الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [٢١] ﴿وأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أحاطَ اللَّهُ بِها وكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا﴾ . ﴿وأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أحاطَ اللَّهُ بِها﴾ مَعْطُوفٌ عَلى: " هَذِهِ " أيْ: فَيَجْعَلَ لَكم هَذِهِ المَغانِمَ، ومَغانِمَ أُخْرى، وهي مَغانِمُ هَوازِنَ في غَزْوَةِ حُنَيْنٍ، لِأنَّهُ قالَ: ﴿لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها﴾ وهَذا يَدُلُّ عَلى ما تَقَدَّمَ مُحاوَلَةً لَها. وقالَ الحَسَنُ: هي فارِسُ والرُّومُ. قالَ القُرْطُبِيُّ: وكَوْنُها مُعَجَّلَةً، وإنْ كانَتْ لَمْ تَحْصُلْ إلّا في عَهْدِ عُمَرَ، بِالنِّسْبَةِ لِما بَعْدَها مِنَ الغَنائِمِ الإسْلامِيَّةِ. وعَنْ قَتادَةَ: هي مَكَّةُ. قالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وهَذا القَوْلُ الَّذِي قالَهُ قَتادَةُ، أشْبَهَ بِما دَلَّ عَلَيْهِ ظاهِرُ التَّنْزِيلِ. وذَلِكَ أنَّ اللَّهَ أخْبَرَ هَؤُلاءِ الَّذِينَ بايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ تَحْتَ الشَّجَرَةِ أنَّهُ مُحِيطٌ بِقَرْيَةٍ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْها، ومَعْقُولٌ أنَّهُ لا يُقالُ لِقَوْمٍ، لَمْ يَقْدِرُوا عَلى هَذِهِ المَدِينَةِ، إلّا أنْ يَكُونُوا قَدْ رامُوها فَتَعَذَّرَتْ عَلَيْهِمْ. فَأمّا وهم لَمْ يَرْمُوها فَتَتَعَذَّرُ عَلَيْهِمْ، فَلا يُقالُ إنَّهم لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْها. فَإذا كانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وكانَ مَعْلُومًا أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمْ يَقْصِدْ قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ عَلَيْهِ، خَيْبَرَ لِحَرْبٍ، ولا وجَّهَ إلَيْها لِقِتالِ أهْلِها جَيْشًا ولا سَرِيَّةً، عُلِمَ أنَّ المَعْنى بِقَوْلِهِ: ﴿وأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها﴾ غَيْرُها، وأنَّها هي الَّتِي عالَجَها ورامَها فَتَعَذَّرَتْ، فَكانَتْ مَكَّةُ وأهْلُها كَذَلِكَ، وأخْبَرَ اللَّهُ تَعالى نَبِيَّهُ والمُؤْمِنِينَ، أنَّهُ أحاطَ بِها وبِأهْلِها، وأنَّهُ فاتِحُها عَلَيْهِمُ. انْتَهى. وقالَ القُرْطُبِيُّ: مَعْنى: ﴿قَدْ أحاطَ اللَّهُ بِها﴾ أيْ: أعَدَّها لَكُمْ، فَهي كالشَّيْءِ الَّذِي أُحِيطَ بِهِ مِن جَمِيعِ جَوانِبِهِ، فَهو مَحْصُورٌ لا يَفُوتُ. فَأنْتُمْ، وإنْ لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها في الحالِ، فَهي مَحْبُوسَةٌ (p-٥٤٢٠)عَلَيْكم لا تَفُوتُكم. وقِيلَ: ﴿أحاطَ اللَّهُ بِها﴾ عَلِمَ أنَّها سَتَكُونُ لَكُمْ، كَما قالَ: وأنَّ اللَّهَ قَدْ أحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا. وقِيلَ: حَفِظَها اللَّهُ عَلَيْكُمْ، لِيَكُونَ فَتْحُها لَكُمُ. انْتَهى. وقَدْ جَوَّزَ فِي: " أُخْرى " أنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلى: مَغانِمَ المَنصُوبِ بِـ: " وعَدَكم " وأنْ تَكُونَ مَرْفُوعَةً بِالِابْتِداءِ و: ﴿لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها﴾ صِفَتُها و: ﴿قَدْ أحاطَ اللَّهُ بِها﴾ خَبَرٌ. وأوْجُهٌ أُخَرُ. ﴿وكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا﴾ أيْ: لا يَبْعُدُ عَلَيْهِ إذا شاءَهُ. ثُمَّ أشارَ تَعالى إلى تَبْشِيرِ أهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوانِ بِالظَّفَرِ، والنَّصْرِ المُسْتَمِرِّ، لِصِدْقِ إيمانِهِمْ، وإخْلاصِهِمْ في ثَباتِهِمْ، وإيثارِهِمْ مَرْضاةَ اللَّهِ ورَسُولِهِ عَلى كُلِّ مَحْبُوبٍ، بِقَوْلِهِ:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب