الباحث القرآني

(p-٤٧٦٤)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سُورَةُ الرُّومِ قالَ المَهايِمِيُّ: سُمِّيَتْ بِها لِاشْتِمالِ قِصَّتِها عَلى مُعْجِزَةٍ تُفِيدُ لِلْمُؤْمِنِينَ فَرَحًا عَظِيمًا، بَعْدَ تَرَحٍ يَسِيرٍ. فَتُبْطِلُ شَماتَةَ أعْدائِهِمْ. وتَدُلُّ عَلى أنَّ عاقِبَةَ الأمْرِ لَهم. وهَذا مِن أعْظَمِ مَقاصِدِ القُرْآنِ. وهِيَ مَكِّيَّةٌ. وآيُها سِتُّونَ آيَةً. (p-٤٧٦٥)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [١ - ٦] ﴿الم﴾ ﴿غُلِبَتِ الرُّومُ﴾ [الروم: ٢] ﴿فِي أدْنى الأرْضِ وهم مِن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ﴾ [الروم: ٣] ﴿فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأمْرُ مِن قَبْلُ ومِن بَعْدُ ويَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ﴾ [الروم: ٤] ﴿بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَن يَشاءُ وهو العَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ [الروم: ٥] ﴿وعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وعْدَهُ ولَكِنَّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ [الروم: ٦] ﴿غُلِبَتِ الرُّومُ﴾ [الروم: ٢] ﴿فِي أدْنى الأرْضِ وهم مِن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ﴾ [الروم: ٣] ﴿فِي بِضْعِ سِنِينَ﴾ [الروم: ٤] اتَّفَقَ المُؤَرِّخُونَ مِنَ المُسْلِمِينَ وأهْلِ الكِتابِ عَلى أنَّ مَلِكَ فارِسَ كانَ غَزا بِلادَ الشّامِ، وفَتَحَ دِمَشْقَ، وبَيْتَ المَقْدِسِ، الأُولى سَنَةَ ٦١٣، والثّانِيَةَ سَنَةَ ٦١٤؛ أيْ: قَبْلَ الهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ بِسَبْعِ سِنِينَ -فَحَدَثَ أنْ بَلَغَ الخَبَرُ مَكَّةَ، فَفَرِحَ المُشْرِكُونَ، وشَمِتُوا بِالمُسْلِمِينَ، وقالُوا: أنْتُمْ والنَّصارى أهْلُ كِتابٍ، ونَحْنُ وفارِسُ وثَنِيُّونَ، وقَدْ ظَهَرَ إخْوانُنا عَلى إخْوانِكُمْ، ولَنَظْهَرَنَّ عَلَيْكُمْ، فَنَزَلَتِ الآيَةُ، فَتُلِيَتْ عَلى المُشْرِكِينَ، فَأحالَ وُقُوعَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ، وتَراهَنَ مَعَ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلى مِائَةِ قَلُوصٍ، إنْ وقَعَ مِصْداقُها، فَلَمْ يَمْضِ مِنَ البِضْعِ -وهُوَ ما بَيْنَ الثَّلاثِ إلى التِّسْعِ- سَبْعُ سِنِينَ إلّا وقَدْ نَظَّمَ هِرَقْلُ جُنُودَ الرُّومِ وغَزا بِهِمْ بِلادَ فارِسَ سَنَةَ ٦٢١؛ أيْ: قَبْلَ الهِجْرَةِ بِسَنَةٍ، فَدَوَّخَها، واضْطُرَّ مَلِكُها لِلْهَرَبِ، وعادَ هِرَقْلُ بِالغَنائِمِ الوافِرَةِ. ولا رَيْبَ أنَّ ذَلِكَ أعْظَمُ مُعْجِزاتِ القُرْآنِ؛ أعْنِي إخْبارَهُ عَنْ غَيْبٍ وقَعَ مِصْداقُهُ، (p-٤٧٦٦)واسْتَبانَ لِلْجاحِدِينَ مِن نُورِهِ إشْراقُهُ، وفي ضِمْنِهِ أنَّ سائِرَ غُيُوبِهِ كَذَلِكَ مِن ظُهُورِ الإسْلامِ عَلى الدِّينِ كُلِّهِ، وزُهُوقِ الباطِلِ، وعُلُوِّ الحَقِّ، وجَعْلِ المُسْتَضْعَفِينَ أئِمَّةً، وإيراثِهِمْ أرْضَ عَدُوِّهِمْ، إلى غَيْرِ ذَلِكَ. وما ألْطَفَ ما قالَ الزُّبَيْرُ الكِلائِيُّ: رَأيْتُ غَلَبَةَ فارِسَ الرُّومَ، ثُمَّ رَأيْتُ غَلَبَةَ الرُّومِ فارِسَ، ثُمَّ رَأيْتُ غَلَبَةَ المُسْلِمِينَ فارِسَ والرُّومَ، كُلُّ ذَلِكَ في خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً -مِن أواخِرِ غَلَبَةِ فارِسَ إلى أوائِلِ غَلَبَةِ المُسْلِمِينَ- والأرْضُ، (كَما قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ ): أرْضُ العَرَبِ؛ لِأنَّ الأرْضَ المَعْهُودَةَ عِنْدَ العَرَبِ أرْضُهم. والمَعْنى: غُلِبُوا في أدْنى أرْضِ العَرَبِ أيْ: أقْرَبِها مِنهُمْ، وهي أطْرافُ الشّامِ: ﴿لِلَّهِ الأمْرُ مِن قَبْلُ﴾ [الروم: ٤] أيْ: مِن قَبْلِ غَلَبَةِ فارِسَ عَلى الرُّومِ: ﴿ومِن بَعْدُ﴾ [الروم: ٤] أيْ: مِن بَعْدِ غَلَبَةِ الرُّومِ عَلى فارِسَ. ويُقالُ: لِلَّهِ العِلْمُ والقُدْرَةُ والمَشِيئَةُ مِن قَبْلِ إبْداءِ الخَلْقِ، ومِن بَعْدِ إفْناءِ الخَلْقِ، والمَعْنى: أنَّ كُلًّا مِن كَوْنِهِمْ مَغْلُوبِينَ أوَّلًا، وغالِبِينَ آخِرًا، لَيْسَ إلّا بِأمْرِهِ وقَضائِهِ، وعِلْمِهِ ومَشِيئَتِهِ، كَما قالَ تَعالى: ﴿وتِلْكَ الأيّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النّاسِ﴾ [آل عمران: ١٤٠] ﴿ويَوْمَئِذٍ﴾ [الروم: ٤] أيْ: يَوْمَ إذْ يَغْلِبُ الرُّومُ عَلى فارِسَ، ويَحُلُّ ما وعَدَهُ اللَّهُ تَعالى مِن غَلَبَتِهِمْ ﴿يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ﴾ [الروم: ٤] ﴿بِنَصْرِ اللَّهِ﴾ [الروم: ٥] أيْ: تَغْلِيبِهِ مَن لَهُ كِتابٌ عَلى مَن لا كِتابَ لَهُ، وغَيْظُ مَن شَمِتَ بِهِمْ مِن كُفّارِ مَكَّةَ. ويُقالُ: نَصْرُ اللَّهِ هو إظْهارُ صِدْقِ المُؤْمِنِينَ فِيما أخْبَرُوا بِهِ المُشْرِكِينَ: ﴿يَنْصُرُ مَن يَشاءُ﴾ [الروم: ٥] أيْ: مِن عِبادِهِ عَلى عَدُوِّهِ: ﴿وهُوَ العَزِيزُ﴾ [الروم: ٥] أيِ: القاهِرُ الغالِبُ عَلى أمْرِهِ، لا يُعْجِزُهُ مَن شاءَ نَصْرَهُ: ﴿الرَّحِيمُ﴾ [الروم: ٥] أيْ: مِن نَصْرِهِ وتَغْلِيبِهِ مَن يَشاءُ: ﴿وعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وعْدَهُ ولَكِنَّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ [الروم: ٦] أيْ: بِحِكْمَتِهِ تَعالى، في كَوْنِهِ وأفْعالِهِ المُحْكَمَةِ، الجارِيَةِ عَلى وفْقِ العَدْلِ، لِجَهْلِهِمْ وعَدَمِ تَفَكُّرِهِمْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب