الباحث القرآني

اَلْقَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [ ١٩٥ ] ﴿فاسْتَجابَ لَهم رَبُّهم أنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنكم مِن ذَكَرٍ أوْ أُنْثى بَعْضُكم مِن بَعْضٍ فالَّذِينَ هاجَرُوا وأُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وأُوذُوا في سَبِيلِي وقاتَلُوا وقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهم سَيِّئاتِهِمْ ولأُدْخِلَنَّهم جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ ثَوابًا مِن عِنْدِ اللَّهِ واللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ﴾ . ﴿فاسْتَجابَ لَهم رَبُّهم أنِّي﴾ أيْ: بِأنِّي: ﴿لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنكم مِن ذَكَرٍ أوْ أُنْثى﴾ بَيانٌ لِـ (عامِلٍ ) وتَأْكِيدٌ لِعُمُومِهِ: ﴿بَعْضُكم مِن بَعْضٍ﴾ أيْ: الذَّكَرُ مِنَ الأُنْثى والأُنْثى مِنَ الذَّكَرِ، كُلُّكم بَنُو آدَمَ. وهَذِهِ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ مُبَيِّنَةٌ سَبَبَ شَرِكَةِ النِّساءِ مَعَ الرِّجالِ، فِيما وعَدَ اللَّهُ عِبادَهُ العامِلِينَ. ورَوى الحافِظُ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ في سُنَنِهِ «عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أنَّها قالَتْ: يا رَسُولَ اللَّهِ، لا أسْمَعُ اللَّهَ ذَكَرَ النِّساءَ في الهِجْرَةِ بِشَيْءٍ، فَأنْزَلَ اللَّهُ تَعالى: ﴿فاسْتَجابَ لَهم رَبُّهُمْ﴾ الآيَةُ -» وقالَتْ الأنْصارُ: هي أوَّلُ ظَعِينَةٍ قَدِمَتْ عَلَيْنا - ورَواهُ التِّرْمِذِيُّ، (p-١٠٧٢)والحاكِمُ في (مُسْتَدْرَكِهِ) وقالَ: صَحِيحٌ عَلى شَرْطِ البُخارِيِّ، ولَمْ يُخَرِّجاهُ. ورَوى ابْنُ مَرْدُوَيْهِ عَنْ مُجاهِدٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قالَتْ: آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ: ﴿فاسْتَجابَ لَهم رَبُّهُمْ﴾ إلى آخِرِها. وعَنْ جَعْفَرٍ الصّادِقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَن حَزَبَهُ أمْرٌ، فَقالَ: خَمْسَ مَرّاتٍ (رَبَّنا) - أنْجاهُ اللَّهُ مِمّا يَخافُ، وأعْطاهُ ما أرادَ. وقَرَأ الآياتِ. ﴿فالَّذِينَ هاجَرُوا﴾ مُبْتَدَأٌ، وهو تَفْصِيلٌ لِعَمَلِ العامِلِ مِنهم عَلى سَبِيلِ التَّعْظِيمِ لَهُ والتَّفْخِيمِ، كَأنَّهُ قالَ: فاَلَّذِينَ عَمِلُوا هَذِهِ الأعْمالَ السُّنِّيَّةَ وهي المُهاجِرَةُ عَنْ أوْطانِهِمْ فارِّينَ إلى اللَّهِ بِدِينِهِمْ مِن دارِ الفِتْنَةِ: ﴿وأُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ﴾ أيْ: الَّتِي وُلِدُوا فِيها ونَشَأُوا: ﴿وأُوذُوا في سَبِيلِي﴾ أيْ: مِن أجْلِهِ وبِسَبَبِهِ، يُرِيدُ سَبِيلَ الإيمانِ بِاَللَّهِ وحْدَهُ، وهو مُتَناوِلٌ لِكُلِّ أذًى نالَهم مِنَ المُشْرِكِينَ: ﴿وقاتَلُوا وقُتِلُوا﴾ أيْ: غَزَوْا المُشْرِكِينَ واسْـتُشْهِدُوا: ﴿لأُكَفِّرَنَّ عَنْهم سَيِّئاتِهِمْ﴾ جُمْلَةٌ قَسَمِيَّةٌ، خَبَرُ المُبْتَدَأِ الَّذِي هو المَوْصُولُ، وهَذا تَصْرِيحٌ بِوَعْدِ ما سَألَهُ الدّاعُونَ بِخُصُوصِهِ، بَعْدَ ما وعَدَ ذَلِكَ عُمُومًا: ﴿ولأُدْخِلَنَّهم جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ﴾ أيْ: مِن تَحْتِ قُصُورِها الأنْهارُ، مِن أنْواعِ المَشارِبِ مِن لَبَنٍ وعَسَلٍ وخَمْرٍ وماءٍ غَيْرِ آسِنٍ، وغَيْرِ ذَلِكَ مِمّا لا عَيْنٌ رَأتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ: ﴿ثَوابًا مِن عِنْدِ اللَّهِ﴾ في مَوْضِعِ المَصْدَرِ المُؤَكِّدِ لِما قَبْلَهُ، فَإنَّ تَكْفِيرَ السَّيِّئاتِ وإدْخالَ الجَنَّةِ، في مَعْنى الإثابَةِ. وأضافَهُ إلَيْهِ تَعالى لِيَدُلَّ عَلى أنَّهُ عَظِيمٌ، لِأنَّ العَظِيمَ الكَرِيمَ لا يُعْطِي إلّا جَزِيلًا كَثِيرًا. كَما قِيلَ: ؎إنْ يُعاقِبْ يَكُنْ غَرامًا وإنْ يُعْـ طِـ جَزِيلًا فَإنَّهُ لا يُبالِي ﴿واللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ﴾ أيْ: حُسْنُ الجَزاءِ لِمَن عَمِلَ صالِحًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب