الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [ ٧٠ ] ﴿إنْ يُوحى إلَيَّ إلا أنَّما أنا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ . ﴿إنْ يُوحى إلَيَّ إلا أنَّما أنا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ وقُرِئَ: { إنَّما } بِالكَسْرِ عَلى اَلْحِكايَةِ. تَنْبِيهاتٌ: اَلْأوَّلُ - قالَ الرّازِيُّ: واعْلَمْ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿أنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ﴾ [ص: ٦٨] تَرْغِيبٌ في اَلنَّظَرِ والِاسْتِدْلالِ، ومَنعٌ مِنَ اَلتَّقْلِيدِ؛ لِأنَّ هَذِهِ اَلْمَطالِبَ مَطالِبُ شَرِيفَةٌ عالِيَةٌ، فَإنَّ بِتَقْدِيرِ أنْ يَكُونَ اَلْإنْسانُ فِيها عَلى اَلْحَقِّ، يَفُوزُ بِأعْظَمِ أبْوابِ اَلسَّعادَةِ، وبِتَقْدِيرِ أنْ يَكُونَ اَلْإنْسانُ فِيها عَلى اَلْباطِلِ، وقَعَ في أعْظَمِ أبْوابِ اَلشَّقاوَةِ. فَكانَتْ هَذِهِ اَلْمَباحِثُ أنْباءً عَظِيمَةً ومَطالِبَ عالِيَةً بَهِيَّةً، وصَرِيحُ اَلْعَقْلِ يُوجِبُ عَلى اَلْإنْسانِ أنْ يَأْتِيَ فِيها بِالِاحْتِياطِ اَلتّامِّ، وأنْ لا يَكْتَفِيَ بِالمُساهَلَةِ والمُسامَحَةِ. اَلثّانِي - قَدَّمَنا أنَّ أكْثَرَ اَلْمُفَسِّرِينَ عَلى تَأْوِيلِ اَلِاخْتِصامِ بِالتَّقاوُلِ في شَأْنِ آدَمَ عَلَيْهِ اَلسَّلامُ (p-٥١٢٠)مَعَ اَلْمَلائِكَةِ. وقِيلَ: مُخاصَمَتُهم مُناظَرَتُهم بَيْنَهم في اِسْتِنْباطِ اَلْعِلْمِ، كَما تَجْرِي اَلْمُناظَرَةُ بَيْنَ أهْلِ اَلْعِلْمِ في اَلْأرْضِ. حَكاهُ اَلْكَرْمانِيُّ في (" عَجائِبِهِ"). وذَهَبَ اِبْنُ كَثِيرٍ إلى أنَّهُ عَنى بِهِ ما كانَ في شَأْنِ آدَمَ عَلَيْهِ اَلسَّلامُ، وامْتِناعِ إبْلِيسَ مِنَ اَلسُّجُودِ لَهُ، ومُحاجَّتِهِ رَبَّهُ في تَفْضِيلِهِ عَلَيْهِ. وإنَّ قَوْلَهُ تَعالى بَعْدُ: ﴿إذْ قالَ رَبُّكَ﴾ [ص: ٧١] تَفْسِيرٌ لَهُ. ولَمْ أرَهُ مَأْثُورًا عَنْ أحَدٍ. بَلِ اَلْمَأْثُورُ عَنِ اِبْنِ عَبّاسٍ، وغَيْرِهِ ما تَقَدَّمَ، مِن أنَّهُ في شَأْنِ آدَمَ والمَلائِكَةِ، وهَذا كُلُّهُ عَلى إثْباتِ عِلْمِ اَلتَّخاصُمِ بِالوَحْيِ، بِتَقْدِيرِ: ما كانَ لِيَ مِن عِلْمٍ لَوْلا اَلْوَحْيُ. ولا تَنْسَ اَلْقَوْلَ اَلْآخَرَ، والنَّظْمُ اَلْكَرِيمُ يَصْدُقُ عَلى اَلْكُلِّ بِلا تَنافٍ. واللَّهُ أعْلَمُ. وقَدْ جاءَ ذِكْرُ تَخاصُمِ اَلْمَلَأِ اَلْأعْلى في حَدِيثِ اَلْإمامِ أحْمَدَ عَنْ مُعاذٍ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ قالَ: «اِحْتَبَسَ عَلَيْنا رَسُولُ اَللَّهِ صَلّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ذاتَ غَداةٍ عَنْ صَلاةِ اَلصُّبْحِ، حَتّى كِدْنا أنْ نَتَراءى قَرْنَ اَلشَّمْسِ. فَخَرَجَ صَلّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ سَرِيعًا، فَثَوَّبَ بِالصَّلاةِ، فَصَلّى، وتَجَوَّزَ في صَلاتِهِ. فَلَمّا سَلَّمَ قالَ صَلّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: «كَما أنْتُمْ» . ثُمَّ أقْبَلَ إلَيْنا فَقالَ: «إنِّي قُمْتُ مِنَ اَللَّيْلِ فَصَلَّيْتُ ما قُدِّرَ لِي، فَنَعَسْتُ في صَلاتِي حَتّى اِسْتَيْقَظْتُ، فَإذا أنا بِرَبِّي عَزَّ وجَلَّ في أحْسَنِ صُورَةٍ. فَقالَ: يا مُحَمَّدُ ! أتَدْرِي فِيمَ يَخْتَصِمُ اَلْمَلَأُ اَلْأعْلى؟ قُلْتُ: لا أدْرِي، يا رَبٍّ ! أعادَها ثَلاثًا. فَرَأيْتُهُ وضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ كَتِفِي حَتّى وجَدْتُ بَرْدَ أنامِلِهِ بَيْنَ صَدْرِي. فَتَجَلّى لِي كُلُّ شَيْءٍ وعَرَفْتُ. فَقالَ: يا مُحَمَّدُ ! فِيمَ يَخْتَصِمُ اَلْمَلَأُ اَلْأعْلى؟ قُلْتُ: في اَلْكَفّاراتِ. قالَ: وما اَلْكَفّاراتُ؟ قُلْتُ: نَقْلُ اَلْأقْدامِ إلى اَلْجَماعاتِ، والجُلُوسُ في اَلْمَساجِدِ بَعْدَ اَلصَّلَواتِ، وإسْباغُ اَلْوُضُوءِ عِنْدَ اَلْكَرِيهاتِ. قالَ: وما اَلدَّرَجاتُ؟ قُلْتُ: إطْعامُ اَلطَّعامِ، ولِينُ اَلْكَلامِ، والصَّلاةُ والنّاسُ نِيامٌ. قالَ: سَلْ. قُلْتُ: اَللَّهُمَّ ! إنِّي أسْألُكَ فِعْلَ اَلْخَيْراتِ، وتَرْكَ اَلْمُنْكَراتِ، وحُبَّ اَلْمَساكِينِ، وأنْ تَغْفِرَ لِي وتَرْحَمَنِي، وإذا أرَدْتَ فِتْنَةً (p-٥١٢١)بِقَوْمٍ، فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ، وأسْألُكَ حُبَّكَ، وحُبَّ مَن يُحِبُّكُ، وحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُنِي إلى حُبِّكَ» . وقالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: «إنَّها حَقٌّ فادْرُسُوها وتَعَلَّمُوها»» . قالَ اِبْنُ كَثِيرٍ: هَذا حَدِيثُ اَلْمَنامِ اَلْمَشْهُورِ. ومَن جَعَلَهُ يَقَظَةً فَقَدْ غَلِطَ، وهو في اَلسُّنَنِ مِن طُرُقٍ، وهَذا اَلْحَدِيثُ بِعَيْنِهِ قَدْ رَواهُ اَلتِّرْمِذِيُّ مِن حَدِيثِ جَهْضَمِ بْنِ عَبْدِ اَللَّهِ اَلْيَمامِيِّ بِهِ، وقالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. ثُمَّ قالَ اِبْنُ كَثِيرٍ: ولَيْسَ هَذا اَلِاخْتِصامَ اَلْمَذْكُورَ في اَلْقُرْآنِ، فَإنَّ هَذا قَدْ فُسِّرَ، وأمّا اَلِاخْتِصامُ اَلَّذِي في اَلْقُرْآنِ فَقَدْ فُسِّرَ بَعْدَ هَذا. اِنْتَهى. يَعْنِي قَوْلَهُ تَعالى:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب