الباحث القرآني

اَلْقَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [ ٩٠ ] ﴿إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهم وأُولَئِكَ هُمُ الضّالُّونَ﴾ ﴿إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهم وأُولَئِكَ هُمُ الضّالُّونَ﴾ أيْ: الَّذِينَ ضَلُّوا سَبِيلَ الحَقِّ وأخْطَأُوا مِنهاجَهُ، وقَدْ أشْكَلَ عَلى كَثِيرٍ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ﴾ مَعَ أنَّ التَّوْبَةَ عِنْدَ الجُمْهُورِ مَقْبُولَةٌ كَما في الآيَةِ قَبْلَها، وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿وهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ﴾ [الشورى: ٢٥] وغَيْرُ ذَلِكَ، فَأجابُوا: بِأنَّ المُرادَ عِنْدَ حُضُورِ المَوْتِ. قالَ الواحِدِيُّ في (الوَجِيزِ): لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهم لِأنَّهم لا يَتُوبُونَ إلّا عِنْدَ حُضُورِ المَوْتِ، وتِلْكَ التَّوْبَةُ لا تُقْبَلُ. - انْتَهى - . أيْ: كَما قالَ تَعالى: ﴿ولَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتّى إذا حَضَرَ أحَدَهُمُ المَوْتُ﴾ [النساء: ١٨] الآيَةُ. وقِيلَ: عَدَمُ قَبُولِ تَوْبَتِهِمْ كِنايَةً عَنْ عَدَمِ تَوْبَتِهِمْ، أيْ: لا يَتُوبُونَ. كَقَوْلِهِ: ﴿أأنْذَرْتَهم أمْ لَمْ تُنْذِرْهم لا يُؤْمِنُونَ﴾ [البقرة: ٦] وإنَّما كَنّى بِذَلِكَ تَغْلِيظًا في شَأْنِهِمْ وإبْرازًا لِحالِهِمْ في صُورَةِ حالِ الآيِسِينَ مِنَ الرَّحْمَةِ، وقِيلَ: لِأنَّ تَوْبَتَهم لا تَكُونُ إلّا نِفاقًا لِارْتِدادِهِمْ وازْدِيادِهِمْ كُفْرًا. وبَقِيَ لِلْمُفَسِّرِينَ وُجُوهٌ أُخْرى، هي في التَّأْوِيلِ أبْعَدُ مِمّا ذُكِرَ. (p-٨٨٥)ولا أرى هَذِهِ الآيَةَ إلّا كَآيَةِ النِّساءِ: ﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا﴾ [النساء: ١٣٧] إلَخْ. وكِلاهُما مِمّا يَدُلُّ صَراحَةً عَلى أنَّ مَن تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ لا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، وإلى هَذا ذَهَبَ إسْحاقُ وأحْمَدُ كَما قَدَّمْنا، وذَلِكَ لِرُسُوخِهِ في الكُفْرِ. وقَدْ أشارَ القاشانِيُّ إلى أنَّ هَذِهِ الآيَةَ مَعَ الَّتِي قَبْلَها يُسْتَفادُ مِنها أنَّ الكَفَرَةَ قِسْمانِ في بابِ العِنادِ، وعِبارَتُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا﴾ [آل عمران: ٨٦] أنْكَرَ تَعالى هِدايَتَهُ لِقَوْمٍ قَدْ هَداهم أوَّلًا بِالنُّورِ الِاسْتِعْدادِيِّ إلى الإيمانِ، ثُمَّ بِالنُّورِ الإيمانِيِّ إلى أنْ عايَنُوا حَقِّيَّةَ الرَّسُولِ وأيْقَنُوا بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ لَهم (كَذا) . وانْضَمَّ إلَيْهِ الِاسْتِدْلالُ العَقْلِيُّ بِالبَيِّناتِ، ثُمَّ ظَهَرَتْ نَفْسُهم بَعْدَ هَذِهِ الشَّواهِدِ كُلِّها بِالعِنادِ واللَّجاجِ وحَجَبَتْ أنْوارَ قُلُوبِهِمْ وعُقُولِهِمْ وأرْواحِهِمْ الشّاهِدَةِ ثَلاثَتُها بِالحَقِّ لِلْحَقِّ، لِشُؤْمِ ظُلْمِهِمْ وقُوَّةِ اسْتِيلاءِ نُفُوسِهِمْ الأمّارَةِ عَلَيْهِمْ الَّذِي هو غايَةُ الظُّلْمِ فَقالَ: ﴿واللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الظّالِمِينَ﴾ [آل عمران: ٨٦] لِغِلَظِ حِجابِهِمْ وتَعَمُّقِهِمْ في البُعْدِ عَنْ الحَقِّ وقَبُولِ النُّورِ. وهم قِسْمانِ: قِسْمٌ رَسَخَتْ هَيْئَةُ اسْتِيلاءِ النُّفُوسِ الأمّارَةِ عَلى قُلُوبِهِمْ فِيهِمْ وتَمَكَّنَتْ، وتَناهَوْا في الغَيِّ والِاسْتِشْراءِ، وتَمادَوْا في البُعْدِ والعِنادِ، حَتّى صارَ ذَلِكَ مَلَكَةً لا تَزُولُ. وقِسْمٌ لَمْ يَرْسُخْ ذَلِكَ فِيهِمْ بَعْدُ، ولَمْ يَصِرْ عَلى قُلُوبِهِمْ رَيْنًا، ويَبْقى مِن وراءِ حِجابِ النَّفْسِ مَسْكَةٌ مِن نُورِ اسْتِعْدادِهِمْ، عَسى أنْ تَتَدارَكَهم رَحْمَةٌ مِنَ اللَّهِ وتَوْفِيقٌ فَيَنْدَمُوا ويَسْتَجِيبُوا بِحُكْمِ غَرِيزَةِ العُقُولِ. فَأشارَ إلى القِسْمِ الأوَّلِ بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إيمانِهِمْ﴾ إلى آخِرِهِ، وإلى الثّانِي بِقَوْلِهِ: ﴿إلا الَّذِينَ تابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وأصْلَحُوا﴾ [آل عمران: ٨٩] بِالمُواظَبَةِ عَلى الأعْمالِ والرِّياضاتِ، ما أفْسَدُوا - انْتَهى - .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب