(p-٥٣٢١)القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[ ١٤] ﴿قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أيّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾ .
﴿قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ أيْ: صَدَّقُوا بِاللَّهِ واتَّبَعُوكَ: ﴿يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أيّامَ اللَّهِ﴾ أيْ: لا يَخافُونَ بَأْسَ اللَّهِ ونِقَمَهُ، ووَقائِعَهُ بِأعْدائِهِ: ﴿لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾ أيْ: مِن عِلْمِهِمْ. ومِنهُ العَفْوُ، والتَّجاوُزُ عَنْ بَعْضِ ما يُؤْذِي ويُوحِشُ. وقَدْ رُوِيَ أنَّها نَزَلَتْ في عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وقَدْ شَتَمَهُ رَجُلٌ مِن غِفارٍ، فَهَمَّ أنْ يَبْطِشَ بِهِ، فَتَكُونُ الآيَةُ مَدَنِيَّةً. قِيلَ: يُؤَيِّدُهُ ما أُورِدَ عَلى كَوْنِها مَكِّيَّةً. مِن أنَّ مَن أسْلَمَ بِها كانُوا مَقْهُورِينَ فَلا يُمْكِنُهُمُ الِانْتِصارُ مِنهُمْ، والعاجِزُ لا يُؤْمَرُ بِالعَفْوِ والصَّفْحِ، وأُجِيبَ بِأنَّ المُرادَ أنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ بَيْنَهُ وبَيْنَ اللَّهِ بِقَلْبِهِ، لِيُثابَ عَلَيْهِ. مَعَ أنَّ دَوامَ عَجْزِ كُلِّ أحَدٍ مِنهم غَيْرُ مَعْلُومٍ. فالصَّوابُ أنَّ الآيَةَ مَكِّيَّةٌ كالسُّورَةِ. ومَعْنى نُزُولِها في عُمَرَ -إنْ صَحَّ- صِدْقُها عَلى قَضِيَّتِهِ، والِاسْتِشْهادُ بِها لِسَماحِهِ. كَما حَقَّقْنا المُرادَ مِنَ النُّزُولِ، غَيْرَ ما مَرَّةٍ.
{"ayah":"قُل لِّلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ یَغۡفِرُوا۟ لِلَّذِینَ لَا یَرۡجُونَ أَیَّامَ ٱللَّهِ لِیَجۡزِیَ قَوۡمَۢا بِمَا كَانُوا۟ یَكۡسِبُونَ"}