الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
﴿ولا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكم قِيامًا وارْزُقُوهم فِيها واكْسُوهم وقُولُوا لَهم قَوْلا مَعْرُوفًا﴾ [٥]
﴿ولا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكم قِيامًا وارْزُقُوهم فِيها واكْسُوهم وقُولُوا لَهم قَوْلا مَعْرُوفًا﴾ اعْلَمْ أنَّ في الآيَةِ وُجُوهًا يَحْتَمِلُها النَّظْمُ الكَرِيمُ:
(p-١١٢٥)الأوَّلُ: أنْ يُرادَ بِالسُّفَهاءِ اليَتامى، كَما رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، والخِطابُ حِينَئِذٍ لِلْأوْلِياءِ، نُهُوا أنْ يُؤْتُوا اليَتامى أمْوالَهم مَخافَةَ أنْ يُضَيِّعُوها لِقِلَّةِ عُقُولِهِمْ؛ لِأنَّ السَّفِيهَ هو الخَفِيفُ الحِلْمِ.، وإنَّما أُضِيفَتْ لِلْأوْلِياءِ - وهي لِلْيَتامى - تَنْزِيلًا لِاخْتِصاصِها بِأصْحابِها مَنزِلَةَ اخْتِصاصِها بِالأوْلِياءِ، فَكَأنَّ أمْوالَهم عَيْنُ أمْوالِهِمْ؛ لِما بَيْنَهم وبَيْنَهم مِنَ الِاتِّحادِ الجِنْسِيِّ والنَّسَبِيِّ؛ مُبالَغَةً في حَمْلِهِمْ عَلى المُحافَظَةِ عَلَيْها، كَما قالَ تَعالى: ﴿ولا تَقْتُلُوا أنْفُسَكُمْ﴾ [النساء: ٢٩] [النِّساءِ: مِنَ الآيَةِ ٢٩]، أيْ: لا يَقْتُلُ بَعْضُكم بَعْضًا حَيْثُ عُبِّرَ عَنْ بَنِي نَوْعِهِمْ بِأنْفُسِهِمْ؛ مُبالَغَةً في زَجْرِهِمْ عَنْ قَتْلِهِمْ، فَكَأنَّ قَتْلَهم قَتْلُ أنْفُسِهِمْ، وقَدْ أيَّدَ ذَلِكَ حَيْثُ عَبَّرَ عَنْ جَعْلِها مَناطًا لِمَعاشِ أصْحابِها بِجَعْلِها مَناطًا لِمَعاشِ الأوْلِياءِ، بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكم قِيامًا﴾ أيْ: جَعَلَها اللَّهُ شَيْئًا تَقُومُونَ وتَنْتَعِشُونَ، فَلَوْ ضَيَّعْتُمُوها لَضِعْتُمْ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وارْزُقُوهم فِيها واكْسُوهُمْ﴾ أيِ: اجْعَلُوها مَكانًا لِرِزْقِهِمْ وكِسْوَتِهِمْ، بِأنْ تَتَّجِرُوا وتَتَرَبَّحُوا؛ حَتّى تَكُونَ نَفَقاتُهم مِنَ الأرْباحِ لا مِن صُلْبِ المالِ.
وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿وقُولُوا لَهم قَوْلا مَعْرُوفًا﴾ أيْ: كَلامًا لَيِّنًا تَطِيبُ بِهِ نُفُوسُهُمْ، ومِنهُ أنْ يَعِدَهم عِدَّةً جَمِيلَةً، بِأنْ يَقُولَ ولِيُّهُمْ: إذا صَلُحْتُمْ ورَشَدْتُمْ سَلَّمْنا إلَيْكم أمْوالَكم.
الوَجْهُ الثّانِي: أنْ يُرادَ بِالسُّفَهاءِ النّاسُ والصِّبْيانُ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وابْنِ مَسْعُودٍ، وغَيْرِهِما، فالخِطابُ عامٌّ، والنَّهْيُ لِكُلِّ أحَدٍ أنْ يَعْمِدَ إلى ما خَوَّلَهُ اللَّهُ تَعالى مِنَ المالِ فَيُعْطِيَهُ امْرَأتَهُ وأوْلادَهُ، ثُمَّ يَنْظُرُ إلى أيْدِيهِمْ، وإنَّما سَمّاهم سُفَهاءَ؛ اسْتِخْفافًا بِعَقْلِهِمْ واسْتِهْجانًا لِجَعْلِهِمْ قُوّامًا عَلى أنْفُسِهِمْ.
قالَ عَلِيُّ بْنُ أبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ يَقُولُ: لا تَعْمِدْ إلى مالِكَ خَوَّلَكَ اللَّهُ وجَعَلَهُ لَكَ مَعِيشَةً فَتُعْطِيَهُ امْرَأتَكَ أوِ ابْنَتَكَ ثُمَّ تُنْظَرُ إلى ما في أيْدِيهِمْ، ولَكِنْ أمْسِكْ مالَكَ وأصْلِحْهُ وكُنْ أنْتَ الَّذِي تُنْفِقُ عَلَيْهِمْ مِن كِسْوَتِهِمْ ومُؤْنَتِهِمْ ورِزْقِهِمْ.
الوَجْهُ الثّالِثُ: أنْ (p-١١٢٦)يُرادَ بِالسُّفَهاءِ كُلُّ مَن لَمْ يَكُنْ لَهُ عَقْلٌ يَفِي بِحِفْظِ المالِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ النِّساءُ والصِّبْيانُ والأيْتامُ كُلُّ مَن كانَ مَوْصُوفًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ.
قالَ الرّازِيُّ: وهَذا القَوْلُ أوْلى؛ لِأنَّ التَّخْصِيصَ بِغَيْرِ دَلِيلٍ لا يَجُوزُ.
قالَ السُّيُوطِيُّ فِي: "الإكْلِيلِ": في هَذِهِ الآيَةِ الحَجْرُ عَلى السَّفِيهِ، وأنَّهُ لا يُمَكَّنُ مِن مالِهِ، وأنَّهُ يُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنهُ ويُكْسى، ولا يُنْفَقُ في التَّبَرُّعاتِ، وأنَّهُ يُقالُ لَهُ مَعْرُوفٌ كَـ: (إنْ رَشَدْتَ دَفَعْنا إلَيْكَ مالَكَ، وإنَّما يَحْتاطُ لِنَفْعِكَ).
واسْتَدَلَّ بِعُمُومِ الآيَةِ مَن قالَ بِالحَجْرِ عَلى السَّفِيهِ البالِغِ، سَواءٌ طَرَأ عَلَيْهِ أمْ كانَ مِن حِينِ البُلُوغِ، ومَن قالَ بِالحَجْرِ عَلى مَن يُخْدَعُ في البُيُوعِ، ومَن قالَ بِأنَّ مَن يَتَصَدَّقُ عَلى مَحْجُورٍ، وشَرَطَ أنْ يُتْرَكَ في يَدِهِ لا يُسْمَعُ مِنهُ في ذَلِكَ.
لَطِيفَةٌ:
فِي قَوْلِهِ تَعالى: ﴿الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكم قِيامًا﴾ حَثٌّ عَلى حِفْظِ الأمْوالِ وعَدَمِ تَضْيِيعِها.
قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: كانَ السَّلَفُ يَقُولُونَ: المالُ سِلاحُ المُؤْمِنِ، ولَأنْ أتْرُكَ مالًا يُحاسِبُنِي اللَّهُ عَلَيْهِ خَيْرٌ مِن أنْ أحْتاجَ إلى النّاسِ.
وعَنْ سُفْيانَ - وكانَتْ لَهُ بِضاعَةٌ يُقَلِّبُها -: لَوْلاها لَتَمَندَلَ بِي بَنُو العَبّاسِ.
وعَنْ غَيْرِهِ (وقِيلَ لَهُ: إنَّها تُدْنِيكَ مِنَ الدُّنْيا): لَإنْ أدْنَتْنِي مِنَ الدُّنْيا لَقَدْ صانَتْنِي عَنْها.
وكانُوا يَقُولُونَ: اتَّجِرُوا واكْتَسِبُوا، فَإنَّكم في زَمانٍ إذا احْتاجَ أحَدُكم كانَ أوَّلُ ما يَأْكُلُ دِينَهُ، ورُبَّما رَأوْا رَجُلًا في جِنازَةٍ، فَقالُوا لَهُ: اذْهَبْ إلى دُكّانِكَ، انْتَهى.
{"ayah":"وَلَا تُؤۡتُوا۟ ٱلسُّفَهَاۤءَ أَمۡوَ ٰلَكُمُ ٱلَّتِی جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمۡ قِیَـٰمࣰا وَٱرۡزُقُوهُمۡ فِیهَا وَٱكۡسُوهُمۡ وَقُولُوا۟ لَهُمۡ قَوۡلࣰا مَّعۡرُوفࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











