الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
﴿واعْبُدُوا اللَّهَ ولا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وبِالوالِدَيْنِ إحْسانًا وبِذِي القُرْبى واليَتامى والمَساكِينِ والجارِ ذِي القُرْبى والجارِ الجُنُبِ والصّاحِبِ بِالجَنْبِ وابْنِ السَّبِيلِ وما مَلَكَتْ أيْمانُكم إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَن كانَ مُخْتالا فَخُورًا﴾ [٣٦]
﴿واعْبُدُوا اللَّهَ ولا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ يَأْمُرُ تَعالى بِعِبادَتِهِ وحْدَهُ وبِالإخْلاصِ فِيها بِقَوْلِهِ: ﴿ولا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ كَما قالَ تَعالى: ﴿وما أُمِرُوا إلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [البينة: ٥] [البَيِّنَةِ: ٥] لِأنَّهُ تَعالى هو الخالِقُ الرّازِقُ المُنْعِمُ المُتَفَضِّلُ عَلى خَلْقِهِ في جَمِيعِ الأوْقاتِ والحالاتِ، فَهو المُسْتَحِقُّ مِنهم أنْ يُوَحِّدُوهُ ولا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا مِنَ الشِّرْكِ الجَلِيِّ والخَفِيِّ لِلنَّفْسِ وشَهَواتِها، وما يُتَوَصَّلُ بِها إلَيْها مِنَ المالِ والجاهِ، وهَذِهِ العِبادَةُ حَقُّ اللَّهِ عَلَيْنا.
كَما في الصَّحِيحَيْنِ «عَنْ مُعاذِ بْنِ جَبَلٍ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ لَهُ: يا مُعاذُ، هَلْ تَدْرِي ما حَقُّ اللَّهِ عَلى (p-١٢٢٧)العِبادِ، وما حَقُّ العِبادِ عَلى اللَّهِ؟ قُلْتُ: اللَّهُ ورَسُولُهُ أعْلَمُ، قالَ: حَقُّ اللَّهِ عَلى العِبادِ أنْ يَعْبُدُوهُ ولا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وحَقُّ العِبادِ عَلى اللَّهِ أنْ لا يُعَذِّبَ مَن لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا» .
ثُمَّ أوْصى سُبْحانَهُ بِالإحْسانِ إلى الوالِدَيْنِ إثْرَ تَصْدِيرِ ما يَتَعَلَّقُ بِحُقُوقِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ - الَّتِي هي آكَدُ الحُقُوقِ وأعْظَمُها - تَنْبِيهًا عَلى جَلالَةِ شَأْنِ الوالِدَيْنِ بِنَظْمِها في سِلْكِها بِقَوْلِهِ: ﴿وبِالوالِدَيْنِ إحْسانًا﴾ وقَدْ كَثُرَتْ مَواقِعُ هَذا النَّظْمِ في التَّنْزِيلِ العَزِيزِ كَقَوْلِهِ: ﴿أنِ اشْكُرْ لِي ولِوالِدَيْكَ﴾ [لقمان: ١٤] [لُقْمانَ: ١٤] ﴿وقَضى رَبُّكَ ألا تَعْبُدُوا إلا إيّاهُ وبِالوالِدَيْنِ إحْسانًا﴾ [الإسراء: ٢٣] [الإسْراءِ: ٢٣] أيْ: أحْسِنُوا بِهِما إحْسانًا يَفِي بِحَقِّ تَرْبِيَتِهِما، فَإنَّ شُكْرَهُما يَدْعُو إلى شُكْرِ اللَّهِ المُقَرِّبِ إلَيْهِ، مَعَ ما فِيهِ مِن صِلَةِ أقْرَبِ الأقارِبِ المُوجِبِ لِوَصْلَةِ اللَّهِ، وقَطْعِها لِقَطْعِهِ، ثُمَّ عَطَفَ عَلى الإحْسانِ إلَيْهِما الإحْسانَ إلى القِراباتِ مِنَ الرِّجالِ والنِّساءِ، بِقَوْلِهِ: ﴿وبِذِي القُرْبى﴾ أيِ: الأقارِبِ، وقَدْ جاءَ في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ، عَنْ سَلْمانَ بْنِ عامِرٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «الصَّدَقَةُ عَلى المِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وهي عَلى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتانِ: صِلَةٌ وصَدَقَةٌ» رَواهُ الإمامُ أحْمَدُ والتِّرْمِذِيُّ (p-١٢٢٨)والنَّسائِيُّ والحاكِمُ وابْنُ ماجَهْ.
ثُمَّ قالَ تَعالى: ﴿واليَتامى﴾ وذَلِكَ لِأنَّهم فَقَدُوا مَن يَقُومُ بِمَصالِحِهِمْ ومَن يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ، فَأمَرَ اللَّهُ بِالإحْسانِ إلَيْهِمْ والحُنُوِّ عَلَيْهِمْ؛ تَنَزُّلًا لِرَحْمَتِهِ عَزَّ وجَلَّ ﴿والمَساكِينِ﴾ وهُمُ المَحاوِيجُ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يَقُومُ بِكِفايَتِهِمْ، فَأمَرَ اللَّهُ سُبْحانَهُ بِمُساعَدَتِهِمْ بِما تَتِمُّ بِهِ كِفايَتُهُمْ، وتَزُولُ بِهِ ضَرُورَتُهم ﴿والجارِ ذِي القُرْبى﴾ أيِ: الَّذِي قَرُبَ جِوارُهُ، أوِ الَّذِي لَهُ مَعَ الجِوارِ قُرْبٌ واتِّصالٌ بِنَسَبٍ أوْ دِينٍ ﴿والجارِ الجُنُبِ﴾ أيِ: الَّذِي جِوارُهُ بَعِيدٌ، أوِ الأجْنَبِيُّ، وقالَ نَوْفٌ البِكالِيُّ: (الجارِ ذِي القُرْبى) يَعْنِي الجارَ المُسْلِمَ (والجارِ الجُنُبِ): يَعْنِي اليَهُودِيَّ والنَّصْرانِيَّ.
وقَدْ ورَدَ في الوَصِيَّةِ بِالجارِ أحادِيثُ كَثِيرَةٌ، مِنها قَوْلُهُ ﷺ: «ما زالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالجارِ حَتّى ظَنَنْتُ أنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ» أخْرَجاهُ في الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
ومِنها ما رَواهُ الإمامُ أحْمَدُ، والتِّرْمِذِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاصِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «خَيْرُ الأصْحابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهم لِصاحِبِهِ، وخَيْرُ الجِيرانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهم لِجارِهِ» .
ورَوى الإمامُ أحْمَدُ، عَنْ عُمَرَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لا يَشْبَعُ الرَّجُلُ دُونَ جارِهِ» .
قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: تَفَرَّدَ بِهِ أحْمَدُ.
وعَنِ المِقْدادِ بْنِ الأسْوَدِ قالَ: «قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِأصْحابِهِ: ما تَقُولُونَ في الزِّنا؟ قالُوا: حَرَّمَهُ اللَّهُ ورَسُولُهُ، فَهو حَرامٌ إلى يَوْمِ القِيامَةِ، قالَ: فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِأصْحابِهِ: لَأنْ يَزْنِيَ (p-١٢٢٩)الرَّجُلُ بِعَشَرَةِ نِسْوَةٍ أيْسَرُ عَلَيْهِ مِن أنْ يَزْنِيَ بِامْرَأةِ جارِهِ.
قالَ: فَقالَ: ما تَقُولُونَ في السَّرِقَةِ؟ قالُوا حَرَّمَها اللَّهُ ورَسُولُهُ، فَهي حَرامٌ، قالَ: لَأنْ يَسْرِقَ الرَّجُلُ مِن عَشَرَةِ أبْياتٍ أيْسَرُ عَلَيْهِ مِن أنْ يَسْرِقَ مِن جارِهِ».
قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: تَفَرَّدَ بِهِ أحْمَدُ، ولَهُ شاهِدٌ في الصَّحِيحَيْنِ مِن حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: قالَ: «سَألْتُ - أوْ سُئِلَ - رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: أيُّ الذَّنْبِ عِنْدَ اللَّهِ أكْبَرُ؟ قالَ: أنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وهو خَلَقَكَ قُلْتُ: ثُمَّ أيُّ؟ قالَ: ثُمَّ أنْ تَقْتُلَ ولَدَكَ خَشْيَةَ أنْ يَطْعَمَ مَعَكَ قُلْتُ: ثُمَّ أيُّ؟ قالَ: أنْ تُزانِيَ بِحَلِيلَةِ جارِكَ» .
ورَوى الإمامُ أحْمَدُ، عَنْ أبِي العالِيَةِ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الأنْصارِ قالَ: «خَرَجْتُ مِن أهْلِي أُرِيدُ النَّبِيَّ ﷺ، فَإذا أنا بِهِ قائِمٌ، ورَجُلٌ مَعَهُ مُقْبِلٌ عَلَيْهِ، فَظَنَنْتُ أنَّ لَهُما حاجَةً، قالَ: فَقالَ الأنْصارِيُّ: واللَّهِ لَقَدْ قامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتّى جَعَلْتُ أرْثِي لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِن طُولِ القِيامِ، فَلَمّا انْصَرَفَ، قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ! لَقَدْ قامَ بِكَ الرَّجُلُ حَتّى جَعَلْتُ أرْثِي لَكَ مِن طُولِ القِيامِ، قالَ: ولَقَدْ رَأيْتَهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قالَ: أتَدْرِي مَن هُوَ؟ قُلْتُ: لا، قالَ: ذاكَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ، ما زالَ يُوصِينِي بِالجارِ حَتّى ظَنَنْتُ أنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ ثُمَّ قالَ: أما إنَّكَ لَوْ سَلَّمْتَ عَلَيْهِ رَدَّ عَلَيْكَ السَّلامَ» .
ورَواهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: «جاءَ رَجُلٌ مِنَ العَوالِي ورَسُولُ اللَّهِ ﷺ وجِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ يُصَلِّيانِ حَيْثُ يُصَلّى عَلى الجَنائِزِ، فَلَمّا انْصَرَفَ، قالَ الرَّجُلُ: يا رَسُولَ اللَّهِ مَن هَذا الرَّجُلُ الَّذِي رَأيْتُ يُصَلِّي مَعَكَ؟ قالَ: وقَدْ رَأيْتَهُ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: لَقَدْ رَأيْتَ خَيْرًا كَثِيرًا، هَذا جِبْرِيلُ ما زالَ يُوصِينِي بِالجارِ حَتّى رَأيْتُ أنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ» .
قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: تَفَرَّدَ بِهِ مِن هَذا الوَجْهِ وهو شاهِدٌ لِلَّذِي قَبْلَهُ.
(p-١٢٣٠)ورَوى البَزّارُ عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: «قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الجِيرانُ ثَلاثَةٌ: جارٌ لَهُ حَقٌّ واحِدٌ، وهو أدْنى الجِيرانِ حَقًّا، وجارٌ لَهُ حَقّانِ، وجارٌ لَهُ ثَلاثَةُ حُقُوقٍ وهو أفْضَلُ الجِيرانِ حَقًّا.
فَأمّا الجارُ الَّذِي لَهُ حَقٌّ واحِدٌ: فَجارٌ مُشْرِكٌ لا رَحِمَ لَهُ، لَهُ حَقٌّ.
وأمّا الجارُ الَّذِي لَهُ حَقّانِ فَجارٌ مُسْلِمٌ لَهُ حَقُّ الإسْلامِ وحَقُّ الجِوارِ.
وأمّا الَّذِي لَهُ ثَلاثَةُ حُقُوقٍ: فَجارٌ مُسْلِمٌ ذُو رَحِمٍ لَهُ حَقُّ الجِوارِ، وحَقُّ الإسْلامِ، وحَقُّ الرَّحِمِ» .
وقَدْ رَوى الإمامُ أحْمَدُ والبُخارِيُّ «عَنْ عائِشَةَ أنَّها سَألَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقالَتْ: إنَّ لِي جارَيْنِ فَإلى أيِّهِما أُهْدِي؟ قالَ: إلى أقْرَبِهِما مِنكِ بابًا» .
ورَوى الإمامُ مُسْلِمٌ، عَنْ أبِي ذَرٍّ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يا أبا ذَرٍّ! إذا طَبَخْتَ مَرَقَةً فَأكْثِرْ ماءَها، وتَعاهَدْ جِيرانَكَ» .
وفِي رِوايَةٍ قالَ: «إذا طَبَخْتَ مَرَقًا فَأكْثِرْ ماءَها، ثُمَّ انْظُرْ إلى أهْلَ بَيْتٍ مِن جِيرانِكَ، فَأصِبْهم مِنها بِمَعْرُوفٍ» .
ورَوى الشَّيْخانِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، واللَّهِ لا يُؤْمِنُ، واللَّهِ لا يُؤْمِنُ قِيلَ: ومَن يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قالَ: الَّذِي لا يَأْمَنُ جارُهُ بَوائِقَهُ» .
ولِمُسْلِمٍ: «لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَن لا يَأْمَنُ جارُهُ بَوائِقَهُ» .
والبَوائِقُ: الغَوائِلُ والشُّرُورُ.
(p-١٢٣١)ورَوِيا عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يا نِساءَ المُسْلِماتِ، لا تَحْقِرَنَّ جارَةٌ لِجارَتِها ولَوْ فِرْسِنَ شاةٍ» .
مَعْناهُ: ولَوْ أنْ تُهْدِيَ لَها فِرْسِنَ شاةٍ، وهو الظِّلْفُ المُحَرَّقُ، وأرادَ بِهِ الشَّيْءَ الحَقِيرَ.
ورَوِيا عَنْهُ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «مَن كانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ فَلا يُؤْذِ جارَهُ» .
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿والصّاحِبِ بِالجَنْبِ﴾ قالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هو الرَّفِيقُ الصّالِحُ.
وقالَ زَيْدُ بْنُ أسْلَمَ: هو جَلِيسُكَ في الحَضَرِ ورَفِيقُكَ في السَّفَرِ، أيْ: فَإنَّهُ كالجارِ.
وأوْضَحَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ بِقَوْلِهِ: هو الَّذِي صَحِبَكَ بِأنْ حَصَلَ بِجَنْبِكَ، إمّا رَفِيقًا في سَفَرٍ وإمّا جارًا مُلاصِقًا، وإمّا شَرِيكًا في تَعَلُّمِ عِلْمٍ أوْ حِرْفَةٍ، وإمّا قاعِدًا إلى جَنْبِكَ في مَجْلِسٍ أوْ مَسْجِدٍ أوْ غَيْرِ ذَلِكَ، مِن أدْنى صُحْبَةٍ التَأمَتْ بَيْنَكَ وبَيْنَهُ، فَعَلَيْكَ أنْ تُراعِيَ ذَلِكَ الحَقَّ ولا تَنْساهُ وتَجْعَلَهُ ذَرِيعَةً إلى الإحْسانِ.
ورُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وابْنِ مَسْعُودٍ قالا: هي المَرْأةُ، أيْ: لِأنَّها تَكُونُ مَعَكَ وتَضْجَعُ إلى جَنْبِكَ.
﴿وابْنِ السَّبِيلِ﴾ أيِ: ابْنِ الطَّرِيقِ، أيِ: المُسافِرِ الغَرِيبِ الَّذِي انْقَطَعَ عَنْ بَلَدِهِ وأهْلِهِ، وهو يُرِيدُ الرُّجُوعَ إلى بَلَدِهِ ولا يَجِدُ ما يَتَبَلَّغُ بِهِ، نُسِبَ إلى السَّبِيلِ الَّذِي هو (p-١٢٣٢)الطَّرِيقُ لِمُرُورِهِ عَلَيْهِ ومُلابَسَتِهِ لَهُ، أوِ الَّذِي يُرِيدُ البَلَدَ غَيْرَ بَلَدِهِ، لِأمْرٍ يَلْزَمُهُ.
وقالَ ابْنُ عَرَفَةَ: هو الضَّيْفُ المُنْقَطَعُ بِهِ، يُعْطى قَدْرَ ما يَتَبَلَّغُ بِهِ إلى وطَنِهِ.
وقالَ ابْنُ بِرِّيٍّ: هو الَّذِي أتى بِهِ الطَّرِيقُ، كَذا في "تاجِ العَرُوسِ" ولَمْ يَذْكُرِ السَّلَفُ مِنَ المُفَسِّرِينَ وأهْلِ اللُّغَةِ (السّائِلَ) في مَعْنى ابْنِ السَّبِيلِ؛ لِأنَّهُ جاءَ تابِعًا لِابْنِ السَّبِيلِ في البَقَرَةِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿لَيْسَ البِرَّ﴾ [البقرة: ١٧٧] - إلى قَوْلِهِ: ﴿وابْنَ السَّبِيلِ والسّائِلِينَ﴾ [البقرة: ١٧٧]
قالَ بَعْضُهم في (ابْنِ السَّبِيلِ):
؎ومَنسُوبٌ إلى ما لَمْ يَلِدْهُ كَذاكَ اللَّهُ نَزَّلَ في الكِتابِ
﴿وما مَلَكَتْ أيْمانُكُمْ﴾ يَعْنِي المَمالِيكَ، فَإنَّهم ضُعَفاءُ الحِيلَةِ، أسْرى في أيْدِي النّاسِ كالمَساكِينِ، لا يَمْلِكُونَ شَيْئًا، وقَدْ ثَبَتَ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ جَعَلَ يُوصِي أُمَّتَهُ في مَرَضِ المَوْتِ يَقُولُ: الصَّلاةَ الصَّلاةَ، اتَّقُوا اللَّهَ فِيما مَلَكَتْ أيْمانُكم» رَواهُ أبُو داوُدَ، وابْنُ ماجَهْ، وهَذا لَفْظُ أبِي داوُدَ.
ورَوى الإمامُ أحْمَدُ عَنِ المِقْدامِ بْنِ مَعْدِيَكْرِبَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «ما أطْعَمْتَ نَفْسَكَ فَهو لَكَ صَدَقَةٌ، وما أطْعَمْتَ ولَدَكَ فَهو لَكَ صَدَقَةٌ، وما أطْعَمْتَ زَوْجَكَ فَهو لَكَ صَدَقَةٌ، وما أطْعَمْتَ خادِمَكَ فَهو لَكَ صَدَقَةٌ» ورَواهُ النَّسائِيُّ.
قالَ الحافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ: وإسْنادُهُ صَحِيحٌ، ولِلَّهِ الحَمْدُ.
«وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أنَّهُ قالَ لِقَهْرَمانٍ لَهُ: هَلْ أعْطَيْتَ الرَّقِيقَ قُوتَهُمْ؟ قالَ: لا، قالَ: فانْطَلِقْ فَأعْطِهِمْ، فَإنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: كَفى بِالمَرْءِ إثْمًا أنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ» رَواهُ مُسْلِمٌ.
(p-١٢٣٣)وعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «لِلْمَمْلُوكِ طَعامُهُ وكِسْوَتُهُ، ولا يُكَلَّفُ مِنَ العَمَلِ إلّا ما يُطِيقُ» رَواهُ مُسْلِمٌ أيْضًا.
وعَنْهُ أيْضًا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «إذا أتى أحَدَكم خادِمُهُ بِطَعامِهِ، فَإنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ فَلْيُناوِلْهُ أُكْلَةً أوْ أُكْلَتَيْنِ، أوْ لُقْمَةً أوْ لُقْمَتَيْنِ، فَإنَّهُ ولِيَ حَرَّهُ وعِلاجَهُ» . أخْرَجاهُ، ولَفْظُهُ لِلْبُخارِيِّ.
وعَنْ أبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «هم إخْوانُكم خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أيْدِيكُمْ، فَمَن كانَ أخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمّا يَأْكُلُ، ولْيُلْبِسْهُ مِمّا يَلْبَسُ، ولا تُكَلِّفُوهم ما يَغْلِبُهُمْ، فَإنْ كَلَّفْتُمُوهم فَأعِينُوهم» أخْرَجاهُ.
﴿إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَن كانَ مُخْتالا﴾ أيْ: مُتَكَبِّرًا عَنِ الإحْسانِ إلى مَن أُمِرَ بِبِرِّهِ ﴿فَخُورًا﴾ يُعَدِّدُ مَناقِبَهُ كِبْرًا، وإنَّما خَصَّ تَعالى هَذَيْنِ الوَصْفَيْنِ بِالذَّمِّ - في هَذا المَوْضِعِ - لِأنَّ المُخْتالَ هو المُتَكَبِّرُ، وكُلُّ مَن كانَ مُتَكَبِّرًا فَإنَّهُ قَلَّما يَقُومُ بِرِعايَةِ الحُقُوقِ، ثُمَّ أضافَ إلَيْهِ ذَمَّ الفَخُورِ؛ لِئَلّا يَقْدَمَ عَلى رِعايَةِ هَذِهِ الحُقُوقِ لِأجْلِ الرِّياءِ والسُّمْعَةِ، بَلْ لِمَحْضِ أمْرِ اللَّهِ تَعالى.
(p-١٢٣٤)رَوى أبُو داوُدَ والحاكِمُ بِإسْنادٍ صَحِيحٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قالَ: «الكِبْرُ مَن بَطَرَ الحَقَّ وغَمَطَ النّاسَ» .
ورَوى ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ أبِي رَجاءٍ الهَرَوِيِّ قالَ: لا تَجِدُ سَيِّئَ المَلَكَةِ (المِلْكَةِ) إلّا وجَدْتَهُ مُخْتالًا فَخُورًا، وتَلا: ﴿وما مَلَكَتْ أيْمانُكُمْ﴾ الآيَةَ، ولا عاقًّا إلّا وجَدْتَهُ جَبّارًا شَقِيًّا وتَلا: ﴿وبَرًّا بِوالِدَتِي ولَمْ يَجْعَلْنِي جَبّارًا شَقِيًّا﴾ [مريم: ٣٢] [مَرْيَمَ: ٣٢] وقَدْ ورَدَ في ذَمِّ الخُيَلاءِ والفَخْرِ ما هو مَعْرُوفٌ.
{"ayah":"۞ وَٱعۡبُدُوا۟ ٱللَّهَ وَلَا تُشۡرِكُوا۟ بِهِۦ شَیۡـࣰٔاۖ وَبِٱلۡوَ ٰلِدَیۡنِ إِحۡسَـٰنࣰا وَبِذِی ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡیَتَـٰمَىٰ وَٱلۡمَسَـٰكِینِ وَٱلۡجَارِ ذِی ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡجَارِ ٱلۡجُنُبِ وَٱلصَّاحِبِ بِٱلۡجَنۢبِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِیلِ وَمَا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یُحِبُّ مَن كَانَ مُخۡتَالࣰا فَخُورًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











