الباحث القرآني
اَلْقَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[ ٥٥ ] ﴿إذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إنِّي مُتَوَفِّيكَ ورافِعُكَ إلَيَّ ومُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إلى يَوْمِ القِيامَةِ ثُمَّ إلَيَّ مَرْجِعُكم فَأحْكُمُ بَيْنَكم فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾
﴿إذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إنِّي مُتَوَفِّيكَ﴾ أيْ: مُسْتَوْفٍ مُدَّةَ إقامَتِكَ بَيْنَ قَوْمِكَ. والتَّوَفِّي، كَما يُطْلَقُ عَلى الإماتَةِ، كَذَلِكَ يُطْلَقُ عَلى اسْتِيفاءِ الشَّيْءِ. كَما في كُتُبِ اللُّغَةِ. ولَوْ ادُّعِيَ أنَّ التَّوَفِّيَ حَقِيقَةٌ في الأوَّلِ، والأصْلُ في الإطْلاقِ الحَقِيقَةُ فَنَقُولُ: لا مانِعَ مِن تَشْبِيهِ سَلْبِ تَصَرُّفِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ بِأتْباعِهِ وانْتِهاءِ مُدَّتِهِ المُقَدَّرَةِ بَيْنَهم بِسَلْبِ الحَياةِ. وهَذا الوَجْهُ ظاهِرٌ جَدًّا، ولَهُ نَظائِرُ في الكِتابِ العَزِيزِ، قالَ تَعالى: ﴿اللَّهُ يَتَوَفّى الأنْفُسَ حِينَ مَوْتِها والَّتِي لَمْ تَمُتْ في مَنامِها﴾ [الزمر: ٤٢] قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: يُرِيدُ: ويَتَوَفّى الأنْفُسَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ في مَنامِها، أيْ: يَتَوَفّاها حِينَ تَنامُ، تَشْبِيهًا لِلنّائِمِينَ بِالمَوْتى، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وهُوَ الَّذِي يَتَوَفّاكم بِاللَّيْلِ﴾ [الأنعام: ٦٠] حَيْثُ لا يُمَيِّزُونَ ولا (p-٨٥٢)يَتَصَرَّفُونَ، كَما أنَّ المَوْتى كَذَلِكَ - انْتَهى كَلامُهُ - . ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحانَهُ في بِشارَتِهِ بِالرِّفْعَةِ إلى مَحَلِّ كَرامَتِهِ ومَوْطِنِ مَلائِكَتِهِ ومَعْدِنِ النَّزاهَةِ عَنْ الأدْناسِ فَقالَ: ﴿ورافِعُكَ إلَيَّ ومُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أيْ: مِن مَكْرِهِمْ وخُبْثِ صُحْبَتِهِمْ. وقَدْ دَلَّتْ هَذِهِ الآيَةُ بِظاهِرِها عَلى أنَّ اللَّهَ تَعالى فَوْقَ سَماواتِهِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إلَيْهِ وكانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا﴾ [النساء: ١٥٨] وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَخافُونَ رَبَّهم مِن فَوْقِهِمْ ويَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ﴾ [النحل: ٥٠] وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يُدَبِّرُ الأمْرَ مِنَ السَّماءِ إلى الأرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إلَيْهِ﴾ [السجدة: ٥] وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أأمِنتُمْ مَن في السَّماءِ أنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ فَإذا هي تَمُورُ﴾ [الملك: ١٦] وهو مَذْهَبُ السَّلَفِ قاطِبَةً، كَما نَقَلَهُ الإمامُ الذَّهَبِيُّ في كِتابِ (العُلُوُّ) .
قالَ أبُو الوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ في (مَناهِجِ الأدِلَّةِ): لَمْ يَزَلْ أهْلُ الشَّرِيعَةِ مِن أوَّلِ الأمْرِ يُثْبِتُونَ لِلَّهِ سُبْحانَهُ وتَعالى جِهَةَ (الفَوْقِ) حَتّى نَفَتْها المُعْتَزِلَةُ، ثُمَّ تَبِعَهم عَلى نَفْيِها مُتَأخِّرُو الأشاعِرَةِ كَأبِي المَعالِي ومَن اقْتَدى بِقَوْلِهِ - إلى أنْ قالَ: والشَّرائِعُ كُلُّها مَبْنِيَّةٌ عَلى أنَّ اللَّهَ في السَّماءِ، وأنَّ مِنهُ تَتَنَزَّلُ المَلائِكَةُ بِالوَحْيِ إلى النَّبِيِّينَ، وأنَّ مِنَ السَّماواتِ نَزَلَتْ الكُتُبُ، وإلَيْها كانَ الإسْراءُ بِالنَّبِيِّ ﷺ . وجَمِيعُ الحُكَماءِ قَدْ اتَّفَقُوا عَلى أنَّ اللَّهَ والمَلائِكَةَ في السَّماءِ، كَما اتَّفَقَتْ جَمِيعُ الشَّرائِعِ عَلى ذَلِكَ بِالمَعْقُولِ. وبَيَّنَ بُطْلانَ الشُّبْهَةِ الَّتِي لِأجْلِها نَفَتْها الجَهْمِيَّةُ ومَن وافَقَهم - إلى أنْ قالَ: فَقَدْ ظَهَرَ لَكَ مِن هَذا أنَّ إثْباتَ الجِهَةِ واجِبٌ بِالشَّرْعِ والعَقْلِ. وأنَّ إبْطالَهُ إبْطالُ الشَّرائِعِ. قالَ الدّارِمِيُّ: وقَدْ اتَّفَقَتْ الكَلِمَةُ مِنَ المُسْلِمِينَ أنَّ اللَّهَ فَوْقَ عَرْشِهِ فَوْقَ سَماواتِهِ. وقَدْ بَسَطَ نُصُوصَ السَّلَفِ الحافِظُ الذَّهَبِيُّ في كِتابِ (العُلُوِّ) فانْظُرْهُ، (p-٨٥٣)هَذا، ولَمّا كانَ لِذَوِي الهِمَمِ العَوالِ أشَدُّ التِفاتٍ إلى ما يَكُونُ عَلَيْهِ خُلَفاؤُهم مِن بَعْدِهِمْ مِنَ الأحْوالِ، بَشَّرَهُ تَعالى في ذَلِكَ بِما بَشَّرَهُ فَقالَ: ﴿وجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إلى يَوْمِ القِيامَةِ﴾ وكَذا كانَ لَمْ يَزَلْ مَن انْتَحَلَ النَّصْرانِيَّةَ فَوْقَ اليَهُودِ، ولا يَزالُونَ كَذَلِكَ إلى أنْ يَعْدَمُوا، فَلا يَبْقى مِنهم أحَدٌ: ﴿ثُمَّ إلَيَّ مَرْجِعُكم فَأحْكُمُ بَيْنَكم فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ ثُمَّ فَسَّرَ الحُكْمَ الواقِعَ بَيْنَ الفَرِيقَيْنِ بِقَوْلِهِ: ﴿فَأمّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهم عَذابًا شَدِيدًا في الدُّنْيا والآخِرَةِ وما لَهم مِن ناصِرِينَ﴾ [آل عمران: ٥٦]
{"ayah":"إِذۡ قَالَ ٱللَّهُ یَـٰعِیسَىٰۤ إِنِّی مُتَوَفِّیكَ وَرَافِعُكَ إِلَیَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ وَجَاعِلُ ٱلَّذِینَ ٱتَّبَعُوكَ فَوۡقَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ إِلَىٰ یَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِۖ ثُمَّ إِلَیَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأَحۡكُمُ بَیۡنَكُمۡ فِیمَا كُنتُمۡ فِیهِ تَخۡتَلِفُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











