الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[٧ - ٨] ﴿يَعْلَمُونَ ظاهِرًا مِنَ الحَياةِ الدُّنْيا وهم عَنِ الآخِرَةِ هم غافِلُونَ﴾ (p-٤٧٦٧)﴿أوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا في أنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ والأرْضَ وما بَيْنَهُما إلا بِالحَقِّ وأجَلٍ مُسَمًّى وإنَّ كَثِيرًا مِنَ النّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ﴾ [الروم: ٨]
﴿يَعْلَمُونَ ظاهِرًا مِنَ الحَياةِ الدُّنْيا﴾ وهو ما يُوافِقُ شَهَواتِهِمْ وأهْواءَهُمْ: ﴿وهم عَنِ الآخِرَةِ﴾ أيِ: الَّتِي هي المَطْلَبُ الأعْلى: ﴿هم غافِلُونَ﴾ أيْ: لا يُخْطِرُونَها بِبالِهِمْ، فَهم جاهِلُونَ بِها تارِكُونَ لِعَمَلِها.
لَطائِفُ:
قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَعْلَمُونَ﴾ بَدَلٌ مِن قَوْلِهِ: ﴿لا يَعْلَمُونَ﴾ [الروم: ٦] وفي هَذا الإبْدالِ مِنَ النُّكْتَةِ، أنَّهُ أبْدَلَ مِنهُ وجَعَلَهُ بِحَيْثُ يَقُومُ مَقامَهُ، ويَسُدُّ مَسَدَّهُ، لِيُعْلِمَكَ أنَّهُ لا فَرْقَ بَيْنَ عَدَمِ العِلْمِ الَّذِي هو الجَهْلُ، وبَيْنَ وُجُودِ العِلْمِ الَّذِي لا يَتَجاوَزُ الدُّنْيا. وقَوْلُهُ: ﴿ظاهِرًا﴾ يُفِيدُ أنَّ لِلدُّنْيا ظاهِرًا وباطِنًا، فَظاهِرُها ما يَعْرِفُهُ الجُهّالُ مِنَ التَّمَتُّعِ بِزَخارِفِها والتَّنَعُّمِ بِمَلاذِّها، وباطِنُها وحَقِيقَتُها أنَّها مَجازٌ إلى الآخِرَةِ، يَتَزَوَّدُ مِنها إلَيْها بِالطّاعَةِ، والأعْمالِ الصّالِحَةِ. انْتَهى.
وناقَشَ الكَرْخِيُّ في إبْدالِ: "يَعْلَمُونَ" قالَ: إنَّ الصِّناعَةَ لا تُساعِدُ عَلَيْهِ؛ لِأنَّ بَدَلَ فِعْلٍ مُثْبَتٍ مِن فِعْلٍ مَنفِيٍّ يَصِحُّ. واسْتَظْهَرَ قَوْلُ الحَرْفِيِّ؛ أنَّ: "يَعْلَمُونَ" اسْتِئْنافٌ في المَعْنى. وأشارَ النّاصِرُ إلى جَوابِهِ بِأنَّ في تَنْكِيرِ: "ظاهِرًا" تَقْلِيلًا لِمَعْلُومِهِمْ. وتَقْلِيلُهُ يُقَرِّبُهُ مِنَ النَّفْيِ، فَيُطابِقُ المُبْدَلَ مِنهُ.
أقُولُ: التَّقْلِيلُ هو الوَحْدَةُ المُشارُ لَها بِقَوْلِ الزَّمَخْشَرِيِّ: وفي تَنْكِيرِ الظّاهِرِ أنَّهم لا يَعْلَمُونَ إلّا ظاهِرًا واحِدًا، مِن جُمْلَةِ الظَّواهِرِ.
أمّا قَوْلُ أبِي السُّعُودِ: وتَنْكِيرُ: "ظاهِرًا" لِلتَّحْقِيرِ والتَّخْسِيسِ دُونَ الوَحْدَةِ كَما تَوَهَّمَ. فَغَفْلَةٌ عَنْ مُشارَكَتِها لِلتَّعْلِيلِ الَّذِي بِهِ يُطابِقُ البَدَلُ المُبْدَلَ مِنهُ. فافْهَمْ.
ثُمَّ أنْكَرَ عَلَيْهِمْ قِصَرَ نَظَرِهِمْ عَلى ما ذُكِرَ مِن ظاهِرِ الحَياةِ الدُّنْيا، مَعَ الغَفْلَةِ عَنِ الآخِرَةِ بِقَوْلِهِ: ﴿أوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا في أنْفُسِهِمْ﴾ [الروم: ٨] أيْ: يُحْدِثُوا التَّفَكُّرَ في أنْفُسِهِمُ، الفارِغَةِ مِنَ الفِكْرِ (p-٤٧٦٨)والتَّفَكُّرِ. فالمَجْرُورُ ظَرْفٌ لِلتَّفَكُّرِ، ذِكْرُهُ لِزِيادَةِ التَّصْوِيرِ؛ إذِ الفِكْرُ لا يَكُونُ إلّا في النَّفْسِ، والتَّفَكُّرُ لا مُتَعَلَّقَ لَهُ؛ لِتَنْزِيلِهِ مَنزِلَةَ اللّازِمِ. وجُوِّزَ كَوْنُ المَجْرُورِ مَفْعُولُ: "يَتَفَكَّرُوا" لِأنَّهُ يَتَعَدّى بِـ في أيْ: أوْ لَمْ يَتَفَكَّرُوا في أمْرِ أنْفُسِهِمْ. فالمَعْنى حَثَّهم عَلى النَّظَرِ في ذَواتِهِمْ وما اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِن بَدِيعِ الصُّنْعِ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ والأرْضَ وما بَيْنَهُما إلا بِالحَقِّ﴾ [الروم: ٨] مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلٍ أوْ عِلْمٍ، يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّياقُ؛ أيْ: ألَمْ يَتَفَكَّرُوا فَيَقُولُوا أوْ فَيَعْلَمُوا.
وقالَ السَّمِينُ: (ما) نافِيَةٌ، وفي هَذِهِ الجُمْلَةِ وجْهانِ: أحَدُهُما -أنَّها مُسْتَأْنِفَةٌ لا تَعَلُّقَ لَها بِما قَبْلَها. والثّانِي- أنَّها مُعَلِّقَةٌ لِلتَّفَكُّرِ. فَيَكُونُ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى إسْقاطِ الخافِضِ. انْتَهى. والباءُ في قَوْلِهِ: "بِالحَقِّ" لِلْمُلابَسَةِ؛ أيْ: ما خَلَقَها باطِلًا ولا عَبَثًا بِغَيْرِ حِكْمَةٍ بالِغَةٍ، ولا لِتَبْقى خالِدَةً، وإنَّما خَلَقَها مَقْرُونَةً بِالحَقِّ، مَصْحُوبَةً بِالحَقِّ: ﴿وأجَلٍ مُسَمًّى﴾ [الروم: ٨] أيْ: وبِتَقْدِيرِ أجَلٍ مُسَمًّى، لا بُدَّ لَها مِن أنْ تَنْتَهِيَ إلَيْهِ، وهو قِيامُ السّاعَةِ، ووَقْتُ الحِسابِ، والثَّوابِ، والعِقابِ. ولِذا عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: ﴿وإنَّ كَثِيرًا مِنَ النّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ﴾ [الروم: ٨]
{"ayahs_start":7,"ayahs":["یَعۡلَمُونَ ظَـٰهِرࣰا مِّنَ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَهُمۡ عَنِ ٱلۡـَٔاخِرَةِ هُمۡ غَـٰفِلُونَ","أَوَلَمۡ یَتَفَكَّرُوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۗ مَّا خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَیۡنَهُمَاۤ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَأَجَلࣲ مُّسَمࣰّىۗ وَإِنَّ كَثِیرࣰا مِّنَ ٱلنَّاسِ بِلِقَاۤىِٕ رَبِّهِمۡ لَكَـٰفِرُونَ"],"ayah":"أَوَلَمۡ یَتَفَكَّرُوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۗ مَّا خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَیۡنَهُمَاۤ إِلَّا بِٱلۡحَقِّ وَأَجَلࣲ مُّسَمࣰّىۗ وَإِنَّ كَثِیرࣰا مِّنَ ٱلنَّاسِ بِلِقَاۤىِٕ رَبِّهِمۡ لَكَـٰفِرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق