الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [٣٠ - ٣٢] ﴿ذَلِكَ بِأنَّ اللَّهَ هو الحَقُّ وأنَّ ما يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الباطِلُ وأنَّ اللَّهَ هو العَلِيُّ الكَبِيرُ﴾ ﴿ألَمْ تَرَ أنَّ الفُلْكَ تَجْرِي في البَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكم مِن آياتِهِ إنَّ في ذَلِكَ لآياتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكُورٍ﴾ [لقمان: ٣١] ﴿وإذا غَشِيَهم مَوْجٌ كالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمّا نَجّاهم إلى البَرِّ فَمِنهم مُقْتَصِدٌ وما يَجْحَدُ بِآياتِنا إلا كُلُّ خَتّارٍ كَفُورٍ﴾ [لقمان: ٣٢] ﴿ذَلِكَ﴾ إشارَةٌ إلى ما ذُكِرَ مِن سِعَةِ العِلْمِ، وشُمُولِ القُدْرَةِ، وعَجائِبِ الصُّنْعِ، واخْتِصاصِ البارِئِ بِها: ﴿بِأنَّ اللَّهَ هو الحَقُّ﴾ أيْ: بِسَبَبِ أنَّهُ الحَقُّ، وُجُودُهُ وإلَهِيَّتُهُ: ﴿وأنَّ ما يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الباطِلُ وأنَّ اللَّهَ هو العَلِيُّ الكَبِيرُ﴾ ﴿ألَمْ تَرَ أنَّ الفُلْكَ تَجْرِي في البَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ﴾ [لقمان: ٣١] أيْ: بِإحْسانِهِ في تَهْيِئَةِ أسْبابِهِ: ﴿لِيُرِيَكم مِن آياتِهِ إنَّ في ذَلِكَ لآياتٍ لِكُلِّ (p-٤٨٠٧)صَبّارٍ﴾ [لقمان: ٣١] أيْ: عَظِيمِ الصَّبْرِ عَلى البَأْساءِ والضَّرّاءِ: ﴿شَكُورٍ﴾ [لقمان: ٣١] أيْ: كَثِيرِ الشُّكْرِ لِلنِّعَمِ، بِالقِيامِ بِحَقِّها: ﴿وإذا غَشِيَهُمْ﴾ [لقمان: ٣٢] أيْ: عَلاهم وأحاطَ بِهِمْ: ﴿مَوْجٌ كالظُّلَلِ﴾ [لقمان: ٣٢] أيْ: كالسُّحُبِ والحُجُبِ: ﴿دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [لقمان: ٣٢] أيِ: التَجَأُوا إلَيْهِ تَعالى وحْدَهُ، لِزَوالِ ما يُنازِعُ الفِطْرَةَ مِنَ الهَوى والتَّقْلِيدِ، بِما دَهاهم مِنَ الضُّرِّ: ﴿فَلَمّا نَجّاهم إلى البَرِّ فَمِنهم مُقْتَصِدٌ﴾ [لقمان: ٣٢] قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: قالَ مُجاهِدٌ: أيْ: كافِرٌ، كَأنَّهُ فَسَّرَ (المُقْتَصِدَ) هَهُنا بِالجاحِدِ كَما قالَ تَعالى: ﴿فَلَمّا نَجّاهم إلى البَرِّ إذا هم يُشْرِكُونَ﴾ [العنكبوت: ٦٥] وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: هو المُتَوَسِّطُ في العَمَلِ، وهَذا الَّذِي قالَهُ ابْنُ زَيْدٍ هو المُرادُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَمِنهم ظالِمٌ لِنَفْسِهِ ومِنهم مُقْتَصِدٌ﴾ [فاطر: ٣٢] الآيَةَ، فالمُقْتَصِدُ هَهُنا هو المُتَوَسِّطُ في العَمَلِ. ويَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ مُرادًا هُنا أيْضًا، ويَكُونُ مِن بابِ الإنْكارِ عَلى مَن شاهَدَ تِلْكَ الأهْوالَ والأُمُورَ العِظامَ، والآياتِ الباهِراتِ في البَحْرِ، ثُمَّ مِن بَعْدِ ما أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالخَلاصِ، كانَ يَنْبَغِي أنْ يُقابِلَ ذَلِكَ بِالعَمَلِ التّامِّ، والدَّؤُوبِ في العِبادَةِ، والمُبادَرَةِ إلى الخَيْراتِ، فَمَنِ اقْتَصَدَ بَعْدَ ذَلِكَ، كانَ مُقَصِّرًا والحالَةُ هَذِهِ، واللَّهُ أعْلَمُ. انْتَهى. ﴿وما يَجْحَدُ بِآياتِنا إلا كُلُّ خَتّارٍ﴾ [لقمان: ٣٢] أيْ: غَدّارٍ، ناقِضٍ لِلْعَهْدِ الفِطْرِيِّ، ولِعَقْدِ العَزِيمَةِ وقْتَ الهَوْلِ البَحْرِيِّ: ﴿كَفُورٍ﴾ [لقمان: ٣٢] أيْ: مُبالِغٍ في كُفْرانِ نِعَمِهِ تَعالى، لا يَقْضِي حُقُوقَها، ولا يَسْتَعْمِلُها في مَحابِّهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب