الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [٦] ﴿وإذا حُشِرَ النّاسُ كانُوا لَهم أعْداءً وكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ﴾ . ﴿وإذا حُشِرَ النّاسُ﴾ أيْ: جُمِعُوا يَوْمَ القِيامَةِ لِمَوْقِفِ الحِسابِ: ﴿كانُوا﴾ أيْ: آلِهَتُهُمْ: ﴿لَهم أعْداءً﴾ أيْ: لِتَبَرُّئِهِمْ مِنهم. قالَ الشِّهابُ: " أعْداءً " اسْتِعارَةٌ، أوْ مَجازٌ مُرْسَلٌ لِلضّارِّ ﴿وكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ﴾ قالَ ابْنُ جَرِيرٍ: أيْ: وكانَتْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَعْبُدُونَها في الدُّنْيا، بِعِبادَتِهِمْ جاحِدِينَ؛ لِأنَّهم يَقُولُونَ يَوْمَ القِيامَةِ: ما أمَرْناهم بِعِبادَتِنا، ولا شَعَرْنا بِعِبادَتِهِمْ إيّانا، تَبَرَّأْنا إلَيْكَ مِنهُمْ، يا رَبَّنا! أيْ: فالتَّكْذِيبُ بِلِسانِ المَقالِ، قَصْدًا إلى بَيانِ أنَّ مَعْبُودَهم في الحَقِيقَةِ الشَّياطِينُ، وأهْواؤُهم. وقالَ القاشانِيُّ: كانُوا أعْداءً، لِأنَّ عِبادَةَ أهْلِ الدُّنْيا لِسادَتِهِمْ وخِدْمَتِهِمْ إيّاهُمْ، لا تَكُونُ إلّا لِغَرَضٍ نَفْسانِيٍّ. وكَذا اسْتِعْبادُ المَوالِي لِخَدَمِهِمْ، فَإذا ارْتَفَعَتِ الأغْراضُ، وزالَتِ العِلَلُ والأسْبابُ، كانُوا لَهم أعْداءً، وأنْكَرُوا عِبادَتَهُمْ، ويَقُولُنَّ: ما خَدَمْتُمُونا، ولَكِنْ خَدَمْتُمْ أنْفُسَكم. كَما قِيلَ في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: ﴿الأخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهم لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾ [الزخرف: ٦٧] انْتَهى. وقِيلَ: الضَّمِيرُ فِي: " كانُوا " في المَوْضِعَيْنِ، لِلْعابِدِينَ، لِئَلّا يَلْزَمَ التَّفْكِيكُ. وفِيهِ نَظَرٌ: لِأنَّهُ اخْتِلافُ المُتَبادِرِ مِنَ السِّياقِ؛ إذْ هو لِبَيانِ حالِ الآلِهَةِ مَعَهُمْ، لا عَكْسُهُ، ولِأنَّ كُفْرَهم (p-٥٣٤٠)حِينَئِذٍ إنْكارٌ لِعِبادَتِهِمْ. وتَسْمِيَتُهُ كُفْرًا، خِلافُ الظّاهِرِ أيْضًا. وقَدْ أوْضَحَ ذَلِكَ آيَةُ: ﴿واتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهم عِزًّا﴾ [مريم: ٨١] ﴿كَلا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ ويَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا﴾ [مريم: ٨٢] والقُرْآنُ يُفَسِّرُ بَعْضُهُ بَعْضًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب