنْ هَذِهِ المُوبِقاتِ. ونَظِيرُهُ قَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ اسْتَقامُوا﴾ [الأحقاف: ١٣]
(p-٥٤٧٥)والثّانِي:- أنَّ الإيقانَ وزَوالَ الرَّيْبِ، لِما كانَ مِلاكَ الإيمانِ، أُفْرِدَ بِالذِّكْرِ بَعْدَ تَقَدُّمِ الإيمانِ تَنْبِيهًا عَلى مَكانِهِ. وعُطِفَ عَلى الإيمانِ بِكَلِمَةِ التَّراخِي، إشْعارًا بِاسْتِقْرارِهِ في الأزْمَةِ المُتَراخِيَةِ المُتَطاوِلَةِ غَضًّا جَدِيدًا. انْتَهى.
يَعْنِي: أنَّهُ إمّا لِنَفْيِ الشَّكِّ عَنْهم فِيما بَعْدُ، فَدَلَّ عَلى أنَّهم كَما لَمْ يَرْتابُوا أوَّلًا لَمْ تَحْدُثْ لَهم رِيبَةٌ، فالتَّراخِي زَمانِيٌّ لا رَتْبِيٌّ عَلى ما مَرَّ في قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ اسْتَقامُوا﴾ [الأحقاف: ١٣] أوْ عَطَفَهُ عَلَيْهِ عَطْفَ جِبْرِيلَ عَلى المَلائِكَةِ، تَنْبِيهًا عَلى أصالَتِهِ في الإيمانِ، حَتّى كَأنَّهُ شَيْءٌ آخَرُ. فَثَمَّ دَلالَةٌ عَلى اسْتِمْرارِهِ قَدِيمًا وحَدِيثًا.
{"ayah":"إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ لَمۡ یَرۡتَابُوا۟ وَجَـٰهَدُوا۟ بِأَمۡوَ ٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلصَّـٰدِقُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











