الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[٥٥] ﴿لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ في آبائِهِنَّ ولا أبْنائِهِنَّ ولا إخْوانِهِنَّ ولا أبْناءِ إخْوانِهِنَّ ولا أبْناءِ أخَواتِهِنَّ ولا نِسائِهِنَّ ولا ما مَلَكَتْ أيْمانُهُنَّ واتَّقِينَ اللَّهَ إنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا﴾ .
﴿لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ في آبائِهِنَّ ولا أبْنائِهِنَّ ولا إخْوانِهِنَّ ولا أبْناءِ إخْوانِهِنَّ ولا أبْناءِ أخَواتِهِنَّ ولا نِسائِهِنَّ﴾ أيْ: لا حَرَجَ ولا إثْمَ عَلَيْهِنَّ، في أنْ لا يَحْتَجِبْنَ مِن هَؤُلاءِ المُسَمِّينَ. قالَ الطَّبَرِيُّ: وعُنِيَ بِـ: (إخْوانُهُنَّ وأبْناءُ إخْوانِهِنَّ)؛ وإخْوَتُهُنَّ، وأبْناءُ إخْوَتِهِنَّ، وخَرَجَ مَعَهم جَمْعُ ذَلِكَ، مَخْرَجَ جَمْعِ فَتى إذا جُمِعَ: (فِتْيانٌ)، فَكَذَلِكَ جَمْعُ أخٍ إذا جُمِعَ: (إخْوانُ)، وأمّا إذا جُمِعَ إخْوَةٌ فَذَلِكَ نَظِيرُ جَمْعِ فَتى إذا جُمِعَ (فِتْيَةٌ).
(p-٤٨٩٨)تَنْبِيهاتٌ:
الأوَّلُ- قِيلَ: إنَّما لَمْ يُذْكَرِ العَمُّ والخالُ، لِأنَّهُما بِمَنزِلَةِ الوالِدَيْنِ، ولِذَلِكَ سُمِّيَ العَمُّ أيْضًا أبًا في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإلَهَ آبائِكَ إبْراهِيمَ وإسْماعِيلَ وإسْحاقَ﴾ [البقرة: ١٣٣] أوْ لِأنَّهُ اكْتَفى عَنْ ذِكْرِهِما بِذِكْرِ أبْناءِ الإخْوَةِ، وأبْناءِ الأخَواتِ، فَإنَّ مَناطَ عَدَمِ لُزُومِ الِاحْتِجابِ بَيْنَهُنَّ وبَيْنَ الفَرِيقَيْنِ، عَيْنُ ما بَيْنَهُنَّ وبَيْنَ العَمِّ والخالِ مِنَ العُمُومَةِ والخُؤُولَةِ؛ لِما أنَّهُنَّ عَمّاتٌ لِأبْناءِ الإخْوَةِ، وخالاتٌ لِأبْناءِ الأخَواتِ. وقِيلَ: لِأنَّهُ كَرِهَ تَرْكَ الِاحْتِجابِ مِنهُما؛ مَخافَةَ أنْ يَصِفاهُنَّ لِأبْنائِهِما.
وهُوَ رَأْيُ عِكْرِمَةَ والشَّعْبِيِّ، كَما أخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِن طَرِيقِ داوُدَ بْنِ أبِي هِنْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ والشَّعْبِيِّ أنَّهُ قالَ لَهُما: ما شَأْنُ العَمِّ والخالِ لَمْ يُذْكَرا؟ قالا: لِأنَّهُما يَنْعَتانِها لِأبْنائِهِما. وكَرِها أنْ تَضَعَ خِمارَها عِنْدَ خالِها وعَمِّها.
قالَ الشِّهابُ: لَكِنَّهُ قِيلَ عَلَيْهِ، إنَّ هَذِهِ العِلَّةَ، وهو احْتِمالُ أنْ يَصِفا لِأبْنائِهِما وهُما يَجُوزُ لَهُما التَّزَوُّجُ بِها، جارٍ في النِّساءِ كُلِّهِنَّ، مِمَّنْ لَمْ يَكُنَّ أُمَّهاتٍ مَحارِمَ. فَيَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلى الأوَّلِ. انْتَهى.
والتَّحْقِيقُ في رَدِّهِ ما رَواهُ البُخارِيُّ في التَّفْسِيرِ مِن طَرِيقِ عُرْوَةَ عَنْ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قالَتِ: «اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ أفْلَحُ أخُو أبِي القُعَيْسِ، بَعْدَ ما أُنْزِلَ الحِجابُ، فَقُلْتُ: لا آذَنُ لَهُ حَتّى أسْتَأْذِنَ فِيهِ النَّبِيَّ ﷺ. فَإنَّ أخاهُ أبا القُعَيْسِ لَيْسَ هو أرْضَعَنِي، ولَكِنْ أرْضَعَتْنِي امْرَأةُ أبِي القُعَيْسِ. فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ ﷺ، فَقُلْتُ لَهُ: يا رَسُولَ اللَّهِ! إنَّ أفْلَحَ أخا أبِي القُعَيْسِ (p-٤٨٩٩)اسْتَأْذَنَ. فَأبَيْتُ أنْ آذَنَ حَتّى أسْتَأْذِنَكَ، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «وما مَنَعَكِ أنْ تَأْذَنِي؟ عَمُّكِ» . قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ! إنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ هو أرْضَعَنِي، لَكِنْ أرْضَعَتْنِي امْرَأةُ أبِي القُعَيْسِ، فَقالَ: «ائْذَنِي لَهُ فَإنَّهُ عَمُّكِ، تَرِبَتْ يَمِينُكِ»» .
قالَ عُرْوَةُ: فَلِذَلِكَ كانَتْ عائِشَةُ تَقُولُ: حَرِّمُوا مِنَ الرَّضاعَةِ ما تُحَرِّمُونَ مِنَ النَّسَبِ. انْتَهى. فَبِقَوْلِهِ ﷺ: ««ائْذَنِي لَهُ فَإنَّهُ عَمُّكِ»» مَعَ قَوْلِهِ في الحَدِيثِ الآخَرِ ««العَمُّ صِنْوُ الأبِ»» يَرُدُّ عَلى عِكْرِمَةَ والشَّعْبِيِّ.
الثّانِي- قِيلَ: أُرِيدَ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولا نِسائِهِنَّ﴾ المُسْلِماتِ، حَتّى لا يَجُوزَ لِلْكِتابِيّاتِ الدُّخُولُ عَلى أزْواجِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. وقِيلَ هو عامٌّ في المُسْلِماتِ والكِتابِيّاتِ. وإنَّما قالَ: ﴿ولا نِسائِهِنَّ﴾ لِأنَّهُنَّ مِن أجْناسِهِنَّ.
الثّالِثُ- اسْتَدَلَّ بِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولا ما مَلَكَتْ أيْمانُهُنَّ﴾ مَن ذَهَبَ إلى أنَّ عَبْدَ المَرْأةِ مَحْرَمٌ لَها. وذَهَبَ قَوْمٌ إلى أنَّهُ كالأجانِبِ. والآيَةُ مَخْصُوصَةٌ بِالإماءِ دُونَ العَبِيدِ، وتَقَدَّمَ تَفْصِيلُ ذَلِكَ في سُورَةِ النُّورِ.
الرّابِعُ- قالَ السُّيُوطِيُّ في (الإكْلِيلِ): اسْتَدَلَّ الحَسَنُ والحُسَيْنُ بِعَدَمِ ذِكْرِ أبْناءِ العُمُومَةِ فِيها، عَلى تَحْرِيمِ نَظَرِهِما إلَيْهِنَّ، فَكانا لا يَدْخُلانِ عَلَيْهِنَّ: ﴿واتَّقِينَ اللَّهَ﴾ أيْ: أنْ تَتَعَدَّيْنَ ما حَدَّ لَكُنَّ، فَتُبْدِينَ مِن زِينَتِكُنَّ ما لَيْسَ لَكُنَّ، أوْ تَتْرُكْنَ الحِجابَ فَيَراكُنَّ أحَدٌ غَيْرُ هَؤُلاءِ. وقالَ الرّازِيُّ: أيْ: واتَّقِينَهُ عِنْدَ المَمالِيكِ. قالَ: فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلى أنَّ التَّكَشُّفَ لَهم مَشْرُوطٌ بِشَرْطِ السَّلامَةِ والعِلْمِ بِعَدَمِ المَحْذُورِ. وقَوْلُهُ تَعالى: "إنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا" أيْ: فَهو (p-٤٩٠٠)شاهِدٌ عَلى ما تَفْعَلْنَهُ مِنِ احْتِجابِكُنَّ وتَرْكِكُنَّ الحِجابَ لِمَن أُبِيحَ لَكُنَّ تَرْكُهُ، وغَيْرُ ذَلِكَ مِن أُمُورِكُنَّ، فاحْذَرْنَ أنْ تَلْقَيْنَهُ، وهو شاهِدٌ عَلَيْكُنَّ بِمَعْصِيَتِهِ، وخِلافِ أمْرِهِ، ونَهْيِهِ، فَتَهْلَكْنَ. قالَ الرّازِيُّ: هَذا التَّذْلِيلُ في غايَةِ الحُسْنِ في هَذا المَوْضِعِ، لِأنَّ ما سَبَقَ إشارَةٌ إلى جَوازِ الخَلْوَةِ بِهِمْ والتَّكَشُّفِ لَهُمْ، فَقالَ: إنَّ اللَّهَ شاهِدٌ عِنْدَ اخْتِلاءِ بَعْضِكم بِبَعْضٍ، فَخَلْوَتُكم مِثْلُ مِلَّتِكم بِشَهادَةِ اللَّهِ تَعالى فاتَّقُوا. انْتَهى.
{"ayah":"لَّا جُنَاحَ عَلَیۡهِنَّ فِیۤ ءَابَاۤىِٕهِنَّ وَلَاۤ أَبۡنَاۤىِٕهِنَّ وَلَاۤ إِخۡوَ ٰنِهِنَّ وَلَاۤ أَبۡنَاۤءِ إِخۡوَ ٰنِهِنَّ وَلَاۤ أَبۡنَاۤءِ أَخَوَ ٰتِهِنَّ وَلَا نِسَاۤىِٕهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُهُنَّۗ وَٱتَّقِینَ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ شَهِیدًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق