الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [ ٩، ١٠] ﴿أمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أوْلِياءَ فاللَّهُ هو الوَلِيُّ وهو يُحْيِي المَوْتى وهو عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ ﴿وما اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إلى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وإلَيْهِ أُنِيبُ﴾ [الشورى: ١٠] . ﴿أمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أوْلِياءَ﴾ أيْ: يَتَوَلَّوْنَهُمْ، مَعَ أنَّهُ لا وِلايَةَ لَهم في الحَقِيقَةِ؛ إذْ لا قُدْرَةَ ولا قُوَّةَ: ﴿فاللَّهُ هو الوَلِيُّ﴾ أيْ: هو الَّذِي يَجِبُ أنْ يُتَوَلّى وحْدَهُ، ويُعْتَقَدَ أنَّهُ المَوْلى والسَّيِّدُ دُونَ غَيْرِهِ، لِتَوَلِّيهِ سُبْحانَهُ كُلَّ شَيْءٍ، وسُلْطانِهِ وحُكْمِهِ. والفاءُ جَوابُ شَرْطٍ مُقَدَّرٌ. كَأنَّهُ قِيلَ بَعْدَ إنْكارِ كُلِّ ولِيٍّ سِواهُ: إنْ أرادُوا ولِيًّا بِحَقٍّ فاللَّهُ هو الوَلِيُّ بِالحَقِّ، لا ولِيَّ سِواهُ: ﴿وهُوَ يُحْيِي المَوْتى وهو عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ أيْ: هو المُحْيِي القادِرُ، (p-٥٢٢٤)فَكَيْفَ تَسْتَقِيمُ وِلايَةُ غَيْرِهِ؟، وقَوْلُهُ: ﴿وما اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إلى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وإلَيْهِ أُنِيبُ﴾ [الشورى: ١٠] تَمْهِيدٌ لِما يَأْتِي بَعْدُ، مِنَ الأمْرِ بِإقامَةِ الدِّينِ وعَدَمِ التَّفْرِيقِ فِيهِ، الَّذِي هو وصِيَّةُ اللَّهِ تَعالى لِأنْبِيائِهِ، وشِرْعَتُهُ لِخَلْقِهِ، وتَنْبِيهٌ عَلى أنَّ خِلافَ مَن خالَفَ مِنَ المُشْرِكِينَ والكافِرِينَ، إنَّما مَرَدُّهُ إلى اللَّهِ تَعالى، وحُكْمِهِ، وقَضائِهِ، أنَّهُ لا دِينَ إلّا دِينُهُ، ولا عِبادَةَ إلّا عِبادَتُهُ، ولا حَلالَ إلّا ما أحَلَّهُ، ولا حَرامَ إلّا ما حَرَّمَهُ، والقَصْدُ الرَّدُّ عَلى مُشْرِكِي مَكَّةَ وأمْثالِهِمْ، في تَشْرِيعِهِمْ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ، وتَحْكِيمِهِمْ اتِّباعَ الآباءِ وأفانِينِ الأهْواءِ. فَإنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ، ومَعَ ذَلِكَ، فَتَدُلُّ الآيَةُ عَلى أنَّ ما اخْتَلَفَ فِيهِ المُخْتَلِفُونَ وتَنازَعُوا في شَيْءٍ مِنَ الخُصُوماتِ، يَجِبُ أنْ يَكُونَ التَّحاكُمُ فِيهِ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وأنْ لا يُوثَرَ عَلى حُكُومَتِهِ حُكُومَةُ غَيْرِهِ. كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَإنْ تَنازَعْتُمْ في شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللَّهِ والرَّسُولِ﴾ [النساء: ٥٩] وتَدُلُّ أيْضًا عَلى الرُّجُوعِ إلى المُحْكَمِ مِن كِتابِ اللَّهِ، والظّاهِرِ مِن سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، إذا اخْتَلَفُوا في تَأْوِيلِ آيَةٍ واشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ. وعَلى تَفْوِيضِ ما لَمْ تَصِلْ إلى دَرْكِهِ العُقُولُ، إلى اللَّهِ تَعالى، بِأنْ يُقالَ: اللَّهُ أعْلَمُ. كَما في قَوْلِهِ: ﴿ويَسْألُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِن أمْرِ رَبِّي﴾ [الإسراء: ٨٥] وقَوْلُهُ: ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي﴾ [الشورى: ١٠] بِتَقْدِيرِ: (قُلْ)، أوْ هو حِكايَةٌ لِقَوْلِهِ ﷺ. أيِ الَّذِي هَذِهِ الصِّفاتُ صِفاتُهُ، رَبِّي لا آلِهَتُكُمُ الَّتِي تَدْعُونَ مِن دُونِهِ، الَّتِي لا تَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ. ﴿عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ﴾ [الشورى: ١٠] أيْ: في أُمُورِي كُلِّها: ﴿وإلَيْهِ أُنِيبُ﴾ [الشورى: ١٠] أيْ: أرْجِعُ في المَعادِ، أوْ مِنَ الذُّنُوبِ، أوْ في الأُمُورِ المُعْضِلَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب