الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [١٣ - ١٨] ﴿ولَمْ يَكُنْ لَهم مِن شُرَكائِهِمْ شُفَعاءُ وكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ﴾ ﴿ويَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ﴾ [الروم: ١٤] ﴿فَأمّا الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ فَهم في رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ﴾ [الروم: ١٥] ﴿وأمّا الَّذِينَ كَفَرُوا وكَذَّبُوا بِآياتِنا ولِقاءِ الآخِرَةِ فَأُولَئِكَ في العَذابِ مُحْضَرُونَ﴾ [الروم: ١٦] (p-٤٧٧٠)﴿فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وحِينَ تُصْبِحُونَ﴾ [الروم: ١٧] ﴿ولَهُ الحَمْدُ في السَّماواتِ والأرْضِ وعَشِيًّا وحِينَ تُظْهِرُونَ﴾ [الروم: ١٨] ﴿ولَمْ يَكُنْ لَهم مِن شُرَكائِهِمْ شُفَعاءُ﴾ أيْ: يُجِيرُونَهم مِن عَذابِ اللَّهِ، كَما كانُوا يَزْعُمُونَ: ﴿وكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ﴾ أيْ: بِإلَهِيَّتِهِمْ وشَرِكَتِهِمْ لِلَّهِ تَعالى، حَيْثُ وقَفُوا عَلى كُنْهِ أمْرِهِمْ: ﴿ويَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ﴾ [الروم: ١٤] أيْ: يَتَمَيَّزُ المُؤْمِنُونَ والكافِرُونَ في المَحالِ والأحْوالِ: ﴿فَأمّا الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ فَهم في رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ﴾ [الروم: ١٥] أيْ: يَسُرُّونَ: ﴿وأمّا الَّذِينَ كَفَرُوا وكَذَّبُوا بِآياتِنا ولِقاءِ الآخِرَةِ فَأُولَئِكَ في العَذابِ مُحْضَرُونَ﴾ [الروم: ١٦] أيْ: لا يَغِيبُونَ عَنْهُ ولا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ: ﴿فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وحِينَ تُصْبِحُونَ﴾ [الروم: ١٧] ﴿ولَهُ الحَمْدُ في السَّماواتِ والأرْضِ وعَشِيًّا وحِينَ تُظْهِرُونَ﴾ [الروم: ١٨] لَمّا ذَكَرَ الوَعْدَ والوَعِيدَ، تَأثُّرَهُ بِما هو وسِيلَةٌ لِلْفَوْزِ والنَّجاةِ، مِن تَنْزِيهِهِ تَعالى عَمّا لا يَلِيقُ بِهِ، والثَّناءِ عَلَيْهِ بِصِفاتِهِ الجَمِيلَةِ، وأداءِ حَقِّ العُبُودِيَّةِ، و(الفاءُ) لِلتَّقْرِيعِ فَكَأنَّهُ قِيلَ: إذا صَحَّ واتَّضَحَ عاقِبَةُ المُطِيعِينَ والعاصِينَ، فَقُولُوا: نُسَبِّحُ سُبْحانَ إلَخْ. والمَعْنى فَسَبِّحُوهُ تَسْبِيحًا دائِمًا. و(سُبْحانَ): خَبَرٌ في مَعْنى الأمْرِ بِتَنْزِيهِ اللَّهِ تَعالى وحَمْدِهِ؛ أيِ: الثَّناءُ عَلَيْهِ في هَذِهِ الأوْقاتِ الَّتِي تَظْهَرُ فِيها قُدْرَتُهُ، وتَتَجَدَّدُ فِيها نِعْمَتُهُ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وعَشِيًّا﴾ [الروم: ١٨] مَعْطُوفٌ عَلى: ﴿حِينَ﴾ [الروم: ١٧] وتَقْدِيمُهُ عَلى: "حِينَ تُظْهِرُونَ" لِمُراعاةِ الفَواصِلِ، وقَوْلُهُ: ﴿ولَهُ الحَمْدُ﴾ [الروم: ١٨] مُعْتَرِضٌ بَيْنَهُما. والمُرادُ بِثُبُوتِ حَمْدِهِ فِيهِما، اسْتِحْقاقُهُ الحَمْدَ مِمَّنْ لَهُ تَمْيِيزٌ مِن أهْلِها. قالَ أبُو السُّعُودِ: والإخْبارُ بِثُبُوتِ الحَمْدِ لَهُ، ووُجُوبِهِ عَلى المُمَيِّزِينَ مِن أهْلِ السَّماواتِ والأرْضِ، في مَعْنى الأمْرِ بِهِ عَلى أبْلَغِ وجْهٍ وآكَدِهِ، وتَوْسِيطِهِ بَيْنَ أوْقاتِ التَّسْبِيحِ، لِلِاعْتِناءِ بِشَأْنِهِ، والإشْعارِ بِأنَّ حَقَّهُما أنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُما، كَما يُنْبِئُ عَنْهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ونَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ﴾ [البقرة: ٣٠] وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ [الحجر: ٩٨] وقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أنَّ الآيَةَ جامِعَةٌ لِلصَّلَواتِ الخَمْسِ: ﴿تُمْسُونَ﴾ [الروم: ١٧] صَلاةُ المَغْرِبِ والعِشاءِ. و: ﴿تُصْبِحُونَ﴾ [الروم: ١٧] (p-٤٧٧١)صَلاةُ الفَجْرِ. و: "عَشِيًّا" صَلاةُ العَصْرِ. و: ﴿تُظْهِرُونَ﴾ [الروم: ١٨] صَلاةُ الظُّهْرِ. فَإنْ قِيلَ: لِمَ غَيَّرَ الأُسْلُوبَ فِي: "عَشِيًّا"؟ أُجِيبَ، (كَما قالَ أبُو السُّعُودِ): بِأنَّ تَغَيُّرَ الأُسْلُوبِ لِما أنَّهُ لا يَجِيءُ مِنهُ الفِعْلُ بِمَعْنى الدُّخُولِ في العَشِيِّ، كالمَساءِ والصَّباحِ والظَّهِيرَةِ، ولَعَلَّ السِّرَّ في ذَلِكَ أنَّهُ لَيْسَ مِنَ الأوْقاتِ الَّتِي تَخْتَلِفُ فِيها أحْوالُ النّاسِ، وتَتَغَيَّرُ تَغَيُّرًا ظاهِرًا مُصَحَّحًا؛ لِوَصْفِهِمْ بِالخُرُوجِ عَمّا قَبْلَها، والدُّخُولِ فِيها، كالأوْقاتِ المَذْكُورَةِ. فَإنَّ كُلًّا مِنها وقْتٌ تَتَغَيَّرُ فِيهِ الأحْوالُ تَغَيُّرًا ظاهِرًا، أمّا في المَساءِ والصَّباحِ فَظاهِرٌ، وأمّا في الظَّهِيرَةِ فَلِأنَّها وقْتٌ يُعْتادُ فِيهِ التَّجَرُّدُ عَنِ الثِّيابِ لِلْقَيْلُولَةِ، كَما مَرَّ في سُورَةِ النُّورِ. انْتَهى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب