الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[ ٤٠ ] ﴿لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أنْ تُدْرِكَ القَمَرَ ولا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وكُلٌّ في فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ (p-٥٠٠٦)﴿لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أنْ تُدْرِكَ القَمَرَ﴾ أيْ: تَجْتَمِعَ مَعَهُ في وقْتٍ واحِدٍ، وتَداخُلَهُ في سُلْطانِهِ فَتَطْمِسَ نُورَهُ: ﴿ولا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ﴾ أيْ: يَسْبِقُهُ بِأنْ يَتَقَدَّمَ عَلى وقْتِهِ فَيَدْخُلَ قَبْلَ مُضِيِّهِ. أوِ اَلْمُرادُ بِاللَّيْلِ والنَّهارِ آيَتاهُما؛ أيْ: ولا اَلْقَمَرُ سابِقُ اَلشَّمْسِ فَيَكُونَ عَكْسًا لِلْأوَّلِ؛ أيْ: ولا اَلْقَمَرُ يَنْبَغِي لَهُ أنْ يُدْرِكَ اَلشَّمْسَ. والمَعْنى عَلى هَذا، أنَّ كُلَّ واحِدٍ مِنهُما لا يَدْخُلُ عَلى اَلْآخَرِ في سُلْطانِهِ، فَيَطْمِسَ نُورَهُ، بَلْ هُما مُتَعاقِبانِ بِمُقْتَضى تَدْبِيرِهِ تَعالى، وعَلَيْهِ فَسِرُّ إيثارِ: (سابِقُ) عَلى (مُدْرِكُ)، كَما قَبْلَهُ، هو أنَّ اَلسَّبْقَ مُناسِبٌ لِسُرْعَةِ سَيْرِ اَلْقَمَرِ؛ إذِ اَلسَّبْقُ يُشْعِرُ بِالسُّرْعَةِ، والإدْراكُ بِالبُطْءِ؛ وكَذَلِكَ اَلشَّمْسُ بَطِيئَةُ اَلسَّيْرِ تَقْطَعُ فَلَكَها في سَنَةٍ. والقَمَرُ يَقْطَعُهُ في شَهْرٍ. فَكانَتِ اَلشَّمْسُ لِبُطْئِها جَدِيرَةً بِأنْ تُوصَفَ بِالإدْراكِ، والقَمَرُ لِسُرْعَتِهِ جَدِيرًا بِأنْ يُوصَفَ بِالسَّبْقِ.
لَطِيفَةٌ:
قالَ النّاصِرُ في )" اَلِانْتِصافِ": ( يُؤْخَذُ مِن هَذِهِ اَلْآيَةِ أنَّ اَلنَّهارَ، تابِعٌ لِلَّيْلِ، وهو اَلْمَذْهَبُ اَلْمَعْرُوفُ لِلْفُقَهاءِ، وبَيانُهُ مِنَ اَلْآيَةِ أنَّهُ جَعَلَ اَلشَّمْسَ اَلَّتِي هي آيَةُ اَلنَّهارِ غَيْرَ مُدْرِكَةٍ لِلْقَمَرِ اَلَّذِي هو آيَةُ اَللَّيْلِ.
وإنَّما نَفى اَلْإدْراكَ لِأنَّهُ هو اَلَّذِي يُمْكِنُ أنْ يَقَعَ، وذَلِكَ يَسْتَدْعِي تَقَدُّمَ اَلْقَمَرِ وتَبَعِيَّةَ اَلشَّمْسِ، فَإنَّهُ لا يُقالُ: (أدْرَكَ اَلسّابِقُ اَللّاحِقَ)، ولَكِنْ: (أدْرَكَ اَللّاحِقُ اَلسّابِقَ)، وبِحَسْبَ اَلْإمْكانِ تَوْقِيعُ اَلنَّفْيِ، فاللَّيْلُ إذًا مَتْبُوعٌ والنَّهارُ تابِعٌ. فَإنْ قِيلَ: هَلْ يَلْزَمُ عَلى هَذا أنْ يَكُونَ اَللَّيْلُ سابِقَ اَلنَّهارِ، وقَدْ صَرَّحَتِ اَلْآيَةُ بِأنَّهُ لَيْسَ سابِقًا؟
فالجَوابُ أنَّ هَذا مُشْتَرَكُ اَلْإلْزامِ. وبَيانُهُ: أنَّ اَلْأقْسامَ اَلْمُحْتَمَلَةَ ثَلاثَةٌ: إمّا تَبَعِيَّةُ اَلنَّهارِ لِلَّيْلِ وهو مَذْهَبُ اَلْفُقَهاءِ، أوْ عَكْسُهُ وهو اَلْمَنقُولُ عَنْ طائِفَةٍ مِنَ اَلنُّحاةِ، أوِ اِجْتِماعُهُما. فَهَذا اَلْقِسْمُ اَلثّالِثُ مَنفِيٌّ بِالِاتِّفاقِ. فَلَمْ يَبْقَ إلّا تَبَعِيَّةُ اَلنَّهارِ لِلَّيْلِ وعَكْسُهُ. وهَذا اَلسُّؤالُ وارِدٌ عَلَيْهِما جَمِيعًا؛ لِأنَّ مَن قالَ إنَّ اَلنَّهارَ سابِقُ اَللَّيْلِ لَزِمَهُ أنْ يَكُونَ مُقْتَضى اَلْبَلاغَةِ أنْ يُقالَ: ولا اَللَّيْلُ يُدْرِكُ اَلنَّهارَ؛ فَإنَّ اَلْمُتَأخِّرَ إذا نُفِيَ إدْراكُهُ (p-٥٠٠٧)كانَ أبْلَغَ مِن سابِقِهِ. مَعَ أنَّهُ يَتَناءى عَنْ مُقْتَضى قَوْلِهِ: ﴿لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أنْ تُدْرِكَ القَمَرَ﴾ تَنائِيًا لا يَجْمَعُ شَمْلَ اَلْمَعْنى بِاللَّفْظِ، فَإنَّ اَللَّهَ تَعالى نَفى أنْ تَكُونَ مُدْرِكَةً، فَضْلًا عَنْ أنْ تَكُونَ سابِقَةً.
فَإذا أُثْبِتَ ذَلِكَ، فالجَوابُ اَلْمُحَقَّقُ عَنْهُ، أنَّ اَلْمَنفِيَّ اَلسَّبْقِيَّةُ اَلْمُوجِبَةُ لِتَراخِي اَلنَّهارِ عَنِ اَللَّيْلِ، وتَخَلُّلِ زَمَنٍ آخَرَ بَيْنَهُما، وحِينَئِذٍ يَثْبُتُ اَلتَّعاقُبُ، وهو مُرادُ اَلْآيَةِ. وأمّا سَبْقُ أوَّلِ اَلْمُتَعاقِبَيْنِ لِلْآخَرِ مِنهُما، فَإنَّهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ. ألا تَرى إلى جَوابِ مُوسى بِقَوْلِهِ: ﴿هم أُولاءِ عَلى أثَرِي﴾ [طه: ٨٤] فَقَدْ قَرَّبَهم مِنهُ عُذْرًا عَنْ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وما أعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ﴾ [طه: ٨٣] فَكَأنَّهُ سَهَّلَ أمْرَ هَذِهِ اَلْعَجَلَةِ بِكَوْنِهِمْ عَلى أثَرِهِ. فَكَيْفَ لَوْ كانَ مُتَقَدِّمًا وهم في عَقِبِهِ لا يَتَخَلَّلُ بَيْنَهم وبَيْنَهُ مَسافَةٌ؟ فَذاكَ لَوِ اِتَّفَقَ، لَكانَ سِياقُ اَلْآيَةِ يُوجِبُ أنَّهُ لا يُعَدُّ عَجَلَةً ولا سَبْقًا. فَحِينَئِذٍ يَكُونُ اَلْقَوْلُ بِسَبْقِيَّةِ اَلنَّهارِ لِلَّيْلِ، مُخالِفًا صَدْرَ اَلْآيَةِ عَلى وجْهٍ لا يَقْبَلُ اَلتَّأْوِيلَ. فَإنَّ بَيْنَ عَدَمِ اَلْإدْراكِ اَلدّالِّ عَلى اَلتَّأْخِيرِ والتَّبَعِيَّةِ، وبَيْنَ اَلسَّبْقِ بَوْنًا بَعِيدًا، ومُخالِفًا أيْضًا لِبَقِيَّةِ اَلْآيَةِ، فَإنَّهُ لَوْ كانَ اَللَّيْلُ تابِعًا ومُتَأخِّرًا، لَكانَ أحْرى أنْ يُوصَفَ بِعَدَمِ اَلْإدْراكِ، ولا يُبْلَغُ بِهِ عَدَمُ اَلسَّبْقِ، ويَكُونُ اَلْقَوْلُ بِتَقْدِيمِ اَللَّيْلِ عَلى اَلنَّهارِ مُطابِقًا لِصَدْرِ اَلْآيَةِ صَرِيحًا، ولِعَجْزِها بِوَجْهٍ مِنَ اَلتَّأْوِيلِ مُناسِبٍ لِنَظْمِ اَلْقُرْآنِ، وثُبُوتُ ضِدِّهِ أقْرَبُ إلى اَلْحَقِّ مِن حَبْلِ ورِيدِهِ، واللَّهُ اَلْمُوَفِّقُ لِلصَّوابِ مِنَ اَلْقَوْلِ وتَسْدِيدِهِ. اِنْتَهى.
﴿وكُلٌّ في فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ أيْ: كُلٌّ مِمّا ذُكِرَ يَجْرُونَ في مَدارٍ عَظِيمٍ كالسّابِحِ في اَلْماءِ. وتَقَدَّمَ لَنا في سُورَةِ اَلْأنْبِياءِ، ما قالَهُ بَعْضُ عُلَماءِ اَلْفَلَكِ في مِثْلِ هَذِهِ اَلْآيَةِ. فَراجِعْهُ.
{"ayah":"لَا ٱلشَّمۡسُ یَنۢبَغِی لَهَاۤ أَن تُدۡرِكَ ٱلۡقَمَرَ وَلَا ٱلَّیۡلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِۚ وَكُلࣱّ فِی فَلَكࣲ یَسۡبَحُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











