الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [١٣ - ١٤] ﴿وإذْ قالَ لُقْمانُ لابْنِهِ وهو يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ ﴿ووَصَّيْنا الإنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وهْنًا عَلى وهْنٍ وفِصالُهُ في عامَيْنِ أنِ اشْكُرْ لِي ولِوالِدَيْكَ إلَيَّ المَصِيرُ﴾ [لقمان: ١٤] ﴿وإذْ قالَ لُقْمانُ لابْنِهِ وهو يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ ﴿ووَصَّيْنا الإنْسانَ بِوالِدَيْهِ﴾ [لقمان: ١٤] أيْ: بِالإحْسانِ إلَيْهِما، لا سِيَّما الوالِدَةُ؛ لِأنَّهُ: ﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وهْنًا عَلى وهْنٍ﴾ [لقمان: ١٤] أيْ: ضَعْفًا فَوْقَ ضَعْفٍ إلى الوِلادَةِ. و: ﴿وهْنًا﴾ [لقمان: ١٤] حالٌ مِن: ﴿أُمُّهُ﴾ [لقمان: ١٤] أيْ: ذاتُ وهْنٍ، أوْ مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لِفِعْلٍ هو الحالُ؛ أيْ: تَهِنُ وهْنًا. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿عَلى وهْنٍ﴾ [لقمان: ١٤] صِفَةٌ لِلْمَصْدَرِ؛ أيْ: كائِنًا عَلى وهْنٍ، أيْ: تَضْعُفُ ضَعْفًا فَوْقَ ضَعْفٍ؛ فَإنَّها لا تَزالُ يَتَزايَدُ ضَعْفُها؛ لِأنَّ الحَمْلَ كُلَّما عَظُمَ ازْدادَتْ ثِقَلًا وضَعْفًا: ﴿وفِصالُهُ﴾ [لقمان: ١٤] أيْ: فِطامُهُ: ﴿فِي عامَيْنِ﴾ [لقمان: ١٤] ثُمَّ فَسَّرَ الوَصِيَّةَ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿أنِ اشْكُرْ لِي ولِوالِدَيْكَ﴾ [لقمان: ١٤] أيْ: بِأنْ تَعْرِفَ نِعْمَةَ الإحْسانِ، وتُقَدِّرَهُ قَدْرَهُ. قالَ في (البَصائِرِ): الشُّكْرُ مَبْنِيٌّ عَلى خَمْسِ قَواعِدَ: خُضُوعُ الشّاكِرِ لِلْمَشْكُورِ، وحُبُّهُ لَهُ، واعْتِرافُهُ بِنِعْمَتِهِ، والثَّناءُ عَلَيْهِ بِها، وأنْ لا يَسْتَعْمِلَها فِيما يَكْرَهُ. هَذِهِ الخَمْسَةُ هي أساسُ الشُّكْرِ، وبِناؤُهُ عَلَيْها، فَإنَّ عُدِمَ مِنها واحِدَةٌ، اخْتَلَّتْ قاعِدَةٌ مِن قَواعِدِ الشُّكْرِ، وكُلُّ مَن تَكَلَّمَ في الشُّكْرِ، فَإنَّ كَلامَهُ إلَيْها يَرْجِعُ وعَلَيْها يَدُورُ. انْتَهى. (p-٤٧٩٨)وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿إلَيَّ المَصِيرُ﴾ [لقمان: ١٤] تَعْلِيلٌ لِوُجُوبِ الِامْتِثالِ؛ أيْ: إلَيَّ الرُّجُوعُ، لا إلى غَيْرِي، فَأُجازِيكَ عَلى ما صَدَرَ عَنْكَ مِنَ الشُّكْرِ والكُفْرِ. تَنْبِيهاتٌ: الأوَّلُ- قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإنْ قُلْتَ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وهْنًا عَلى وهْنٍ وفِصالُهُ في عامَيْنِ﴾ [لقمان: ١٤] كَيْفَ اعْتَرَضَ بِهِ بَيْنَ المُفَسِّرِ والمُفَسَّرِ؟ قُلْتُ: لَمّا وصّى بِالوالِدَيْنِ، ذَكَرَ ما تُكابِدُهُ الأُمُّ، وتُعانِيهِ مِنَ المَشاقِّ، والمَتاعِبِ في حَمْلِهِ، وفِصالِهِ هَذِهِ المُدَّةَ المُتَطاوِلَةَ، إيجابًا لِلتَّوْصِيَةِ بِالوالِدَةِ خُصُوصًا، وتَذْكِيرًا بِحَقِّها العَظِيمِ مُفْرَدًا. ومِن ثَمَّ «قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِمَن قالَ لَهُ مَن أبِرُّ؟ «أُمَّكَ ثُمَّ أُمَّكَ ثُمَّ أُمَّكَ» . ثُمَّ قالَ بَعْدَ ذَلِكَ: «ثُمَّ أباكَ»» . وعَنْ بَعْضِ العَرَبِ أنَّهُ حَمَلَ أُمَّهُ إلى الحَجِّ عَلى ظَهْرِهِ، وهو يَقُولُ في حُدائِهِ بِنَفْسِهِ. ؎أحْمِلُ أُمِّي وهي الحَمّالَهْ تُرْضِعُنِي الدِّرَّةَ والعُلالَهْ ؎ولاْ يُجازى والِدٌ فِعالَهْ الثّانِي - قالَ الحافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ: وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وفِصالُهُ في عامَيْنِ﴾ [لقمان: ١٤] كَقَوْلِهِ: ﴿والوالِداتُ يُرْضِعْنَ أوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَن أرادَ أنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ﴾ [البقرة: ٢٣٣] ومِن هَهُنا اسْتَنْبَطَ ابْنُ عَبّاسٍ وغَيْرُهُ مِنَ الأئِمَّةِ، أنَّ أقَلَّ مُدَّةِ الحَمْلِ سِتَّةُ أشْهُرٍ؛ لِأنَّهُ قالَ في الآيَةِ الأُخْرى: ﴿وحَمْلُهُ وفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا﴾ [الأحقاف: ١٥] وإنَّما يَذْكُرُ تَعالى تَرْبِيَةَ الوالِدَةِ، وتَعَبَها، ومَشَقَّتَها في سَهَرِها لَيْلًا ونَهارًا، لِيُذَكِّرَ الوَلَدَ بِإحْسانِها المُتَقَدِّمِ إلَيْهِ، كَما قالَ تَعالى: ﴿وقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء: ٢٤] (p-٤٧٩٩)الثّالِثُ- قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإنْ قُلْتَ: ما مَعْنى تَوْقِيتِ الفِصالِ بِالعامَيْنِ؟ قُلْتُ: المَعْنى في تَوْقِيتِهِ بِهَذِهِ المُدَّةِ، أنَّها الغايَةُ الَّتِي لا تَتَجاوَزُ، والأمْرُ فِيما دُونَ العامَيْنِ مَوْكُولٌ إلى اجْتِهادِ الأُمِّ، إنْ عَلِمَتْ أنَّهُ يَقْوى عَلى الفِطامِ، فَلَها أنْ تَفْطِمَهُ، ويَدُلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿والوالِداتُ يُرْضِعْنَ أوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَن أرادَ أنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ﴾ [البقرة: ٢٣٣]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب