الباحث القرآني

(p-١٤٠٥)القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ما أصابَكَ مِن حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وما أصابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَفْسِكَ وأرْسَلْناكَ لِلنّاسِ رَسُولا وكَفى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ [٧٩] ﴿ما أصابَكَ مِن حَسَنَةٍ﴾ أيْ: نِعْمَةٍ ﴿فَمِنَ اللَّهِ﴾ أيْ: فَمِن نِعْمَتِهِ وتَفَضُّلِهِ ابْتِداءً ﴿وما أصابَكَ مِن سَيِّئَةٍ﴾ أيْ: بَلِيَّةٍ ﴿فَمِن نَفْسِكَ﴾ أيْ: مِن شُؤْمِها بِسَبَبِ اقْتِرافِها المَعاصِيَ المُوجِبَةَ لَها، وإنْ كانَتْ مِن حَيْثُ الإيجادِ مُنْتَسِبَةً إلَيْهِ تَعالى، نازِلَةً مِن عِنْدِهِ عُقُوبَةً، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وما أصابَكم مِن مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أيْدِيكم ويَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى: ٣٠] [الشُّورى: ٣٠]. رَوى ابْنُ عَساكِرَ، عَنِ البَراءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «ما مِن عَثْرَةٍ ولا اخْتِلاجِ عِرْقٍ ولا خَدْشِ عُودٍ إلّا بِما قَدَّمَتْ أيْدِيكُمْ، وما يَغْفِرُ اللَّهُ أكْثَرُ» . ورَوى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أبِي مُوسى الأشْعَرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «لا يُصِيبُ عَبْدًا نُكْتَةٌ فَما فَوْقَها أوْ دُونَها إلّا بِذَنْبٍ، وما يَعْفُو اللَّهُ عَنْهُ أكْثَرُ، قالَ وقَرَأ: ﴿وما أصابَكم مِن مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أيْدِيكم ويَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى: ٣٠]» . (p-١٤٠٦)لَطِيفَةٌ الخِطابُ فِي: ﴿أصابَكَ﴾ عامٌّ لِكُلِّ مَن يَقِفُ عَلَيْهِ، لا لِلنَّبِيِّ ﷺ، كَقَوْلِهِ: ؎إذا أنْتَ أكْرَمْتَ الكَرِيمَ مَلَكْتَهُ ويَدْخُلُ فِيهِ المَذْكُورُونَ دُخُولًا أوَّلِيًّا، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ الخِطابُ لَهُ ﷺ كَما قَبْلَهُ وما بَعْدَهُ، لَكِنْ لا لِبَيانِ حالِهِ ﷺ، بَلْ لِبَيانِ حالِ الكَفَرَةِ بِطَرِيقِ التَّصْوِيرِ، ولَعَلَّ ذَلِكَ لِإظْهارِ كَمالِ السُّخْطِ والغَضَبِ عَلَيْهِمْ، والإشْعارِ بِأنَّهم لِفَرْطِ جَهْلِهِمْ وبَلادَتِهِمْ بِمَعْزِلٍ مِنِ اسْتِحْقاقِ الخِطابِ، لا سِيَّما بِمِثْلِ هَذِهِ الحِكْمَةِ الأنِيقَةِ، قَرَّرَهُ أبُو السُّعُودِ. قالَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ: وثَمَرَةُ الآيَةِ رَدُّ التَّطَيُّرِ والتَّشاؤُمِ. ﴿وأرْسَلْناكَ لِلنّاسِ رَسُولا﴾ بَيانٌ لِجَلالَةِ مَنصِبِهِ ﷺ ومَكانَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، بَعْدَ بَيانِ بُطْلانِ زَعْمِهِمُ الفاسِدِ في حَقِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - بِناءً عَلى جَهْلِهِمْ بِشَأْنِهِ الجَلِيلِ، وتَعْرِيفُ (النّاسِ) لِلِاسْتِغْراقِ، أفادَهُ أبُو السُّعُودِ، أيْ: فَمِن أيْنَ يُتَصَوَّرُ لَكَ الشُّؤْمُ وقَدْ أُرْسِلْتَ داعِيًا العُمُومَ إلى الخَيْراتِ؟! فَأنْتَ مَنشَأُ كُلِّ خَيْرٍ ورَحْمَةٍ ﴿وكَفى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ أيْ: عَلى رِسالَتِكَ وصِدْقِكَ بِإظْهارِ المُعْجِزاتِ عَلى يَدَيْكَ، أيْ: وإذا ثَبَتَتْ رِسالَتُكَ فاليُمْنُ في طاعَتِكَ، والشُّؤْمُ في مُخالَفَتِكَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب