الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[٢ - ٤] ﴿واتَّبِعْ ما يُوحى إلَيْكَ مِن رَبِّكَ إنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ (p-٤٨٢٣)﴿وتَوَكَّلْ عَلى اللَّهِ وكَفى بِاللَّهِ وكِيلا﴾ [الأحزاب: ٣] ﴿ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِن قَلْبَيْنِ في جَوْفِهِ وما جَعَلَ أزْواجَكُمُ اللائِي تُظاهِرُونَ مِنهُنَّ أُمَّهاتِكم وما جَعَلَ أدْعِياءَكم أبْناءَكم ذَلِكم قَوْلُكم بِأفْواهِكم واللَّهُ يَقُولُ الحَقَّ وهو يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب: ٤]
﴿واتَّبِعْ ما يُوحى إلَيْكَ مِن رَبِّكَ﴾ أيْ: في تَرْكِ طاعَةِ الكافِرِينَ والمُنافِقِينَ وغَيْرِ ذَلِكَ: ﴿إنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ ﴿وتَوَكَّلْ عَلى اللَّهِ وكَفى بِاللَّهِ وكِيلا﴾ [الأحزاب: ٣] أيْ: أسْنِدْ أمْرَكَ إلَيْهِ، وكِلْهُ إلى تَدْبِيرِهِ، فَكَفى بِهِ حافِظًا مَوْكُولًا إلَيْهِ كُلَّ أمْرٍ: ﴿ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِن قَلْبَيْنِ في جَوْفِهِ وما جَعَلَ أزْواجَكُمُ اللائِي تُظاهِرُونَ مِنهُنَّ أُمَّهاتِكم وما جَعَلَ أدْعِياءَكم أبْناءَكُمْ﴾ [الأحزاب: ٤] قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: أيْ: ما جَمَعَ اللَّهُ قَلْبَيْنِ في جَوْفٍ، ولا زَوْجِيَّةً وأُمُومَةً في امْرَأةٍ، ولا بُنُوَّةً ودَعْوَةً في رَجُلٍ. والمَعْنى: إنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ، كَما لَمْ يَرَ في حِكْمَتِهِ أنْ يَجْعَلَ لِلْإنْسانِ قَلْبَيْنِ؛ لِأنَّهُ لا يَخْلُو إمّا أنْ يَفْعَلَ بِأحَدِهِما مِثْلَ ما يَفْعَلُ بِالآخَرِ مِن أفْعالِ القُلُوبِ، فَأحَدُهُما فَضْلَةٌ غَيْرُ مُحْتاجٍ إلَيْها- وإمّا أنْ يَفْعَلَ بِهَذا غَيْرَ ما يَفْعَلُ بِذاكَ، فَذَلِكَ يُؤَدِّي إلى اتِّصافِ الجُمْلَةِ بِكَوْنِهِ مُرِيدًا كارِهًا، عالِمًا ظانًّا، مُوقِنًا شاكًّا، في حالَةٍ واحِدَةٍ- لَمْ يَرَ أيْضًا أنْ تَكُونَ المَرْأةُ الواحِدَةُ أُمًّا لِرَجُلٍ زَوْجًا لَهُ؛ لِأنَّ الأُمَّ مَخْدُومَةٌ، مَخْفُوضٌ لَها جَناحُ الذُّلِّ، والزَّوْجَةَ مُسْتَخْدَمَةٌ مُتَصَرَّفٌ فِيها بِالِاسْتِفْراشِ وغَيْرِهِ، كالمَمْلُوكَةِ. وهُما حالَتانِ مُتَنافِيَتانِ.
وأنْ يَكُونَ الرَّجُلُ الواحِدُ دَعِيًّا لِرَجُلٍ، وابْنًا لَهُ؛ لِأنَّ البُنُوَّةَ أصالَةُ النَّسَبِ، وعَراقَةٌ فِيهِ، والدَّعْوَةُ إلْصاقٌ عارِضٌ بِالتَّسْمِيَةِ لا غَيْرَ، ولا يَجْتَمِعُ في الشَّيْءِ الواحِدِ أنْ يَكُونَ أصِيلًا غَيْرَ أصِيلٍ، وهَذا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ في (زَيْدِ بْنِ حارِثَةَ)، وهو رَجُلٌ مِن كَلْبٍ سُبِيَ صَغِيرًا، وكانَتِ العَرَبُ في جاهِلِيَّتِها يَتَغاوَرُونَ ويَتَسابَوْنَ، فاشْتَراهُ حَكِيمُ بْنُ حِزامٍ لِعَمَّتِهِ خَدِيجَةَ، فَلَمّا تَزَوَّجَها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وهَبَتْهُ لَهُ، وطَلَبَهُ أبُوهُ وعَمُّهُ فَخُيِّرَ، فاخْتارَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَأعْتَقَهُ، وكانُوا يَقُولُونَ: (زَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ). فَأنْزَلَ اللَّهُ (p-٤٨٢٤)هَذِهِ الآيَةَ، وقَوْلُهُ: ﴿ما كانَ مُحَمَّدٌ أبا أحَدٍ مِن رِجالِكُمْ﴾ [الأحزاب: ٤٠]
والتَّنْكِيرُ فِي: (رَجُلٍ)، وإدْخالُ (مِن)، الِاسْتِغْراقِيَّةِ عَلى (قَلْبَيْنِ)، تَأْكِيدانِ لِما قَصَدَ مِنَ المَعْنى كَأنَّهُ قالَ: ما جَعَلَ اللَّهُ لِأُمَّةِ الرِّجالِ، ولا لِواحِدٍ مِنهُمْ، قَلْبَيْنِ البَتَّةَ في جَوْفِهِ.
وفائِدَةُ ذِكْرِ (الجَوْفِ)، كالفائِدَةِ في قَوْلِهِ: ﴿القُلُوبُ الَّتِي في الصُّدُورِ﴾ [الحج: ٤٦] وذَلِكَ ما يَحْصُلُ لِلسّامِعِ مِن زِيادَةِ التَّصَوُّرِ والتَّجَلِّي لِلْمَدْلُولِ عَلَيْهِ؛ لِأنَّهُ إذا سَمِعَ بِهِ، صَوَّرَ لِنَفْسِهِ جَوْفًا يَشْتَمِلُ عَلى قَلْبَيْنِ فَكانَ أسْرَعَ إلى الإنْكارِ. ومَعْنى: (ظاهَرَ مِنِ امْرَأتِهِ)، قالَ لَها: أنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي. وكانَ الظِّهارُ طَلاقًا عِنْدَ أهْلِ الجاهِلِيَّةِ، فَكانُوا يَتَجَنَّبُونَ المَرْأةَ المُظاهَرِ مِنها، كَما يَتَجَنَّبُونَ المُطَلَّقَةَ، وهو في الإسْلامِ يَقْتَضِي الطَّلاقَ والحُرْمَةَ إلى أداءِ الكَفّارَةِ.
قالَ الأزْهَرِيُّ: وخَصُّوا (الظَّهْرَ)؛ لِأنَّهُ مَحَلُّ الرُّكُوبِ. والمَرْأةُ تُرْكَبُ إذا غُشِيَتْ، فَهو كِنايَةٌ تَلْوِيحِيَّةٌ، انْتَقَلَ مِنَ الظَّهْرِ إلى المَرْكُوبِ، ومِنهُ إلى المَغْشِيِّ. والمَعْنى: أنْتِ مُحَرَّمَةٌ عَلَيَّ لا تُرْكَبِينَ كَما لا تُرْكَبُ الأُمُّ. كَذا في (الكَشْفِ).
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ذَلِكُمْ﴾ [الأحزاب: ٤] إشارَةٌ إلى كُلِّ ما ذُكِرَ؛ أيْ: مِن كَوْنِهِ لَيْسَ لِأحَدٍ قَلْبانِ، ولَيْسَتِ الأزْواجُ أُمَّهاتٍ، ولا الأدْعِياءُ أبْناءً، أوْ إلى الأخِيرِ فَقَطْ وهو الدَّعْوَةُ: ﴿قَوْلُكم بِأفْواهِكُمْ﴾ [الأحزاب: ٤] أيْ: لا حَقِيقَةَ لَهُ فَلا يَقْتَضِي دَعْواكم ذَلِكَ، أنْ يَكُونَ ابْنًا حَقِيقِيًّا؛ فَإنَّهُ مَخْلُوقٌ مِن صُلْبِ رَجُلٍ آخَرَ فَلا يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ لَهُ أبَوانِ، كَما لا يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ لِبَشَرٍ واحِدٍ قَلْبانِ: ﴿واللَّهُ يَقُولُ الحَقَّ﴾ [الأحزاب: ٤] أيِ: الثّابِتَ المُحَقَّقَ في نَفْسِ الأمْرِ: ﴿وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب: ٤] أيْ: سَبِيلَ الحَقِّ.
{"ayahs_start":2,"ayahs":["وَٱتَّبِعۡ مَا یُوحَىٰۤ إِلَیۡكَ مِن رَّبِّكَۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِیرࣰا","وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِیلࣰا","مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلࣲ مِّن قَلۡبَیۡنِ فِی جَوۡفِهِۦۚ وَمَا جَعَلَ أَزۡوَ ٰجَكُمُ ٱلَّـٰۤـِٔی تُظَـٰهِرُونَ مِنۡهُنَّ أُمَّهَـٰتِكُمۡۚ وَمَا جَعَلَ أَدۡعِیَاۤءَكُمۡ أَبۡنَاۤءَكُمۡۚ ذَ ٰلِكُمۡ قَوۡلُكُم بِأَفۡوَ ٰهِكُمۡۖ وَٱللَّهُ یَقُولُ ٱلۡحَقَّ وَهُوَ یَهۡدِی ٱلسَّبِیلَ"],"ayah":"وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِیلࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











