الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[١٠] ﴿إنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أيْدِيهِمْ فَمَن نَكَثَ فَإنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ ومَن أوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أجْرًا عَظِيمًا﴾ .
﴿إنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ﴾ أيْ: عَلى قِتالِ قُرَيْشٍ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، وأنْ لا يَفِرُّوا عِنْدَ لِقاءِ العَدُوِّ، ولا يُوَلُّوهُمُ الأدْبارَ ﴿إنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ﴾ أيْ: لِأنَّ عَقْدَ المِيثاقِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ، كَعَقْدِهِ مَعَ اللَّهِ، مِن غَيْرِ تَفاوُتٍ؛ لِأنَّ المَقْصُودَ مِن تَوْثِيقِ العَهْدِ مُراعاةُ أوامِرِهِ تَعالى، ونَواهِيهِ، ﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أيْدِيهِمْ﴾ تَأْكِيدٌ لِما قَبْلَهُ. أيْ: أنَّ يَدَ اللَّهِ عِنْدَ البَيْعَةِ فَوْقَ أيْدِيهِمْ، كَأنَّهم يُبايِعُونَ اللَّهَ بِبَيْعَتِهِمْ نَبِيَّهُ ﷺ. وقالَ القاشانِيُّ: أيْ: قُدْرَتُهُ البارِزَةُ في يَدِ الرَّسُولِ، فَوْقَ قُدْرَتِهِمُ البارِزَةِ في صُوَرِ أيْدِيهِمْ، فَيَضُرُّهم عِنْدَ النَّكْثِ، ويَنْفَعُهم عِنْدَ الوَفاءِ.
﴿فَمَن نَكَثَ﴾ أيْ: نَقَضَ عَهْدَهُ: ﴿فَإنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ﴾ أيْ: لِعَوْدِ ضَرَرِ ذَلِكَ عَلَيْهِ خاصَّةً، ﴿ومَن أوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أجْرًا عَظِيمًا﴾ وهو الجَنَّةُ.
تَنْبِيهٌ:
هَذِهِ البَيْعَةُ هي بَيْعَةُ الرِّضْوانِ. وكانَتْ تَحْتَ شَجَرَةِ سُمْرَةٍ بِالحُدَيْبِيَةِ. وكانَ الصَّحابَةُ الَّذِينَ (p-٥٤٠٢)بايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَوْمَئِذٍ ألْفًا وأرْبَعَمِائَةٍ، وقِيلَ: وثَلاثَمِائَةٍ، وقِيلَ: خَمْسُمِائَةٍ. والأوَّلُ أصَحُّ -عَلى ما قالَهُ ابْنُ كَثِيرٍ - وقَدِ اقْتَصَّ سِيرَتَها غَيْرُ واحِدٍ مِنَ الأئِمَّةِ. ولَمّا كانَتْ هَذِهِ السُّورَةُ الجَلِيلَةُ كُلُّها في شَأْنِها، لَزِمَ إيرادُها مُفَصَّلَةً.
قالَ ابْنُ إسْحاقَ: «خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ في ذِي القِعْدَةِ مُعْتَمِرًا، لا يُرِيدُ حَرْبًا. واسْتَنْفَرَ العَرَبَ، ومَن حَوْلَهُ مِن أهْلِ البَوادِي مِنَ الأعْرابِ لِيَخْرُجُوا مَعَهُ، وهو يَخْشى مِن قُرَيْشٍ أنْ يَعْرِضُوا لَهُ بِحَرْبٍ، أوْ يَصُدُّوهُ عَنِ البَيْتِ. فَأبْطَأ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنَ الأعْرابِ. وخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِمَن مَعَهُ مِنَ المُهاجِرِينَ والأنْصارِ، ومَن لَحِقَ بِهِ مِنَ العَرَبِ، وساقَ مَعَهُ الهَدْيَ، وأحْرَمَ بِالعُمْرَةِ لِيَأْمَنَ النّاسُ مِن حَرْبِهِ، ولِيَعْلَمَ النّاسُ أنَّهُ إنَّما خَرَجَ زائِرًا لِهَذا البَيْتِ، ومُعَظِّمًا لَهُ».
وقالَ الإمامُ ابْنُ القَيِّمِ: قِصَّةُ الحُدَيْبِيَةِ كانَتْ سَنَةَ سِتٍّ في ذِي القِعْدَةِ. وكانَ مَعَهُ ألْفٌ وخَمْسُمِائَةٍ. هَكَذا في (الصَّحِيحَيْنِ) عَنْ جابِرٍ. وفِيهِما عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي أوْفى: «كُنّا ألْفًا وثَلاثَمِائَةٍ. وعَنْ جابِرٍ فِيهِما: كانُوا ألْفًا وأرْبَعَمِائَةٍ -والقَلْبُ إلى هَذا أمْيَلُ- وهو قَوْلُ البَراءِ بْنِ عازِبٍ، ومَعْقِلِ بْنِ يَسارٍ، وسَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ. ثُمَّ لَمّا كانُوا بِذِي الحُلَيْفَةِ قَلَّدَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الهَدْيَ، وأشْعَرَ، وأحْرَمَ بِالعُمْرَةِ، وبَعَثَ عَيْنًا لَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ مِن خُزاعَةَ، يُخْبِرُهُ عَنْ قُرَيْشٍ، حَتّى إذا كانَ قَرِيبًا مِن عَسْفانَ، أتاهُ عَيْنُهُ فَقالَ: إنِّي تَرَكْتُ كَعْبَ بْنَ لُؤَيٍّ، قَدْ جَمَعُوا لَكَ الأحابِيشَ، وجَمَعُوا لَكَ جُمُوعًا، وهم مُقاتِلُوكَ، وصادُّوكَ عَنِ البَيْتِ.
واسْتَشارَ النَّبِيُّ ﷺ أصْحابَهُ وقالَ: «أتَرَوْنَ أنْ نَمِيلَ إلى ذَرارِيِّ هَؤُلاءِ (p-٥٤٠٣)الَّذِينَ أعانُوهم فَنُصِيبُهُمْ، فَإنْ قَعَدُوا قَعَدُوا مَوْتُورِينَ مَحْزُونِينَ، وإنْ نَجَوا تَكُنْ عُنُقًا قَطَعَها اللَّهُ؟ أمْ تَرَوْنَ أنْ نَؤُمَّ البَيْتَ، فَمَن صَدَّنا عَنْهُ قاتَلْناهُ؟» قالَ أبُو بَكْرٍ: اللَّهُ ورَسُولُهُ أعْلَمُ! إنَّما جِئْنا مُعْتَمِرِينَ، ولَمْ نَجِئْ لِقِتالِ أحَدٍ. ولَكِنْ مَن حالَ بَيْنَنا وبَيْنَ البَيْتِ قاتَلْناهُ. فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «فَرَوِّحُوا إذَنْ». فَراحُوا، حَتّى إذا كانُوا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ، قالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إنَّ خالِدَ بْنَ الوَلِيدِ بِالغَمِيمِ، في خَيْلِ قُرَيْشٍ، فَخُذُوا ذاتَ اليَمِينِ» فَواللَّهِ! ما شَعَرَ بِهِمْ خالِدٌ حَتّى إذا هو بِقِتْرَةِ الجَيْشِ. فانْطَلَقَ يَرْكُضُ نَذِيرًا لِقُرَيْشٍ. وسارَ النَّبِيُّ ﷺ حَتّى إذا كانَ بِالثَّنْيَةِ الَّتِي يَهْبِطُ عَلَيْهِمْ، بَرَكَتْ راحِلَتُهُ. فَقالَ النّاسُ: حَلْ حَلْ، فَألَحَّتْ: فَقالُوا: خَلَأتِ القَصْواءُ ! خَلَأتِ القَصْواءُ! فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «ما خَلَأتِ القَصْواءُ، وما ذاكَ لَها بِخُلُقٍ، ولَكِنْ حَبَسَها حابِسُ الفِيلِ! ثُمَّ قالَ: والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لا يَسْألُونِي خُطَّةً يُعَظِّمُونَ فِيها حُرُماتِ اللَّهِ إلّا أعْطَيْتُمُوها».
ثُمَّ زَجَرَها فَوَثَبَتْ بِهِ، فَعَدَلَ حَتّى نَزَلَ بِأقْصى الحُدَيْبِيَةِ عَلى ثَمْدٍ قَلِيلِ الماءِ إنَّما يَتَبَرَّضُهُ النّاسُ نَبْرَضًا، فَلَمْ يَلْبَثِ النّاسُ أنْ نَزَحُوهُ، فَشَكَوْا إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ العَطَشَ، فانْتَزَعَ سَهْمًا مِن كِنانَتِهِ، ثُمَّ أمَرَهم أنْ يَجْعَلُوها فِيهِ. قالَ: فَواللَّهِ! ما زالَ يَجِيشُ لَهم بِالرَّيِّ، حَتّى صَدَّرُوا عَنْهُ. وفَزِعَتْ قُرَيْشٌ لِنُزُولِهِ عَلَيْهِمْ، فَأحَبَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أنْ يَبْعَثَ إلَيْهِمْ رَجُلًا مِن أصْحابِهِ، فَدَعا عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ لِيَبْعَثَهُ إلَيْهِمْ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ! لَيْسَ بِمَكَّةَ أحَدٌ مِن بَنِي كَعْبٍ يَغْضَبُ لِي إنْ أُوذِيتُ، فَأرْسِلْ عُثْمانَ بْنَ عَفّانَ فَإنَّ عَشِيرَتَهُ بِها، وإنَّهُ مُبَلِّغٌ ما أرَدْتَ، فَدَعا (p-٥٤٠٤)رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عُثْمانَ بْنَ عَفّانَ، فَأرْسَلَهُ إلى قُرَيْشٍ وقالَ: «أخْبِرْهم أنّا لَمْ نَأْتِ لِقِتالٍ، وإنَّما جِئْنا عُمّارًا، وادْعُهم إلى الإسْلامِ. -وأمَرَهُ أنْ يَأْتِيَ رِجالًا بِمَكَّةَ مُؤْمِنِينَ ونِساءً مُؤْمِناتٍ، فَيَدْخُلُ عَلَيْهِمْ -ويُبَشِّرُهم بِالفَتْحِ، ويُخْبِرُهم أنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ مُظْهِرٌ دِينَهُ بِمَكَّةَ، حَتّى لا يَسْتَخْفِيَ فِيها بِالإيمانِ».
فانْطَلَقَ عُثْمانُ، فَمَرَّ عَلى قُرَيْشٍ بِبَلْدَحٍ، فَقالُوا: أيْنَ تُرِيدُ؟ فَقالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أدْعُوكم إلى اللَّهِ والإسْلامِ، ونُخْبِرُكم أنّا لَمْ نَأْتِ لِقِتالٍ، وإنَّما جِئْنا عُمّارًا. فَقالُوا: قَدْ سَمِعْنا ما تَقُولُ، فانْفُذْ لِحاجَتِكَ. وقامَ إلَيْهِ أبانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ العاصِ، فَرَحَّبَ بِهِ، وأسْرَجَ فَرَسَهُ. فَحَمَلَ عُثْمانَ عَلى الفَرَسِ وأجارَهُ، وأرْدَفَهُ أبانٌ حَتّى جاءَ مَكَّةَ. وقالَ المُسْلِمُونَ قَبْلَ أنْ يَرْجِعَ عُثْمانُ: خَلَصَ عُثْمانُ قَبْلَنا إلى البَيْتِ وطافَ بِهِ. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «ما أظُنُّهُ طافَ بِالبَيْتِ ونَحْنُ مَحْصُورُونَ!» فَقالُوا: وما يَمْنَعُهُ يا رَسُولَ اللَّهِ، وقَدْ خَلَصَ؟ قالَ: «ذاكَ ظَنِّي بِهِ أنْ لا يَطُوفَ بِالكَعْبَةِ حَتّى نَطُوفَ مَعًا» واخْتَلَطَ المُسْلِمُونَ بِالمُشْرِكِينَ في أمْرِ الصُّلْحِ، فَرَمى رَجُلٌ مِن أحَدِ الفَرِيقَيْنِ رَجُلًا مِنَ الآخَرِ، وكانَتْ مَعْرَكَةً، وتَرامَوْا بِالنَّبْلِ والحِجارَةِ، وصاحَ الفَرِيقانِ كِلاهُما، وارْتَهَنَ كُلُّ واحِدٍ مِنَ الفَرِيقَيْنِ بِمَن فِيهِمْ. وبَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أنَّ عُثْمانَ قَدْ قُتِلَ. فَدَعا إلى البَيْعَةِ، فَثارَ المُسْلِمُونَ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وهو تَحْتَ الشَّجَرَةِ، فَبايَعُوهُ عَلى أنْ لا يَفِرُّوا. فَأخَذَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِيَدِ نَفْسِهِ وقالَ: «هَذِهِ عَنْ عُثْمانَ».
ولَمّا تَمَّتِ البَيْعَةُ رَجَعَ عُثْمانُ. فَقالَ المُسْلِمُونَ: اشْتَفَيْتَ يا أبا عَبْدِ اللَّهِ مِنَ الطَّوافِ بِالبَيْتِ؟ فَقالَ: بِئْسَ ما ظَنَنْتُمْ بِي! والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَوْ مَكَثْتُ بِها سَنَةً، ورَسُولُ اللَّهِ ﷺ مُقِيمٌ بِالحُدَيْبِيَةِ، ما طُفْتُ بِها، حَتّى يَطُوفَ بِها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. ولَقَدْ دَعَتْنِي قُرَيْشٌ إلى الطَّوافِ بِالبَيْتِ فَأبَيْتُ! فَقالَ المُسْلِمُونَ: رَسُولُ اللَّهِ ﷺ كانَ أعْلَمَنا بِاللَّهِ! وأحْسَنَنا ظَنًّا. وكانَ عُمَرُ أخَذَ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِلْبَيْعَةِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، فَبايَعَهُ المُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ، إلّا الجِدَّ بْنَ قَيْسٍ، (p-٥٤٠٥)وكانَ مَعْقِلُ بْنُ يَسارٍ آخِذًا بِغُصْنِها يَرْفَعُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. وكانَ أوَّلَ مَن بايَعَهُ أبُو سِنانٍ الأسَدِيُّ، وبايَعَهُ سَلَمَةُ بْنُ الأكْوَعِ ثَلاثَ مَرّاتٍ، في أوَّلِ النّاسِ وأوْسَطِهِمْ وآخِرِهِمْ.
فَبَيْنا هم كَذَلِكَ إذْ جاءَ بُدَيْلُ بْنُ ورْقاءَ الخُزاعِيُّ في نَفَرٍ مِن خُزاعَةَ، وكانُوا عَيْبَةَ نُصْحِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِن أهْلِ تِهامَةَ فَقالَ: إنِّي تَرَكْتُ كَعْبَ بْنَ لُؤَيٍّ، وعامِرَ بْنَ لُؤَيٍّ نَزَلُوا أعْدادَ مِياهِ الحُدَيْبِيَةِ، مَعَهُمُ العُوذُ المَطافِيلُ، وهم مُقاتِلُوكَ، وصادُّوكَ عَنِ البَيْتِ. قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إنّا لَمْ نَجِئْ لِقِتالِ أحَدٍ، ولَكِنْ جِئْنا مُعْتَمِرِينَ، وإنَّ قُرَيْشًا قَدْ نَهَكَتْهُمُ الحَرْبُ، وأضَرَّتْ بِهِمْ: فَإنْ شاؤُوا أُمادِدْهم ويُخَلُّوا بَيْنِي وبَيْنَ النّاسِ. وإنْ شاؤُوا أنْ يَدْخُلُوا فِيما دَخَلَ فِيهِ النّاسُ فَعَلُوا، وإلّا فَقَدَ جَمُّوا. وإنْ أبَوْا إلّا القِتالَ، فَوالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! لَأُقاتِلَنَّهم عَلى أمْرِي هَذا حَتّى تَنْفَرِدَ سالِفَتِي، أوْ لَيُنْفِذَنَّ اللَّهُ أمْرَهُ».
قالَ بُدَيْلٌ: سَأُبَلِّغُهم ما تَقُولُ. فانْطَلَقَ حَتّى أتى قُرَيْشًا فَقالَ: إنِّي قَدْ جِئْتُكم مِن عِنْدِ هَذا الرَّجُلِ، وسَمِعْتُهُ يَقُولُ قَوْلًا، فَإنْ شِئْتُمْ عَرَضْتُهُ عَلَيْكم. فَقالَ سُفَهاؤُهُمْ: لا حاجَةَ لَنا أنْ تُحَدِّثَنا عَنْهُ بِشَيْءٍ. وقالَ ذَوُو الرَّأْيِ مِنهُمْ: هاتِ ما سَمِعْتَهُ. قالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ كَذا وكَذا. فَقالَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ: إنَّ هَذا قَدْ عَرَضَ عَلَيْكم خُطَّةَ رُشْدٍ فاقْبَلُوها، ودَعُونِي آتِهِ. فَقالُوا: ائْتِهِ. فَأتاهُ، فَجَعَلَ يُكَلِّمُهُ. فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ نَحْوًا مِن قَوْلِهِ لِبُدَيْلٍ. فَقالَ لَهُ عُرْوَةُ عِنْدَ ذَلِكَ: أيْ مُحَمَّدُ! أرَأيْتَ لَوِ اسْتَأْصَلْتَ قَوْمَكَ، هَلْ سَمِعْتَ بِأحَدٍ مِنَ العَرَبِ اجْتاحَ أهْلَهُ قَبْلَكَ؟ وإنْ تَكُنْ أُخْرى، فَواللَّهِ إنِّي لَأرى وُجُوهًا، وأرى أوْشابًا مِنَ النّاسِ، خَلِيقًا أنْ يَفِرُّوا ويَدَعُوكَ! فَقالَ لَهُ أبُو بَكْرٍ: امْصُصْ بَظْرَ اللّاتِ! أنَحْنُ نَفِرُّ عَنْهُ ونَدَعُهُ! قالَ: مَن ذا؟ قالُوا: أبُو بَكْرٍ. قالَ: أما والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ! لَوْلا يَدٌ كانَتْ لَكَ عِنْدِي لَمْ أجْزِكَ بِها، لَأجَبْتُكَ ! وجَعَلَ يُكَلِّمُ (p-٥٤٠٦)النَّبِيَّ ﷺ، وكُلَّما كَلَّمَهُ أخَذَ بِلِحْيَتِهِ. والمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ عَلى رَأْسِ النَّبِيِّ ﷺ ومَعَهُ السَّيْفُ، وعَلَيْهِ المِغْفَرُ. فَكُلَّما أهْوى عُرْوَةُ إلى لِحْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ضَرَبَ يَدَهُ بِنَعْلِ السَّيْفِ وقالَ: أخِّرْ يَدَكَ عَنْ لِحْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَرَفَعَ عُرْوَةُ رَأْسَهُ وقالَ: مَن ذا؟ قالَ: المُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ. فَقالَ: أيْ غُدَرُ! أوَلَسْتُ أسْعى في غُدْرَتِكَ؟ وكانَ المُغِيرَةُ صَحِبَ قَوْمًا في الجاهِلِيَّةِ. فَقَتَلَهُمْ، وأخَذَ أمْوالَهُمْ، ثُمَّ جاءَ فَأسْلَمَ، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أمّا الإسْلامُ فَأقْبَلُ، وأمّا المالُ فَلَسْتُ مِنهُ في شَيْءٍ».
ثُمَّ إنَّ عُرْوَةَ جَعَلَ يَرْمُقُ أصْحابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَواللَّهِ! ما تَنَخَّمَ النَّبِيُّ ﷺ نُخامَةً إلّا وقَعَتْ في كَفِّ رَجُلٍ مِنهُمْ، فَدَلَّكَ بِها جِلْدَهُ ووَجْهَهُ، وإذا أمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا إلى أمْرِهِ، وإذا تَوَضَّأ كادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلى وُضُوئِهِ، وإذا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أصْواتَهم عِنْدَهُ، وما يَحُدُّونَ إلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ. فَرَجَعَ عُرْوَةُ إلى أصْحابِهِ فَقالَ: أيْ قَوْمُ! لَقَدْ وفَدْتُ عَلى المُلُوكِ: عَلى كِسْرى وقَيْصَرَ والنَّجاشِيِّ، واللَّهِ ما رَأيْتُ مَلِكًا يُعَظِّمُهُ أصْحابُهُ ما يُعَظِّمُ أصْحابُ مُحَمَّدٍ مُحَمَّدًا. واللَّهِ! إنْ تَنَخَّمَ نُخامَةً إلّا وقَعَتْ في كَفِّ رَجُلٍ مِنهم فَدَلَّكَ بِها وجْهَهُ وجِلْدَهُ، وإذا أمَرَهُمُ ابْتَدَرُوا أمْرَهُ، وإذا تَوَضَّأ كادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلى وُضُوئِهِ، وإذا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أصْواتَهم عِنْدَهُ، وما يَحُدُّونَ إلَيْهِ النَّظَرَ تَعْظِيمًا لَهُ. وقَدْ عَرَضَ عَلَيْكم خُطَّةَ رُشْدٍ فاقْبَلُوها. فَقالَ رَجُلٌ مِن بَنِي كِنانَةَ: دَعُونِي آتِهِ. فَقالُوا: ائْتِهِ. فَلَمّا أشْرَفَ عَلى النَّبِيِّ ﷺ وأصْحابِهِ، قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «هَذا فُلانٌ، وهو مِن قَوْمٍ يُعَظِّمُونَ البُدْنَ، فابْعَثُوها لَهُ» فَبَعَثُوها لَهُ، واسْتَقْبَلَهُ القَوْمُ يُلَبُّونَ، فَلَمّا رَأى ذَلِكَ قالَ: سُبْحانَ اللَّهِ! ما يَنْبَغِي لِهَؤُلاءِ أنْ يَصُدُّوا عَنِ البَيْتِ، فَرَجَعَ إلى أصْحابِهِ فَقالَ: رَأيْتُ البُدْنَ قَدْ قَلَّدَتْ وأشْعَرَتْ، وما أرى أنْ يُصَدُّوا عَنِ البَيْتِ. فَقامَ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ، فَقالَ: دَعُونِي آتِهِ. فَقالُوا: ائْتِهِ. فَلَمّا أشْرَفَ عَلَيْهِمْ قالَ النَّبِيُّ ﷺ: «هَذا مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ، وهو رَجُلٌ فاجِرٌ» فَجَعَلَ يُكَلِّمُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَبَيْنا هو يُكَلِّمُهُ، إذْ جاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: (p-٥٤٠٧)«قَدْ سَهَّلَ لَكم مِن أمْرِكم» فَقالَ: هاتِ اكْتُبْ بَيْنَنا وبَيْنَكم كِتابًا. فَدَعا الكاتِبَ، فَقالَ: «اكْتُبْ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ». فَقالَ سُهَيْلٌ: أمّا الرَّحْمَنُ فَواللَّهِ ما نَدْرِي ما هُوَ، ولَكِنِ اكْتُبْ: بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ، كَما كُنْتَ تَكْتُبُ. فَقالَ المُسْلِمُونَ: واللَّهِ لا نَكْتُبُها إلّا بِاسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «اكْتُبْ: بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ». ثُمَّ قالَ: «اكْتُبْ: هَذا ما قاضى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ» فَقالَ سُهَيْلٌ: فَواللَّهِ! لَوْ كُنّا نَعْلَمُ أنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ ما صَدَدْناكَ عَنِ البَيْتِ ولا قاتَلْناكَ، ولَكِنِ اكْتُبْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ. فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إنِّي رَسُولُ اللَّهِ وإنْ كَذَّبْتُمُونِي! اكْتُبْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ». فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «عَلى أنْ تُخَلُّوا بَيْنَنا وبَيْنَ البَيْتِ فَنَطُوفُ بِهِ» فَقالَ سُهَيْلٌ: واللَّهِ! لا تَتَحَدَّثُ العَرَبُ أنَّنا أُخِذْنا ضَغْطَةً، ولَكِنْ لَكَ مِنَ العامِ المُقْبِلِ، فَكَتَبَ فَقالَ سُهَيْلٌ: عَلى أنْ لا يَأْتِيَكَ مِنّا رَجُلٌ، وإنْ كانَ عَلى دِينِكَ، إلّا رَدَدْتَهُ إلَيْنا. فَقالَ المُسْلِمُونَ سُبْحانَ اللَّهُ! كَيْفَ يُرَدُّ إلى المُشْرِكِينَ، وقَدْ جاءَ مُسْلِمًا؟!
فَبَيْنا هم كَذَلِكَ إذْ جاءَ أبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلٍ يَرْسُفُ في قُيُودِهِ، قَدْ خَرَجَ مِن أسْفَلِ مَكَّةَ، حَتّى رَمى بِنَفْسِهِ بَيْنَ ظُهُورِ المُسْلِمِينَ. فَقالَ سُهَيْلٌ: هَذا يا مُحَمَّدُ أوَّلُ مَن قاضَيْتُكَ عَلَيْهِ أنْ تَرُدَّهُ، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إنّا لَمْ نَقْضِ الكِتابَ بَعْدُ» فَقالَ: فَواللَّهِ! إذَنْ لا أُصالِحُكَ عَلى شَيْءٍ أبَدًا. فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «فَأجِزْهُ لِي» قالَ: ما أنا بِمُجِيزِهِ لَكَ، قالَ: «بَلى، فافْعَلْ». قالَ: ما أنا بِفاعِلٍ. قالَ مِكْرَزٌ: قَدْ أجَزْناهُ لَكَ. فَقالَ أبُو جَنْدَلٍ: يا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ! أُرَدُّ إلى المُشْرِكِينَ وقَدْ جِئْتُ مُسْلِمًا، ألا تَرَوْنَ ما لَقِيتُ -وكانَ قَدْ عُذِّبَ عَذابًا شَدِيدًا في اللَّهِ-.
قالَ عُمْرُ بْنُ الخَطّابِ: واللَّهِ! ما شَكَكْتُ مُنْذُ أسْلَمْتُ إلّا يَوْمَئِذٍ، فَأتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَقُلْتُ يا رَسُولَ اللَّهِ! ألَسْتَ نَبِيَّ اللَّهِ؟ قالَ: «بَلى !» قُلْتُ: ألَسْنا عَلى الحَقِّ، وعَدُوُّنا عَلى الباطِلِ؟ قالَ: «بَلى !» فَقُلْتُ: عَلى ما نُعْطِي الدَّنِيَّةَ في دِينِنا، ونَرْجِعُ ولَمّا يَحْكُمِ اللَّهُ بَيْنَنا وبَيْنَ أعْدائِنا؟ فَقالَ: «إنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وهو ناصِرِي، ولَسْتُ أعْصِيهِ». قُلْتُ: أوَلَسْتَ كُنْتَ تُحَدِّثُنا أنّا سَنَأْتِي البَيْتَ ونَطُوفُ بِهِ؟ قالَ: «بَلى ! أفَأخْبَرْتُكَ أنَّكَ تَأْتِيهِ العامَ؟» قُلْتُ: لا ! قالَ: «فَإنَّكَ آتِيهِ، وتَطُوفُ بِهِ!» قالَ فَأتَيْتُ أبا بَكْرٍ، فَقُلْتُ لَهُ كَما قُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، ورَدَّ عَلَيْهِ أبُو بَكْرٍ كَما رَدَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَواءٌ، وزادَ: فاسْتَمْسِكْ بِغَرْزِهِ حَتّى تَمُوتَ (p-٥٤٠٨)فَواللَّهِ ! إنَّهُ لَعَلى الحَقِّ. قالَ عُمَرُ فَعَمِلْتُ لِذَلِكَ أعْمالًا.
فَلَمّا فَرَغَ مِن قَضِيَّةِ الكِتابِ قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «قُومُوا وانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا». فَواللَّهِ ! ما قامَ مِنهم رَجُلٌ حَتّى قالَ ثَلاثَ مَرّاتٍ، فَلَمّا لَمْ يَقُمْ مِنهم أحَدٌ قامَ فَدَخَلَ عَلى أُمِّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَ لَها ما لَقِيَ مِنَ النّاسِ، فَقالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يا رَسُولَ اللَّهِ! أتُحِبُّ ذَلِكَ؟ اخْرُجْ ثُمَّ لا تُكَلِّمْ أحَدًا كَلِمَةً حَتّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وتَدْعُوَ حالِقَكَ فَيَحْلِقُ لَكَ. فَقامَ فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أحَدًا مِنهُمْ، حَتّى فَعَلَ ذَلِكَ؛ نَحَرَ بُدْنَهُ، ودَعا حالِقَهُ فَحَلَقَهُ. فَلَمّا رَأى النّاسُ ذَلِكَ قامُوا فَنَحَرُوا، وجَعَلَ بَعْضُهم يَحْلِقُ بَعْضًا، حَتّى كادَ بَعْضُهم يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا.
ثُمَّ جاءَتْ نِسْوَةٌ مُؤْمِناتٌ، فَأنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا جاءَكُمُ المُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ﴾ [الممتحنة: ١٠] حَتّى بَلَغَ: ﴿بِعِصَمِ الكَوافِرِ﴾ [الممتحنة: ١٠] فَطَلَّقَ عُمَرُ يَوْمَئِذٍ امْرَأتَيْنِ كانَتا لَهُ في الشِّرْكِ. فَتَزَوَّجَ إحْداهُما مُعاوِيَةُ، والأُخْرى صَفْوانُ بْنُ أُمَيَّةَ. ثُمَّ رَجَعَ إلى المَدِينَةِ، وفي مَرْجِعِهِ أنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ: ﴿إنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾ [الفتح: ١] الآياتِ. فَقالَ عُمَرُ: أفَتْحٌ هو يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قالَ: «نَعَمْ!» فَقالَ الصَّحابَةُ: هَنِيئًا لَكَ يا رَسُولَ اللَّهِ! فَما لَنا! فَأنْزَلَنا اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿هُوَ الَّذِي أنْـزَلَ السَّكِينَةَ في قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ﴾ [الفتح: ٤] الآيَةَ.
ولَمّا رَجَعَ إلى المَدِينَةِ جاءَهُ أبُو بَصِيرٍ -رَجُلٌ مِن قُرَيْشٍ - مُسْلِمًا، فَأرْسَلُوا في طَلَبِهِ رَجُلَيْنِ، وقالُوا: العَهْدُ الَّذِي جَعَلْتَ لَنا! فَدَفَعَهُ إلى الرَّجُلَيْنِ، فَخَرَجا بِهِ، حَتّى بَلَغا ذا الحُلَيْفَةِ، فَنَزَلُوا يَأْكُلُونَ مِن تَمْرٍ لَهُمْ، فَقالَ أبُو بَصِيرٍ لِأحَدِ الرَّجُلَيْنِ: واللَّهِ إنِّي لَأرى سَيْفَكَ هَذا جَيِّدًا، فاسْتَلَّهُ الآخَرُ، فَقالَ: أجَلْ! واللَّهِ إنَّهُ لَجَيِّدٌ، لَقَدْ جَرَّبْتُ بِهِ ثُمَّ جَرَّبْتُ. فَقالَ أبُو بَصِيرٍ أرِنِي أنْظُرُ إلَيْهِ، فَأمْكَنَهُ مِنهُ، فَضَرَبَهُ حَتّى بَرَدَ، وفَرَّ الآخَرُ يَعْدُو، حَتّى بَلَغَ المَدِينَةَ، فَدَخَلَ المَسْجِدَ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حِينَ رَآهُ: «لَقَدْ رَأى هَذا زُعْرًا». فَلَمّا انْتَهى إلى النَّبِيِّ ﷺ قالَ: قُتِلَ واللَّهِ! صاحِبِي، وإنِّي لَمَقْتُولٌ. وجاءَ أبُو بَصِيرٍ فَقالَ: يا نَبِيَّ اللَّهِ! قَدْ أوْفى اللَّهُ ذِمَّتَكَ، وقَدْ رَدَدْتَنِي إلَيْهِمْ، فَأنْجانِي اللَّهُ مِنهم. فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: (p-٥٤٠٩)«ويْلَ أُمِّهِ ! مِسْعَرَ حَرْبٍ لَوْ كانَ لَهُ أحَدٌ». فَلَمّا سَمِعَ ذَلِكَ عَلِمَ أنَّهُ سَيَرُدُّهُ إلَيْهِمْ، فَخَرَجَ حَتّى أتى سَيْفَ البَحْرِ، وتَفَلَّتَ مِنهم أبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلٍ، فَلَحِقَ بِأبِي بَصِيرٍ، فَلا يَخْرُجُ مِن قُرَيْشٍ رَجُلٌ قَدْ أسْلَمَ إلّا لَحِقَ بِأبِي بَصِيرٍ حَتّى اجْتَمَعَتْ مِنهم عِصابَةٌ. فَواللَّهِ! لا يَسْمَعُونَ بِعِيرٍ لِقُرَيْشٍ خَرَجَتْ إلى الشّامِ إلّا اعْتَرَضُوا لَها فَقَتَلُوهُمْ، وأخَذُوا أمْوالَهم. وأرْسَلَتْ قُرَيْشٌ إلى النَّبِيِّ ﷺ تُناشِدُهُ اللَّهَ والرَّحِمَ لِما أرْسَلَ إلَيْهِمْ، فَمَن أتاهُ فَهو آمِنٌ، فَأنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وهُوَ الَّذِي كَفَّ أيْدِيَهم عَنْكُمْ﴾ [الفتح: ٢٤] الآيَةَ.
وجَرى الصُّلْحُ بَيْنَ المُسْلِمِينَ، وأهْلِ مَكَّةَ عَلى وضْعِ الحَرْبِ عَشْرَ سِنِينَ، وأنْ يَأْمَنَ النّاسُ بَعْضُهم مِن بَعْضٍ، وأنْ يَرْجِعَ عَنْهم عامَهم ذَلِكَ، حَتّى إذا كانَ العامَ المُقْبِلَ، قَدَّمَها، وخَلَّوْا بَيْنَهُ وبَيْنَ مَكَّةَ، فَأقامَ بِها ثَلاثًا، وأنَّهُ لا يَدْخُلُها إلّا سِلاحُ الرّاكِبِ، والسُّيُوفُ في القُرْبِ، وأنَّ مَن أتانا مِن أصْحابِكم لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ، ومَن أتاكَ مِن أصْحابِنا رَدَدْتَهُ عَلَيْنا، وأنَّ بَيْنَنا وبَيْنَكَ عَيْبَةً مَكْفُوفَةً، وأنَّهُ لا إسْلالَ ولا إغْلالَ. فَقالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ! نُعْطِيهِمْ هَذا؟ فَقالَ: مَن أتاهم مِنّا، فَأبْعَدَهُ اللَّهُ، ومَن أتانا مِنهم فَرَدَدْناهُ إلَيْهِمْ، جَعَلَ اللَّهُ لَهُ فَرَجًا ومَخْرَجًا».
هَذا ولْيُنْظَرْ تَتِمَّةُ ما في فَوائِدِ هَذِهِ الغَزْوَةِ ولَطائِفِها في (زادِ المَعادِ).
{"ayah":"إِنَّ ٱلَّذِینَ یُبَایِعُونَكَ إِنَّمَا یُبَایِعُونَ ٱللَّهَ یَدُ ٱللَّهِ فَوۡقَ أَیۡدِیهِمۡۚ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا یَنكُثُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ أَوۡفَىٰ بِمَا عَـٰهَدَ عَلَیۡهُ ٱللَّهَ فَسَیُؤۡتِیهِ أَجۡرًا عَظِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











