الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[٥] ﴿ادْعُوهم لآبائِهِمْ هو أقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهم فَإخْوانُكم (p-٤٨٢٥)فِي الدِّينِ ومَوالِيكم ولَيْسَ عَلَيْكم جُناحٌ فِيما أخْطَأْتُمْ بِهِ ولَكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكم وكانَ اللَّهِ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ .
﴿ادْعُوهم لآبائِهِمْ﴾ أيِ: انْسُبُوهم إلَيْهِمْ، وهو إفْرادٌ لِلْمَقْصُودِ مِن أقْوالِهِ تَعالى الحَقَّةِ: ﴿هُوَ أقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ أيْ: أعْدَلُ وأحْكَمُ. قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: هَذا الأمْرُ ناسِخٌ لِما كانَ في ابْتِداءِ الإسْلامِ، مِن جَوازِ ادِّعاءِ الأبْناءِ الأجانِبِ وهُمُ الأدْعِياءُ، فَأمَرَ تَبارَكَ وتَعالى بِرَدِّ نَسَبِهِمْ إلى آبائِهِمْ في الحَقِيقَةِ، وأنَّ هَذا هو العَدْلُ والقِسْطُ والبِرُّ. رَوى البُخارِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قالَ: إنَّ زَيْدَ بْنَ حارِثَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مَوْلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، ما كُنّا نَدْعُوهُ إلّا زَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ، حَتّى نَزَلَ القُرْآنُ: ﴿ادْعُوهم لآبائِهِمْ هو أقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ وأخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وغَيْرُهُ.
وقَدْ كانُوا يُعامِلُونَهم مُعامَلَةَ الأبْناءِ مِن كُلِّ وجْهٍ، في الخَلْوَةِ بِالمَحارِمِ وغَيْرِ ذَلِكَ، ولِهَذا «قالَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ، امْرَأةُ أبِي حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: يا رَسُولَ اللَّهِ! إنّا نَدْعُو سالِمًا ابْنًا، وإنَّ اللَّهَ قَدْ أنْزَلَ ما أنْزَلَ، وإنَّهُ كانَ يَدْخُلُ عَلَيَّ، وإنِّي أجِدُ في نَفْسِ أبِي حُذَيْفَةَ مِن ذَلِكَ شَيْئًا. فَقالَ ﷺ: «أرْضِعِيهِ تَحْرُمِي عَلَيْهِ..»» الحَدِيثُ. ولِهَذا لَمّا نُسِخَ هَذا الحُكْمُ، أباحَ تَبارَكَ وتَعالى زَوْجَةَ الدَّعِيِّ، وتَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، مُطَلَّقَةِ زَيْدِ بْنِ حارِثَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وقالَ عَزَّ وجَلَّ: ﴿لِكَيْ لا يَكُونَ عَلى المُؤْمِنِينَ حَرَجٌ في أزْواجِ أدْعِيائِهِمْ إذا قَضَوْا مِنهُنَّ وطَرًا﴾ [الأحزاب: ٣٧] وقالَ تَبارَكَ وتَعالى في آيَةِ التَّحْرِيمِ: ﴿وحَلائِلُ أبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِن أصْلابِكُمْ﴾ [النساء: ٢٣] احْتِرازًا عَنْ زَوْجَةِ الدَّعِيِّ، فَإنَّهُ لَيْسَ مِنَ الصُّلْبِ.
(p-٤٨٢٦)فَأمّا الِابْنُ مِنَ الرَّضاعَةِ، فَمُنْزَلٌ مَنزِلَةَ ابْنِ الصُّلْبِ شَرْعًا، بِقَوْلِهِ ﷺ في (الصَّحِيحَيْنِ): ««حَرِّمُوا مِنَ الرَّضاعَةِ ما يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ»» .
فَأمّا دَعْوَةُ الغَيْرِ ابْنًا، عَلى سَبِيلِ التَّكْرِيمِ والتَّحْبِيبِ، فَلَيْسَ مِمّا نَهى عَنْهُ في هَذِهِ الآيَةِ، بِدَلِيلِ ما رَواهُ الإمامُ أحْمَدُ وأهْلُ السُّنَنِ، إلّا التِّرْمِذِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: قالَ: «قَدَّمْنا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أُغَيْلِمَةَ بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ عَلى جَمَراتٍ لَنا مِن (جَمْعٍ) فَجَعَلَ يَلْطَحُ أفْخاذَنا ويَقُولُ: «أُبَيْنِيَّ! تَرْمُوا الجَمْرَةَ حَتّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ»» .
قالَ أبُو عُبَيْدَةَ وغَيْرُهُ: (أُبَيْنِيَّ)، تَصْغِيرُ (ابْنِي). وهَذا ظاهِرُ الدَّلالَةِ؛ فَإنَّ هَذا في حِجَّةِ الوَداعِ سَنَةَ عَشْرٍ.
وفِي مُسْلِمٍ «عَنْ أنَسٍ قالَ: قالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يا بُنَيَّ»» . رَواهُ أبُو داوُدَ والتِّرْمِذِيُّ. انْتَهى كَلامُ ابْنِ كَثِيرٍ.
وفِي ذَهابِهِ إلى أنَّ الأمْرَ في الآيَةِ ناسِخٌ نَظَرٌ؛ لِأنَّ النّاسِخَ لا بُدَّ أنْ يَرْفَعَ خِطابًا مُتَقَدِّمًا، وأمّا ما لا خِطابَ فِيهِ سابِقًا، بَلْ ورَدَ حُكْمًا مُبْتَدَأً رَفَعَ البَراءَةَ الأصْلِيَّةَ، فَلا يُسَمّى نَسْخًا اصْطِلاحًا. فاحْفَظْهُ؛ فَإنَّهُ مُهِمٌّ ومُفِيدٌ في عِدَّةِ مَواضِعَ.
(p-٤٨٢٧)ولَمّا أمَرَ تَعالى بِرَدِّ أنْسابِ الأدْعِياءِ إلى آبائِهِمْ، إنْ عُرِفُوا، أشارَ إلى دَعْوَتِهِمْ بِالإخْوَةِ والمَوْلَوِيَّةِ إنْ لَمْ يُعْرَفُوا، بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿فَإنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ﴾ أيْ: فَتَنْسُبُوهم إلَيْهِمْ: ﴿فَإخْوانُكُمْ﴾ أيْ: فَهم إخْوانُكُمْ: ﴿فِي الدِّينِ ومَوالِيكُمْ﴾ أيْ: أوْلِياؤُكم فِيهِ؛ أيْ: فَقُولُوا: هَذا أخِي، وهَذا مَوْلايَ، ويا أخِي ويا مَوْلايَ: ﴿ولَيْسَ عَلَيْكم جُناحٌ﴾ أيْ إثْمٌ: ﴿فِيما أخْطَأْتُمْ بِهِ﴾ أيْ: فِيما فَعَلْتُمُوهُ مِن نِسْبَةِ بَعْضِهِمْ إلى غَيْرِ أبِيهِ في الحَقِيقَةِ، مُخْطِئِينَ بِالسَّهْوِ أوِ النِّسْيانِ، أوْ سَبْقِ اللِّسانِ؛ لِأنَّ اللَّهَ تَعالى قَدْ وضَعَ الحَرَجَ في الخَطَأِ، ورَفَعَ إثْمَهُ: ﴿ولَكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ أيْ: فَفِيهِ الجُناحُ؛ لِأنَّ مَن تَعَمَّدَ الباطِلَ كانَ آثِمًا: ﴿وكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ أيْ: لِعَفْوِهِ عَنِ المُخْطِئِ.
{"ayah":"ٱدۡعُوهُمۡ لِـَٔابَاۤىِٕهِمۡ هُوَ أَقۡسَطُ عِندَ ٱللَّهِۚ فَإِن لَّمۡ تَعۡلَمُوۤا۟ ءَابَاۤءَهُمۡ فَإِخۡوَ ٰنُكُمۡ فِی ٱلدِّینِ وَمَوَ ٰلِیكُمۡۚ وَلَیۡسَ عَلَیۡكُمۡ جُنَاحࣱ فِیمَاۤ أَخۡطَأۡتُم بِهِۦ وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتۡ قُلُوبُكُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورࣰا رَّحِیمًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق