الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [٥١ - ٥٣] ﴿ولَئِنْ أرْسَلْنا رِيحًا فَرَأوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ﴾ ﴿فَإنَّكَ لا تُسْمِعُ المَوْتى ولا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إذا ولَّوْا مُدْبِرِينَ﴾ [الروم: ٥٢] ﴿وما أنْتَ بِهادِ العُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إنْ تُسْمِعُ إلا مَن يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهم مُسْلِمُونَ﴾ [الروم: ٥٣] ﴿ولَئِنْ أرْسَلْنا رِيحًا﴾ عَلى الزَّرْعِ: ﴿فَرَأوْهُ مُصْفَرًّا﴾ أيْ: مِن تَأْثِيرِها فِيهِ: ﴿لَظَلُّوا مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ﴾ أيْ: مِن بَعْدِ اصْفِرارِهِ يَجْحَدُونَ ما تَقَدَّمَ إلَيْهِمْ مِنَ النِّعَمِ، أوْ يَقْنَطُونَ ولا يَصْبِرُونَ عَلى بَلائِهِ، وفِيهِ مِن ذَمِّهِمْ، وعَدَمِ تَدَبُّرِهِمْ، وسُرْعَةِ تَزَلْزُلِهِمْ لِعَدَمِ تَفَكُّرِهِمْ، وسُوءِ رَأْيِهِمْ- ما لا يَخْفى. (p-٤٧٨٨)ثُمَّ أشارَ تَعالى إلى أنَّ مَن أنْكَرَ قُدْرَتَهُ عَلى إحْياءِ الزَّرْعِ بَعْدَ اصْفِرارِهِ، وقَدْ رَأى قُدْرَتَهُ عَلى إحْياءِ الأرْضِ بَعْدَ مَوْتِها، فَهو مَيِّتٌ لا يُمْكِنُ إسْماعُهُ خَبَرَ إحْياءِ المَوْتى، بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿فَإنَّكَ لا تُسْمِعُ المَوْتى﴾ [الروم: ٥٢] أيْ: لِما أنَّ هَؤُلاءِ مِثْلُهُمْ، لِانْسِدادِ مَشاعِرِهِمْ عَنِ الحَقِّ: ﴿ولا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إذا ولَّوْا مُدْبِرِينَ﴾ [الروم: ٥٢] قالَ أبُو السُّعُودِ: تَقْيِيدُ الحُكْمِ بِما ذُكِرَ، لِبَيانِ كَمالِ سُوءِ حالِ الكَفَرَةِ، والتَّنْبِيهِ عَلى أنَّهم جامِعُونَ لِخَصْلَتَيِ السُّوءِ، نُبُوِّ أسْماعِهِمْ عَنِ الحَقِّ، وإعْراضِهِمْ عَنِ الإصْغاءِ إلَيْهِ، ولَوْ كانَ فِيهِمْ إحْداهُما، لَكَفاهم ذَلِكَ، فَكَيْفَ وقَدْ جَمَعُوهُما؟ ﴿وما أنْتَ بِهادِي العُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إنْ تُسْمِعُ﴾ [النمل: ٨١] أيْ: ما تُسْمِعُ: ﴿إلا مَن يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهم مُسْلِمُونَ﴾ [الروم: ٥٣] أيْ: مُنْقادُونَ لِما تَأْمُرُهم بِهِ مِنَ الحَقِّ. تَنْبِيهٌ: قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وقَدِ اسْتَدَلَّتْ أُمُّ المُؤْمِنِينَ عائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها بِهَذِهِ الآيَةِ: ﴿فَإنَّكَ لا تُسْمِعُ المَوْتى﴾ [الروم: ٥٢] عَلى تَوْهِيمِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ في رِوايَةِ مُخاطَبَةِ النَّبِيِّ ﷺ القَتْلى الَّذِينَ أُلْقُوا في قَلِيبِ بَدْرٍ، بَعْدَ ثَلاثَةِ أيّامٍ، ومُعاتَبَتِهِ إيّاهم وتَقْرِيعِهِ لَهُمْ، حَتّى قالَ لَهُ عُمَرُ: يا رَسُولَ اللَّهِ! ما تُخاطِبُ مِن قَوْمٍ قَدْ جِيفُوا؟ فَقالَ: ««والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! ما أنْتُمْ بِأسْمَعَ لِما أقُولُ، مِنهُمْ، ولَكِنْ لا يُجِيبُونَ»» . وتَأوَّلَتْهُ عائِشَةُ عَلى أنَّهُ قالَ: إنَّهُمُ الآنَ يَعْلَمُونَ أنَّ ما كُنْتُ أقُولُ لَهم حَقٌّ. وقالَ قَتادَةُ: أحْياهُمُ اللَّهُ لَهُ حَتّى سَمِعُوا مَقالَتَهُ، تَقْرِيعًا وتَوْبِيخًا ونِقْمَةً. ثُمَّ قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: والصَّحِيحُ عِنْدَ العُلَماءِ رِوايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، لِما لَها مِنَ الشَّواهِدِ عَلى صِحَّتِها مِن وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، مِن أشْهَرِ ذَلِكَ ما رَواهُ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ مُصَحِّحًا لَهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ مَرْفُوعًا: ««ما مِن أحَدٍ يَمُرُّ بِقَبْرِ أخِيهِ المُسْلِمِ، كانَ يَعْرِفُهُ في الدُّنْيا، فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ إلّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ رُوحَهُ حَتّى يَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلامَ»» . انْتَهى. وقالَ ابْنُ الهُمامِ: أكْثَرُ مَشايِخِنا عَلى أنَّ المَيِّتَ لا يَسْمَعُ اسْتِدْلالًا بِهَذِهِ الآيَةِ ونَحْوَها، (p-٤٧٨٩)ولِذا لَمْ يَقُولُوا: بِتَلْقِينِ القَبْرِ، وقالُوا: لَوْ حَلَفَ لا يُكَلِّمُ فُلانًا، فَكَلَّمَهُ مَيِّتًا لا يَحْنَثُ. وأوْرَدَ عَلَيْهِمْ قَوْلَهُ ﷺ في أهْلِ القَلِيبِ ««ما أنْتُمْ بِأسْمَعَ مِنهم»» وأُجِيبَ تارَةً بِأنَّهُ رُوِيَ عَنْ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أنَّها أنْكَرَتْهُ، وأُخْرى بِأنَّهُ مِن خُصُوصِيّاتِهِ ﷺ مُعْجِزَةٌ لَهُ، أوْ أنَّهُ تَمْثِيلٌ، كَما رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وجْهَهُ، وأوْرَدَ عَلَيْهِ ما في مُسْلِمٍ مِن أنَّ المَيِّتَ يَسْمَعُ قَرْعَ نِعالِهِمْ إذا انْصَرَفُوا. إلّا أنْ يَخُصَّ بِأوَّلِ الوَضْعِ في القَبْرِ، مُقَدِّمَةً لِلسُّؤالِ، جَمْعًا بَيْنَهُ وبَيْنَ ما في القُرْآنِ. نَقَلَهُ الشِّهابُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب