الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[١١ - ١٢] ﴿هَذا خَلْقُ اللَّهِ فَأرُونِي ماذا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظّالِمُونَ في ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ ﴿ولَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الحِكْمَةَ أنِ اشْكُرْ لِلَّهِ ومَن يَشْكُرْ فَإنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ومَن كَفَرَ فَإنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ [لقمان: ١٢]
﴿هَذا﴾ أيْ: ما ذُكِرَ مِنَ السَّماواتِ والأرْضِ، وما تَعَلَّقَ بِهِما مِنَ الأُمُورِ المَعْدُودَةِ: ﴿خَلْقُ اللَّهِ﴾ أيْ: مَخْلُوقُهُ: ﴿فَأرُونِي ماذا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ﴾ أيْ: مِمّا اتَّخَذْتُمُوهم شُرَكاءَ لَهُ سُبْحانَهُ في العِبادَةِ: ﴿بَلِ الظّالِمُونَ في ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ إضْرابٌ عَنْ تَبْكِيتِهِمْ بِما ذَكَرَ، إلى التَّسْجِيلِ عَلَيْهِمْ بِالضَّلالِ البَيِّنِ المُسْتَدْعِي لِلْإعْراضِ عَنْ مُخاطَبَتِهِمْ بِالمُقَدِّماتِ المَعْقُولَةِ الحَقَّةِ؛ لِاسْتِحالَةِ أنْ يَفْهَمُوا مِنها شَيْئًا، فَيَهْتَدُوا بِهِ إلى العِلْمِ بِبُطْلانِ ما هم عَلَيْهِ، أوْ يَتَأثَّرُوا مِنَ الإلْزامِ والتَّبْكِيتِ فَيَنْزَجِرُوا عَنْهُ. ووَضْعُ الظّاهِرِ مَوْضِعَ ضَمِيرِهِمْ؛ لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّهم بِإشْراكِهِمْ واضِعُونَ لِلشَّيْءِ في غَيْرِ مَوْضِعِهِ، ومُتَعَدُّونَ عَنِ الحُدُودِ، وظالِمُونَ لِأنْفُسِهِمْ بِتَعْرِيضِها لِلْعَذابِ الخالِدِ. أفادَهُ أبُو السُّعُودِ.
ثُمَّ أشارَ تَعالى إلى أنَّ بُطْلانَ الشِّرْكِ مَقُولٌ عَلى لِسانِ ذَوِي الحِكْمَةِ. كَيْفَ لا؟ والتَّوْحِيدُ أساسُ الحِكْمَةِ، بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿ولَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الحِكْمَةَ﴾ [لقمان: ١٢] يَعْنِي اسْتِكْمالَ النَّفْسِ بِالعُلُومِ النَّظَرِيَّةِ، ومَلَكَةِ الأفْعالِ الفاضِلَةِ بِقَدْرِ الطّاقَةِ البَشَرِيَّةِ، آمِرِينَ لَهُ عَلى لِسانِ نَبِيٍّ أوْ بِطَرِيقِ (p-٤٧٩٦)الإلْهامِ؛ (عَلى قَوْلِ الجُمْهُورِ أنَّهُ حَكِيمٌ). أوِ الوَحْيِ؛ (عَلى قَوْلِ عِكْرِمَةَ أنَّهُ نَبِيٌّ) ﴿أنِ اشْكُرْ لِلَّهِ﴾ [لقمان: ١٢] أيْ: عَلى ما أعْطاكَ مِن نِعَمِهِ، مَن أُوتِيها فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا. كَذا قالَهُ المَهايِمِيُّ، والأظْهَرُ أنَّ: "أنْ" مُفَسِّرَةٌ؛ فَإنَّ إتْيانَ الحِكْمَةِ في مَعْنى القَوْلِ. والشُّكْرُ: كَلِمَةٌ تَجْمَعُ ما تَدُورُ عَلَيْهِ سَعادَةُ الدُّنْيا والآخِرَةِ؛ لِأنَّهُ صَرَفَ العَبْدُ جَمِيعَ ما أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ إلى ما خُلِقَ لِأجْلِهِ: ﴿ومَن يَشْكُرْ فَإنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ﴾ [لقمان: ١٢] لِعَوْدِ ثَمَراتِ شُكْرِهِ عَلَيْهِ: ﴿ومَن كَفَرَ فَإنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ [لقمان: ١٢] أيْ: غَنِيٌّ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، فَلا يَحْتاجُ إلى الشُّكْرِ، وحَقِيقٌ بِالحَمْدِ. بَلْ نَطَقَ بِحَمْدِهِ كُلُّ مَوْجُودٍ.
تَنْبِيهٌ:
قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: اخْتَلَفَ السَّلَفُ في لُقْمانَ؛ هَلْ كانَ نَبِيًّا أوْ عَبْدًا صالِحًا مِن غَيْرِ نُبُوَّةٍ، عَلى قَوْلَيْنِ؟ الأكْثَرُونَ عَلى الثّانِي، ويُقالُ إنَّهُ كانَ قاضِيًا عَلى بَنِي إسْرائِيلَ، في زَمَنِ داوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ، وما رُوِيَ مِن كَوْنِهِ عَبْدًا مَسَّهُ الرِّقُّ، يُنافِي كَوْنَهُ نَبِيًّا؛ لِأنَّ الرُّسُلَ كانَتْ تُبْعَثُ في أحْسابِ قَوْمِها، ولِهَذا كانَ جُمْهُورُ السَّلَفِ عَلى أنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا، وإنَّما يُنْقَلُ كَوْنُهُ نَبِيًّا عَنْ عِكْرِمَةَ، إنْ صَحَّ السَّنَدُ إلَيْهِ؛ فَإنَّهُ رَواهُ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ مِن حَدِيثِ وكِيعٍ عَنْ إسْرائِيلَ عَنْ جابِرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ. قالَ: كانَ لُقْمانُ نَبِيًّا. وجابِرٌ هَذا هو ابْنُ يَزِيدَ الجُعْفِيُّ، وهو ضَعِيفٌ. واللَّهُ أعْلَمُ. انْتَهى.
وزَعَمَ بَعْضُهم أنَّ لُقْمانَ هو بِلْعامُ المَذْكُورُ في التَّوْراةِ، وكانَ حَكِيمَ شَعْبٍ وثَنِيٍّ، وكانَ مُنَبَّأً عَنِ اللَّهِ تَعالى، وأغْرَبَ في تَقْرِيبِهِ، بِأنَّ الفِعْلَ العَرَبِيَّ وهُوَ: (لَقَمَ)، مَعْناهُ بِالعِبْرِيِّ بَلَعَ. واللَّهُ أعْلَمُ.
وقَدْ نَظَمَ السُّيُوطِيُّ مَنِ اخْتُلِفَ في نُبُوَّتِهِ، فَقالَ:
؎واخْتَلَفَتْ في خَضِرٍ أهْلُ النُّقُولْ قِيلَ نَبِيٌّ أوْ ولِيٌّ أوْ رَسُولْ
؎لُقْمانَ، ذِيِ القَرْنَيْنِ، حَوّا، مَرْيَمَ ∗∗∗ والوَقْفُ في الجَمِيعِ رَأْيُ المُعَظِّمِ
(p-٤٧٩٧)ثُمَّ قَرَنَ لُقْمانُ، بِوَصِيَّتِهِ إيّاهُ بِعِبادَةِ اللَّهِ وحْدَهُ، البِرَّ بِالوالِدَيْنِ، كَما قالَ تَعالى: ﴿وقَضى رَبُّكَ ألا تَعْبُدُوا إلا إيّاهُ وبِالوالِدَيْنِ إحْسانًا﴾ [الإسراء: ٢٣] وكَثِيرًا ما يَقْرِنُ تَعالى بَيْنَ ذَلِكَ في القُرْآنِ الكَرِيمِ. وقالَ هَهُنا.
{"ayahs_start":11,"ayahs":["هَـٰذَا خَلۡقُ ٱللَّهِ فَأَرُونِی مَاذَا خَلَقَ ٱلَّذِینَ مِن دُونِهِۦۚ بَلِ ٱلظَّـٰلِمُونَ فِی ضَلَـٰلࣲ مُّبِینࣲ","وَلَقَدۡ ءَاتَیۡنَا لُقۡمَـٰنَ ٱلۡحِكۡمَةَ أَنِ ٱشۡكُرۡ لِلَّهِۚ وَمَن یَشۡكُرۡ فَإِنَّمَا یَشۡكُرُ لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِیٌّ حَمِیدࣱ"],"ayah":"هَـٰذَا خَلۡقُ ٱللَّهِ فَأَرُونِی مَاذَا خَلَقَ ٱلَّذِینَ مِن دُونِهِۦۚ بَلِ ٱلظَّـٰلِمُونَ فِی ضَلَـٰلࣲ مُّبِینࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











