الباحث القرآني
(p-٤٨٤٥)القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[٢٦ - ٢٨] ﴿وأنْـزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهم مِن أهْلِ الكِتابِ مِن صَياصِيهِمْ وقَذَفَ في قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وتَأْسِرُونَ فَرِيقًا﴾ ﴿وأوْرَثَكم أرْضَهم ودِيارَهم وأمْوالَهم وأرْضًا لَمْ تَطَئُوها وكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا﴾ [الأحزاب: ٢٧] ﴿يا أيُّها النَّبِيُّ قُلْ لأزْواجِكَ إنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الحَياةَ الدُّنْيا وزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وأُسَرِّحْكُنَّ سَراحًا جَمِيلا﴾ [الأحزاب: ٢٨] .
﴿وأنْـزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ﴾ أيْ: عاوَنُوا الأحْزابَ، وساعَدُوهم عَلى حَرْبِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: ﴿مِن أهْلِ الكِتابِ﴾ يَعْنِي بَنِي قُرَيْظَةَ، وهم طائِفَةٌ مِنَ اليَهُودِ، كانَ نَزَلَ آباؤُهُمُ الحِجازَ لَمّا فَرُّوا مِن الِاضْطِهادِ وتَشَتَّتُوا كُلَّ شَتاتٍ في أطْرافِ البِلادِ: ﴿مِن صَياصِيهِمْ﴾ أيْ: حُصُونِهِمْ وآطامِهِمُ الَّتِي كانُوا فِيها: ﴿وقَذَفَ في قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ﴾ أيِ: الخَوْفُ، جَزاءً وِفاقًا.
قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: لِأنَّهم كانُوا مالَئُوا المُشْرِكِينَ عَلى حَرْبِ النَّبِيِّ ﷺ -ولَيْسَ مَن يَعْلَمُ كَمَن لا يَعْلَمُ- وأخافُوا المُسْلِمِينَ ورامُوا قَتْلَهم لِيَعِزُّوا في الدُّنْيا، فانْعَكَسَ عَلَيْهِمُ الحالُ وانْقَلَبَ إلَيْهِمُ القِتالُ، لَمّا انْشَمَرَ المُشْرِكُونَ وراحُوا بِصَفْقَةِ المَغْبُونِ، فَكَما رامُوا العِزَّ ذَلُّوا، وأرادُوا اسْتِئْصالَ المُسْلِمِينَ فاسْتُؤْصِلُوا؛ ولِهَذا قالَ تَعالى: ﴿فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وتَأْسِرُونَ فَرِيقًا﴾ يَعْنِي قَتْلَ الرِّجالِ المُقاتِلَةِ، وسَبْيَ الذَّرارِيِّ والنِّساءِ.
رَوى الإمامُ أحْمَدُ «عَنْ عَطِيَّةَ القُرَظِيِّ قالَ: عُرِضْتُ عَلى النَّبِيِّ ﷺ يَوْمَ قُرَيْظَةَ فَشَكُّوا فِيَّ. فَأمَرَ بِي النَّبِيُّ ﷺ أنْ يَنْظُرُوا: هَلْ أنْبَتُّ بَعْدُ؟ فَنَظَرُونِي فَلَمْ يَجِدُونِي أنْبَتُّ، فَخَلّى عَنِّي، وألْحَقَنِي بِالسَّبْيِ».
(p-٤٨٤٦)وكَذا رَواهُ أهْلُ السُّنَنِ كُلُّهُمْ: وقالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
﴿وأوْرَثَكم أرْضَهم ودِيارَهُمْ﴾ [الأحزاب: ٢٧] حُصُونَهُمْ: ﴿وأمْوالَهُمْ﴾ [الأحزاب: ٢٧] أيْ: نُقُودَهم وأثاثَهم ومَواشِيَهُمْ: ﴿وأرْضًا لَمْ تَطَئُوها﴾ [الأحزاب: ٢٧] أيْ: أرْضًا لَمْ تَقْبِضُوها بَعْدُ، يَعْنِي خَيْبَرَ، وقِيلَ مَكَّةُ. رَواهُ مالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أسْلَمَ. وقِيلَ: فارِسُ والرُّومُ، وقالَ ابْنُ جَرِيرٍ: يَجُوزُ أنْ يَكُونَ الجَمِيعُ مُرادًا. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ومِن بِدَعِ التَّفاسِيرِ أنَّهُ أرادَ نِساءَهم. وبِتَمامِ هَذِهِ الغَزْوَةِ أراحَ اللَّهُ المُسْلِمِينَ مِن شَرِّ مُجاوَرَةِ اليَهُودِ الَّذِينَ تَعَوَّدُوا الغَدْرَ والخِيانَةَ، ولَمْ يَبْقَ إلّا بَقِيَّةٌ مِن كِبارِهِمْ بِخَيْبَرَ مَعَ أهْلِها، وهُمُ الَّذِينَ كانُوا السَّبَبَ في إثارَةِ الأحْزابِ. قالَ بَعْضُهُمْ: يالَلَّهِ! ما أسْوَأ عاقِبَةَ الطَّيْشِ! فَقَدْ تَكُونُ الأُمَّةُ مُرْتاحَةَ البالِ هادِئَةَ الخَواطِرِ، حَتّى تَقُومَ جَماعَةٌ مِن رُؤَسائِها بِعَمَلِ غَدْرٍ يَظُنُّونَ مِن ورائِهِ النَّجاحَ، فَيَجْلِبُ عَلَيْهِمُ الشُّرُورَ ويُشَتِّتُهم مِن دِيارِهِمْ.
وهَذا ما حَصَلَ لِلْيَهُودِ في الحِجازِ؛ فَقَدْ كانَ بَيْنَهم وبَيْنَ المُسْلِمِينَ عُهُودٌ يَأْمَنُ بِها كُلٌّ مِنهُمُ الآخَرَ، ولَكِنَّ اليَهُودَ لَمْ يُوفُوا بِتِلْكَ العُهُودِ حَسَدًا مِنهم وبَغْيًا. فَتَمَّ عَلَيْهِمْ ما تَمَّ، سُنَّةَ اللَّهِ في المُفْسِدِينَ، فَإنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ أعْمالَهُمْ: ﴿وكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا﴾ [الأحزاب: ٢٧] أيْ: وقَدْ شاهَدْتُمْ بَعْضَ مَقْدُوراتِهِ فاعْتَبَرُوا بِغَيْرِها.
﴿يا أيُّها النَّبِيُّ قُلْ لأزْواجِكَ إنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الحَياةَ الدُّنْيا﴾ [الأحزاب: ٢٨] أيِ: السِّعَةَ والتَّنَعُّمَ فِيها: ﴿وزِينَتَها﴾ [الأحزاب: ٢٨] أيْ: زَخارِفَها: ﴿فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وأُسَرِّحْكُنَّ﴾ [الأحزاب: ٢٨] أيْ: أُعْطِكُنَّ المُتْعَةَ وأُطَلِّقْكُنَّ. والمُتْعَةُ: ما يُعْطى لِلْمَرْأةِ المُطَلَّقَةِ عَلى حَسَبِ السِّعَةِ والإقْتارِ، مِن ثِيابٍ أوْ دَراهِمَ أوْ أثاثٍ، تَطَوُّعًا لا وُجُوبًا. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿سَراحًا جَمِيلا﴾ [الأحزاب: ٢٨] أيْ: طَلاقًا مِن غَيْرِ ضِرارٍ ولا بِدْعَةٍ. وقَدْ رُوِيَ «أنَّهُنَّ سَألْنَ النَّبِيَّ ﷺ ثِيابَ الزِّينَةِ وزِيادَةَ النَّفَقَةِ مِمّا لَيْسَ عِنْدَهُ. فَنَزَلَتِ الآيَةُ. ولَمّا نَزَلَتْ، بَدَأ ﷺ بِعائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها، وكانَتْ أحَبَّهُنَّ إلَيْهِ، فَخَيَّرَها وقَرَأ عَلَيْها القُرْآنَ، فاخْتارَتِ اللَّهَ ورَسُولَهُ والدّارَ الآخِرَةَ، ثُمَّ اخْتارَ جَمِيعُهُنَّ اخْتِيارَها، قِيلَ: وكانَ تَحْتَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعُ نِسْوَةٍ، خَمْسٌ مِن قُرَيْشٍ: عائِشَةُ، وحَفْصَةُ، وأُمُّ حَبِيبَةٍ، وسَوْدَةُ، وأُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ، ثُمَّ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ النَّضْرِيَّةُ، ومَيْمُونَةُ بِنْتُ الحارِثِ الهِلالِيَّةُ، وزَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ الأسْدِيَّةُ، وجُوَيْرِيَّةُ بِنْتُ الحارِثِ المُصْطَلَقِيَّةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ».
(p-٤٨٤٧)لَطِيفَةٌ:
قالَ الرّازِيُّ: وجْهُ التَّعَلُّقِ، وهو أنَّ مَكارِمَ الأخْلاقِ مُنْحَصِرَةٌ في شَيْئَيْنِ: التَّعْظِيمِ لِأمْرِ اللَّهِ، والشَّفَقَةِ عَلى خَلْقِ اللَّهِ. وإلى هَذا أشارَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِقَوْلِهِ: ««الصَّلاةُ وما مَلَكَتْ أيْمانُكم»» . ثُمَّ إنَّ اللَّهَ تَعالى لَمّا أرْشَدَ نَبِيَّهُ إلى ما يَتَعَلَّقُ بِجانِبِ التَّعْظِيمِ لِلَّهِ، بِقَوْلِهِ: ﴿يا أيُّها النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ﴾ [الأحزاب: ١] ذَكَرَ ما يَتَعَلَّقُ بِجانِبِ الشَّفَقَةِ، وبَدَأ بِالزَّوْجاتِ، فَإنَّهُنَّ أوْلى النّاسِ بِالشَّفَقَةِ، ولِذا قَدَّمَهُنَّ في النَّفَقَةِ. انْتَهى.
{"ayahs_start":26,"ayahs":["وَأَنزَلَ ٱلَّذِینَ ظَـٰهَرُوهُم مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ مِن صَیَاصِیهِمۡ وَقَذَفَ فِی قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعۡبَ فَرِیقࣰا تَقۡتُلُونَ وَتَأۡسِرُونَ فَرِیقࣰا","وَأَوۡرَثَكُمۡ أَرۡضَهُمۡ وَدِیَـٰرَهُمۡ وَأَمۡوَ ٰلَهُمۡ وَأَرۡضࣰا لَّمۡ تَطَـُٔوهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣰا","یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ قُل لِّأَزۡوَ ٰجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدۡنَ ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَا وَزِینَتَهَا فَتَعَالَیۡنَ أُمَتِّعۡكُنَّ وَأُسَرِّحۡكُنَّ سَرَاحࣰا جَمِیلࣰا"],"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ قُل لِّأَزۡوَ ٰجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدۡنَ ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَا وَزِینَتَهَا فَتَعَالَیۡنَ أُمَتِّعۡكُنَّ وَأُسَرِّحۡكُنَّ سَرَاحࣰا جَمِیلࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق