الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[٩] ﴿قُلْ ما كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وما أدْرِي ما يُفْعَلُ بِي ولا بِكم إنْ أتَّبِعُ إلا ما يُوحى إلَيَّ وما أنا إلا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ .
﴿قُلْ ما كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ﴾ أيْ: ما كُنْتُ أوَّلَ رُسُلِ اللَّهِ الَّتِي أرْسَلَها إلى خَلْقِهِ. قَدْ كانَ مِن قَبْلِي لَهُ رُسُلٌ كَثِيرَةٌ أُرْسِلَتْ إلى أُمَمٍ قَبْلَكُمْ، فَلِمَ تَسْتَنْكِرُونَ بَعْثَتِي، وتَسْتَبْعِدُونَ رِسالَتِي، كَقَوْلِهِ: ﴿وما مُحَمَّدٌ إلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾ [آل عمران: ١٤٤] و(البِدْعُ): كالبَدِيعِ، بِمَعْنى الجَدِيدِ المُبْتَدَأِ. قالَ ابْنُ جَرِيرٍ: ومِنَ البِدَعِ قَوْلُ عَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ:
؎فَلاْ أناْ بِدْعٌ مِن حَوادِثَ تَعْتَرِي رِجالًا عَرَتْ مِن بَعْدِ بُؤْسى وأسْعُدِ
(p-٥٣٤٢)ومِنَ البَدِيعِ قَوْلُ الأحْوَصِ:
؎فَخَرَتْ فانْتَمَتْ فَقُلْتُ: ذَرِينِي ∗∗∗ لَيْسَ جَهْلٌ أُتِيتِهِ بِبِدِيعِ
﴿وما أدْرِي ما يُفْعَلُ بِي ولا بِكُمْ﴾ قالَ أبُو السُّعُودِ: أيْ: أيُّ شَيْءٍ يُصِيبُنا فِيما يَسْتَقْبِلُ مِنَ الزَّمانِ، مِن أفْعالِهِ تَعالى، وماذا يُقَدِّرُ لَنا مِن قَضاياهُ. وعَنِ الحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ما أدْرِي ما يَصِيرُ إلَيْهِ أمْرِي، وأمْرُكم في الدُّنْيا. وقِيلَ: يَجُوزُ أنْ يَكُونَ المَنفِيُّ هو الدِّرايَةَ المُفَصَّلَةَ. والأظْهَرُ أنَّ (ما) عِبارَةٌ عَمّا لَيْسَ عِلْمُهُ مِن وظائِفِ النُّبُوَّةِ مِنَ الحَوادِثِ والواقِعاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ، دُونَ ما سَيَقَعُ في الآخِرَةِ، فَإنَّ العِلْمَ بِذَلِكَ مِن وظائِفِ النُّبُوَّةِ، وقَدْ ورَدَ بِهِ الوَحْيُ النّاطِقُ بِتَفاصِيلِ ما يُفْعَلُ بِالجانِبَيْنِ. انْتَهى.
وهَذا الأظْهَرُ يَقْرُبُ مِن قَوْلِ الحَسَنِ. وهو ما عَوَّلَ عَلَيْهِ ابْنُ جَرِيرٍ. قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: بَلْ لا يَجُوزُ غَيْرُهُ. كَيْفَ؟ وهو ﷺ جازِمٌ بِأنَّهُ صائِرٌ إلى الجَنَّةِ، هو ومَنِ اتَّبَعَهُ بِإحْسانٍ. وأمّا في الدُّنْيا، فَلَمْ يَدْرِ ما كانَ يَؤُولُ إلَيْهِ أمْرُهُ، وأمْرُ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ، أيُؤْمِنُونَ، أمْ يَكْفُرُونَ فَيُعَذَّبُونَ فَيُسْتَأْصَلُونَ بِكُفْرِهِمْ. فَأمّا الحَدِيثُ الَّذِي رَواهُ الإمامُ أحْمَدُ عَنْ أُمِّ العَلاءِ، وكانَتْ بايَعَتِ (p-٥٣٤٣)النَّبِيَّ ﷺ، قالَتْ: («طارَ لَنا في السُّكْنى، حِينَ اقْتَرَعَتِ الأنْصارُ عَلى سُكْنى المُهاجِرِينَ، عُثْمانُ بْنُ مَظْعُونٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فاشْتَكى عُثْمانُ عِنْدَنا، فَمَرَّضْناهُ. حَتّى إذا تُوُفِّيَ أدْرَجْناهُ في أثْوابِهِ، فَدَخَلَ عَلَيْنا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ، أبا السّائِبِ ! شَهادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أكْرَمَكَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أمّا هو فَقَدْ جاءَهُ اليَقِينُ مِن رَبِّهِ، وإنِّي لَأرْجُو لَهُ الخَيْرَ. واللَّهِ! ما أدْرِي -وأنا رَسُولُ اللَّهِ- ما يُفْعَلُ بِي!» قالَتْ: فَقُلْتُ: واللَّهِ! لا أُزَكِّي أحَدًا بَعْدَهُ أبَدًا وأحْزَنَنِي ذَلِكَ. فَنِمْتُ، فَرَأيْتُ لِعُثْمانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَيْنًا تَجْرِي، فَجِئْتُ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «ذاكَ عَمَلُهُ») فَقَدِ انْفَرَدَ بِإخْراجِهِ البُخارِيُّ دُونَ مُسْلِمٍ، وفي لَفْظٍ لَهُ: «ما أدْرِي -وأنا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ- ما يُفْعَلُ بِهِ»» . وهَذا أشْبَهُ أنْ يَكُونَ هو المَحْفُوظَ، بِدَلِيلِ قَوْلِها: فَأحْزَنَنِي ذَلِكَ. وفي هَذا وأمْثالِهِ دَلالَةٌ عَلى أنَّهُ لا يُقْطَعُ لِمُعَيَّنٍ بِالجَنَّةِ، إلّا الَّذِي نَصَّ الشّارِعُ عَلى تَعْيِينِهِمْ، كالعَشَرَةِ، وابْنِ سَلامٍ، والعُمَيْصاءِ، وبِلالٍ، وسُراقَةَ، وعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرامٍ، (والِدِ جابِرٍ)، والقُرّاءِ السَّبْعِينَ الَّذِينَ قُتِلُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ، وزَيْدِ بْنِ حارِثَةَ، وجَعْفَرٍ، وابْنِ رَواحَةَ، وما أشْبَهَ هَؤُلاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمُ. انْتَهى كَلامُ ابْنِ كَثِيرٍ.
وقالَ المَهايِمِيُّ: ﴿وما أدْرِي ما يُفْعَلُ بِي ولا بِكُمْ﴾ أيْ: فِيما لَمْ يُوحَ إلَيَّ. والوَحْيُ بِبَعْضِ الأُمُورِ لا يَسْتَلْزِمُ العِلْمَ بِالباقِي. ولَمْ يَكُنْ لِي أنْ أضُمَّ إلى الوَحْيِ كَذِبًا مِن عِنْدِي.
﴿إنْ أتَّبِعُ﴾ أيْ: في تَقْرِيرِ الأُمُورِ الغَيْبِيَّةِ: إلّا ما يُوحى إلَيَّ ﴿وما أنا إلا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ أيْ: مُنْذِرُ عِقابِ اللَّهِ عَلى كُفْرِكم بِهِ، أبانَ لَكم إنْذارُهُ، وأبانَ لَكم دُعاءَهُ إلى ما فِيهِ صَلاحُكُمْ، وسَعادَتُكم.
{"ayah":"قُلۡ مَا كُنتُ بِدۡعࣰا مِّنَ ٱلرُّسُلِ وَمَاۤ أَدۡرِی مَا یُفۡعَلُ بِی وَلَا بِكُمۡۖ إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا یُوحَىٰۤ إِلَیَّ وَمَاۤ أَنَا۠ إِلَّا نَذِیرࣱ مُّبِینࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











